الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تمظهرات الصراع السياسي

محمد سيد رصاص

2008 / 6 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


السياسة هي تكثيف ملخِص في مجتمع محدد لتنوعات البنية الإقتصادية-الإجتماعية-الثقافية،ماينعكس في الرؤى،أولاً كأفكار سياسية وبعدها كبرامج،ثم ثانياً في الممارسة العملية.
من هنا،نرى في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة،وعبر مثالها الكلاسيكي في الغرب الأوروبي بين عامي1848-1939،كيف أن السياسة قد أخذت تمظهرالصراع الطبقي،ولكن عبر محتويات اقتصادية - اجتماعية- ثقافية.في مجتمعات أخرى،بالبلقان حتى عام1918 ثم في الإمبراطورية العثمانية حتى التاريخ نفسه،أخذت السياسة أشكال صراعات قومية،أودينية،أودينية - قومية،ولكن أيضاً مع محتويات اقتصادية-اجتماعية- ثقافية.لاحقاً لتاريخ1918،تمظهرت السياسة،وعبر تلك المحتويات الثلاثة كذلك،في أشكال صراعات لغوية-جهوية(كندا،بلجيكا)،وقبلية(رواندا،وبوروندي)،ودينية- جهوية(ساحل العاج بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي)،ودينية(لبنان1975)وطائفية(عراق مابعد2003،لبنان2008)،لتعود كذلك وتأخذ في بلقان مابعد الحرب الباردة أشكالاً متعددة:قومية- طائفية(بين الصرب الأرثودكس والكروات الكاثوليك)،ودينية- قومية(الإثنان المذكوران مع البوسنيين المسلمين،ثم الصرب مع الألبان المسلمين)،وهو أمر ليس القفقاس،من خلال مثال الصراع الأرمني-الأذربيجاني على اقليم ناغورني كاراباخ،ببعيد عنه،فيمانرى في سيريلانكا كيف يحمل الصراع بين التاميل والسينهال ثلاثة أشكال مجتمعة بداخله بوقت واحد،قومية- دينية- مناطقية(= جهوية).
لايعبر هذا عن عدم وجود طبقات في المجتمعات المذكورة آنفاً،وإنما عن نزوع هذه الطبقات ،أومعظمها،في لحظة محددة،إلى تغليب الأشكال الأخرى غير الطبقية،من قومية،أودينية،أودينية-قومية،أوطائفية،أوجهوية،لخوض الصراع من خلالها،ولوأن المصالح الإقتصادية-الإجتماعية-الثقافية تكون هي الوقود المحرِك لهذه الصراعات،تماماً مثل حال الصراع الطبقي.
بالتأكيد،كان شكل الصراع الطبقي المحض،كما في المجتمعات الأوروبية الغربية،هو الشكل الأكثر تقدماً،إذا أخذناه كمقياس لتطور المجتمعات من الناحية الحضارية،وهو مايعطي المؤشر على كون الأشكال المغايرة لذلك من الصراعات السياسية،التي جرت في مجتمعات أخرى أوالتي جرت في مجتمعات أوروبية محددة(مشكلة الباسك في اسبانية مابعد فرانكو)،بوصفها تعبيراً عن عدم وصول المجتمعات المعنية إلى تجاوز عتبات محددة من التطور الحضاري،إلاأن ذلك يبقى أساساً بوصفه مؤشراً على مشكلات لم تحل بعد،وليس عن تخلف أوعن رجوع إلى الوراء بعد حصول تقدم"ما".
