الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحمول وسنينه

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2008 / 6 / 18
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لم تكن لدى أدنى رغبة فى الكتابة عن ذلك الجهاز الساحر الذى لم تتفق الشعوب العربية على تسميته، إذ يُطلَق عليه الموبايل أو الهاتف المحمول أو النقال أو الخلوى أو الجوال. وفى الواقع فإن هنالك سببين دفعانى للكتابة عن هذا الهاتف. السبب الأول هو أن المصريين صاروا مغرمين به ويتسابقون على اقتناء أحدث الأجهزة التى تتمتع بمزايا وخصائص متعددة. لقد استبد بنا الهوس للحد الذى بلغ فيه عدد المشتركين فى خدمة المحمول 32 مليون مواطن وهذا الرقم ليس من عندياتى بل هو تصريح لوزير الاتصالات فى قناة النيل الإخبارية فى 22 إبريل 2008م. وهذا التزايد فى عدد المشتركين أدى إلى رواج هذه السلعة مما دفع الكثير من المستثمرين إلى تغيير أنشطتهم إلى تجارة الهواتف ومستلزماتها. أما السبب الثانى الذى جذبنى للكتابة فهو أننى لا أتقبل ولا استسيغ التسمية التى اخترناها لهذا الجهاز وهو المحمول لأن— فى ظنى—الإنسان هو الذى صار محمولا ومقهورا وأسيرا لهذا الجهاز بحيث لم يعد يسعى لتفادى جوانبه السلبية ولا يأبه بمعرفة كل الهواجس والشكوك التى تحاصره وتحيط به من كل جانب.

من المعروف أن خدمة المحمول بدأت فى مصر عام 1998م حيث أعلنت الشركة المالكة أنه لن يهدأ لها بال إلا إذا بات المحمول فى يد الجميع ثم انضمت شركات أخرى لحلبة المنافسة حيث يتفنن القائمون عليها لجذب المواطنين ولحثهم على استخدام هذا الجهاز الساحر الذى استولى على ألباب الشباب وقلوب النساء والشيوخ. لقد أصبح المحمول مثل الساعة التى لا تفارق معصم الرجال والنساء. ولا شك أن المحمول— شأنه شأن سائر مبتكرات هذا العصر— له استخدامات محمودة، إذ يساهم فى انجاز الكثير من المهام ويوفر الكثير من الجهد والوقت ويمكن استخدام المحمول لإرسال رسائل تحذيرية للمواطنين فى حالة اقتراب خطر ما مثل الزلازل والكوارث الطبيعية كما الحال فى اليابان أو لاستدعاء نواب الشعب لإقرار أو تمرير قوانين تشريعية كما الحال فى مصر.

وفى نفس الوقت فإن المحمول له أيضا جوانب سلبية، فمثلا لا يغلق الكثير من المواطنين أجهزة المحمول فى دور العبادة وقد يعكس الموبايل اللامبالاة وعدم الاحترام وقلة الذوق إذا انطلق رنينه فى سرادق العزاء ودور السينما والمسارح والقطارات. والجدير بالذكر أن بعض الدول تحرص على تخصيص عربات خالية من الموبايل فى القطارات كما الحال فى اليابان حيث يصبح المرء متهما بقلة الذوق وانعدام الأدب أذا انطلق رنين هاتفه وكذلك يحظر استخدام المحمول على متن الطائرات حتى لا تتأثر أجهزتها الإلكترونية ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن الطلاب فى مدارسنا وجامعاتنا لا يحرصون على غلق هواتفهم أثناء الدروس والمحاضرات والامتحانات. وربما لا ينتبه مسئولو التعليم فى بلادنا أن المؤسسات التعليمية فى معظم دول الغرب وأمريكا تتخذ إجراءات متشددة تجاه هذا السلوك، لقد حظرت المدارس الأمريكية استخدام المحمول لما يسببه من إزعاج وتعطيل الدراسة. أما فى بريطانيا فإن مجرد حيازة موبايل أثناء الامتحانات كفيل بإلغاء امتحان الطالب.

وهناك أمران لا بد أن نتناولهما قبل أن نغلق الحديث عن المحمول: الأول يتعلق بالأضرار الاقتصادية التى تلحق بمدمنى المحمول (إذا صح التعبير) والآخر يتمثل فى الشك والريبة والهواجس تجاه هذا الجهاز الذى لا يفارق أيدينا أو جيوبنا. ومن أبرز الأضرار الاقتصادية التى تتعلق باستخدام المحمول هو إنفاق المواطنين كل ما لديهم من أموال لشحن المحمول أو استبداله بالموديلات الحديثة وأحيانا نفاجأ بأن كل فرد من أفراد الأسرة يقتنى جهازا يعبث به مهدرا الكثير من الأموال فى أشياء لا فائدة منها. وتبين لنا استطلاعات الرأى والدراسات الاقتصادية أن استنزاف أموال العملاء يجرى على قدم وساق حيث يشير استطلاع الرأى الذى أعده مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار لمجلس الوزراء المصرى أن 46 % من مستخدمى الهاتف المحمول أنفقوا فى عام 2005م أكثر من نصف مليار جنيه فى مهام غير مفيدة مثل تبادل الرسائل والنغمات والأغانى والصور. من الواضح أن مدخرات المصريين باتت فى خطر أو ربما ذهبت أدراج الرياح.

أما ما يثير الريبة والشك فى منافع وأضرار هذا الجهاز الذى استولى على عقل الإنسان فمرده إلى المجتمع العلمى الذى مازال يكتنفه الحيرة حول تحديد مدى خطورة هذا الجهاز على مخ الإنسان وأجهزته التناسلية. فالدراسات التى أجراها المعهد الهولندى لأبحاث السرطان بكوبنهاجن تبين أنه لا توجد أية علاقة بين التليفون المحمول وسرطان المخ. وعلى النقيض من ذلك فإن الدراسة التى قامت بها الوكالة الدولية لأبحاث السرطان والتى أجريت على 4500 مستخدم تبين أن هناك علاقة واضحة وبارزة بين حدوث الأورام فى أحد جانبى الدماغ واستخدام الموبايل. وتجدر الإشارة أن للباحثين فى دول عديدة مواقف مماثلة حول الخطورة الكامنة فى إساءة استخدام المحمول. تبين لنا الصحفية جنين انترلاندى فى مقال لها فى مجلة نيوزويك الأمريكية الصادرة فى 19 ديسمبر 2007م أن الخبراء الأمريكيين يعبرون عن قلقهم تجاه أجهزة المحمول لأن هناك إشعاعات تنبعث منها نتيجة الاتصال بمحطات التقوية. ومن المعروف أن الجرعات الزائدة للإشعاعات ذات الترددات العالية تؤدى إلى أمراض خطيرة مثل السرطان. لقد توصل فريق من الباحثين الإسرائيليين إلى حقيقة مفادها أن كمية الإشعاعات الضارة التى نتعرض لها تكون أكبر كلما ابتعدنا عن محطات التقوية ومن ثم فإن سكان الأرياف التى تقل فيها نسبة محطات التقوية باتوا أكثر تعرضا لسرطان الأذن الوسطى. وكذلك تقول الدوائر العلمية إن المحمول له تأثير سلبى على القدرة الإنجابية للرجال. لقد ذهبت دراسة أعدها فريق من الباحثين بمعهد الكلى والمسالك البولية التابع لمؤسسة كليفلاند الطبية والتى نشرت نتائجها فى مجلة الخصوبة والعقم (2008م) إلى أن هناك ثمة علاقة وثيقة بين تناقص عدد الحيوانات المنوية فى الرجال والمقدار الزمنى لاستخدام الموبايل، أى أن الاستعمال المكثف للمحمول (6 ساعات يوميا لمدة 5 أيام) قد يؤثر سلبا على الحيوانات المنوية.

وحيث أن أورام المخ تستغرق 30 أو 40 عاما لتعلن عن نفسها فقد أوصت هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية بضرورة تقليل المخاطر المرتقبة من خلال تقليص زمن التعرض للإشعاعات ومن خلال الاستعانة بسماعات الأذن. وبعبارة أخرى فإن المرء فى حاجة إلى توفير قدر من المال المهدر فى استخدامات غير مجدية وعليه فى نفس الوقت أن يتجنب التعرض للإشعاعات الضارة التى قد تهدد حياته فى المستقبل. لعل الإنسان يتذكر دائما أن استخدام المحمول لمدة ساعة يوميا لمدة عشر سنوات متتالية من شأنه أن يتسبب فى الإصابة بنوع غريب من أورام المخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد سنوات من القطيعة.. اجتماع سوري تركي مرتقب في بغداد| #غرف


.. إيران تهدد بتدمير إسرائيل.. وتل أبيب تتوعد طهران بسلاح -يوم




.. وفاة طفل متأثرا بسوء التغذية ووصوله إلى مستشفى شهداء الأقصى


.. مدرسة متنقلة في غزة.. مبادرة لمقاومة الاحتلال عبر التعلم




.. شهداء وجرحى بينهم أطفال في استهداف الاحتلال مجموعة من المواط