في عام1685نقض الملك الفرنسي لويس الرابع عشر مرسوم نانت(1598)،الذي كان ميثاقاً ل"العيش المشترك"بين الكاثوليك و البروتستانت الفرنسيين،طارداً ملايين من مواطنيه البروتستانت إلى خارج الحدود،نحو جنوب انكلترا ومدينة جنيف:في عام1974لم يذكر أحد من الفرنسيين بروتستانتية المرشح للإنتخابات الرئاسية جاك شابان دلماس(وقبلها كان رئيساً للوزراء في زمن الجنرال ديغول) رغم كون البروتستانت لايمثلون أكثر من 1%من الفرنسيين بالقرن العشرين،وهوشيء تكرر مع ليونيل جوسبان في عام2002لماترشح للرئاسة ضد جاك شيراك:كان هذا تعبيراً عن مشكلة قد حُلَت،رغم كونها خلال قرنين قد قادت إلى مجازر وتهجيرات،وإلى حروب أدمت غرب ووسط أوروبة ، بعد هزَة الإنشقاق البروتستانتي في عام1517،ليأخذ الصراع الداخلي في أكثر من بلد أوروبي،وبين دول أوروبية،أشكالاً طائفية بين الكاثوليك والبروتستانت.
في العراق،قاد الصراع البعثي-الشيوعي يوم انقلاب 8شباط1963،الذي قام به حزب البعث على حكم اللواء عبد الكريم قاسم،إلى مواجهة مسلحة بين منطقتي الأعظمية والكاظمية ببغداد،استمرت عدة أيام بعد الإنقلاب حتى حسم البعثيون الصراع لصالحهم :بعد يوم9نيسان2003أخذ الصراع بين المنطقتين شكلاً سياسياً متحدداً بين اتجاه اسلامي سُنِي وآخر مماثل شيعي،بحيث كان هنا كلاً من الشيخ حارث الضاري والسيد عبد العزيز الحكيم في موقعي علي صالح السعدي وسلام عادل،برغم أن والد السيد الحكيم،أي السيد محسن لماكان مرجعاً،قد وجد نفسه في تحالف موضوعي مع البعثيين ضد الشيوعيين،المتمركزين أساساً في الوسطين الشيعي والكردي،لماأفتى بتكفير الشيوعيين في عام1960وحرَم حتى التعامل اليومي معهم،وهوأمر ينطبق على حزب الدعوة(1959)والحزب الإسلامي(1960)،اللذان تأسسا كرد فعل ،اسلامي شيعي(حيث كانت سجالية السيد محمدباقر الصدر الفكرية الأساسية هي ضد الماركسية في كتاب"فلسفتنا")،واسلامي سُنِي على هيمنة الحزب الشيوعي العراقي الفكرية-السياسية في زمن حكم اللواء قاسم.
بفرنسة،تمَ تجاوز ذلك من خلال ثورة صناعية،وانتصار سياسي للطبقة البورجوازية على الأرستقراطية والكنيسة الكاثوليكية المتحالفة مع نظام الحكم المطلق في ثورة1789،ثم عبرتحديثات نابليون في الدولة والقوانين والمجتمع والأنظمة العامة:في عراق نظام البكر-صدام،بين عامي1968-2003،وُضع الشيعي،والكردي،في زاوية ضيقة،من قبل نظام كانت قاعدته الاجتماعية الأساسية عند السُنَة العرب،الذين استأثروا بالمناصب والتعيينات والقرار،ليرتمي الكردي منذ عام1970في أحضان البرزانيين(ثم الطالباني معهم بعد عام1975)،والشيعي في كنف الأحزاب الاسلامية الشيعية منذ النصف الثاني للسبعينيات،بعد أن كان الشيوعيون هم الأقوى حتى التاريخين المذكورين في الوسطين الكردي والشيعي من الأحزاب الكردية القومية وتلك الاسلامية الشيعية.
هذا يعبر عن فشل الأيديولوجيات الحديثة في مجتمع ،كالعراق مثلاً،على حل المشكلات الإجتماعية القائمة،وعلى نقله إلى شكل أرقى،تصبح - وتثبت- فيه التعبيرات الحديثة هي التمظهرات السياسية لتنوعات البنية الإقتصادية-الإجتماعية-الثقافية العراقية،وصراعاتها وتموجهاتها وتلاقياتها.
هل يمكن تفسير استدعاء الماضي الإسلامي،ورموزه المتفارقة،إلى الصراعات السياسية الحديثة،في شرق أوسط القرن الحادي والعشرين،من دون ذلك؟........... ثم:كم سيطول ذلك،ومتى ستصل المنطقة إلى محطة الخروج من هذا؟............








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA