الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إستفحال الإستغباء بالتصفيق

عاصم بدرالدين

2008 / 6 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أعتقد أن السخافة وصلت حد المجرزة، في التعاطي مع موضوع تقسيم الحقائب الوزارية على الأفرقاء المحليين. الأمر تخطى المعقول وصار شكلاً منمطاً للخفة والإستخفاف بالناس وعقولهم وذواتهم جسداً وروحاً. أعلم أن الأمر ليس بجديد، لكن مع ذلك، لم يصل من قبل إلى هذه الدرجة من الدناءة والإنحطاط. هناك سفور في الغباء والإستغباء. يستغبون الناس، بإستغباء أنفسهم. الأمر واضح وجلي للجميع، هناك تقاسم للوزارات لأجل أهداف إنتخابية، أكثر منها إنمائية. ما معنى هذا الهجوم على الحقائب المسماة خدماتية في هذا الوقت بالذات، لحكومة همها الأساس سيكون التحضير للإنتخابات النيابية المقبلة صيف 2009؟

لا ريب هنا أن هناك إستفحال وفجور بإستغبائنا. لكن ككل شيء، هناك شرفاء أنقياء. وملاعين نجسين. الجنرال عون يُنظِر علينا بأهمية الوزارات خدمة للشعب، بينما هو يمارس العهر الإستيزاري نفسه، حاله حال الجميع كي لا نخرج عن مبدأ المساواة. لا نفهم لما كل هذا الفجور والبجاحة. هل إنتبهوا أنه في الأيام الماضية مرت البلاد في أزمة طاقة، حتى الآن لم نخرج منها، بأكثر من ثمان إلى عشر ساعات من الكهرباء؟ هل إنتبهوا أن الأسعار تحرق أجساد المواطنين وجيوبهم؟ هذا البغاء السياسي بعينه. عندما تصير السياسة سلعة، ويصبح المواطن مجرد زبون، يُباع من كيس الخدمات، ويشترى صوته. في عملية جائرة لخنق الحريات الإنتخابية وتدميرها، الحريات الفردية، حرية الرأي والتعبير والقول.

عندما تصبح لقمة العيش، تقايض بصوت الجائع الإنتخابي تفقد الديمقراطية معناها، وتنام الحرية مع الأفاعي. وتستحيل خطراً خطيراً على البلد كله. هذا النظام لا نحلم فيه أن نكون أكثر من زبائن، فهو ينمي فينا، تلقائياً، الزبائنية والإستتباع لصاحب الرأسمال الإقطاعي المتماهي مع السياسي والوزاري. هذا هو قمع الطوائف، لا تأكل إلا حين تكون معي، أو قل خلفي. لا تزفت طريق ولا تبنى مدرسة، لا ترمم مستشفى إلا حين تنصاع لأوامري. صارت السياسة، ومن ورائها النيابة والوزارات، شكلاً من أشكال العائلية. المدقق في أسماء النواب الحاليين والمضطلع على النواب الذين سبقوهم منذ الإستقلال الأول يفجع، يصدم! أيعقل أن أسماء العائلات نفسها تتكرر؟ والأغرب، والأنكى، أن يكون هناك صلة دم حقيقة بينهم.. وهذا حتمي!

ويستمر العهر الإستيزاري في ممارسة الزنا على أبناء هذا الشعب، الغبي حقيقة والمتخلف. لقد سقطت أسطورة اللبناني، ذاك النابغة الذي يستنبط من الرمل ذهباً فكرياً. المعجزة اللبنانية صارت كارثة مكلفة بشرياً ومادياً. أصلاً هذه المعجزة ما هي إلا من بنات أفكار أبناء هذا الكيان المشتت، حين بنوا هذا الوطن من قطع متناثرة لملمة، لطوائف لا يمكن أن تكون إلا متناحرة. هذا العهر يصل إلى أقصى مواصيله، في وزارة الطاقة، التي تشبه حقاً العاهرة وهي واقفة تبحث عن رجل (لأن النساء غائبات عن التوزير في بلد يفترض أنه قطع شوطاً في المساواة! في أحلام أبنائه، فقط، طبعاً) يعتلي كرسيها. ولكن الكل يتهرب منها، لأنها دنسه وكافرة، ولأنها صارت عصية عن السرقة لكثرة ما نُهب منها. أو لأنها صارت صعبة التصليح (لكي نكون بنيات حسنة!).

ويمتد الإستفحال التعهري إلى شوارع العاصمة بيروت. فهذا الفريق المحترم يمتنع عن رفع الصور، وأقصد تيار المستقبل، بحجة أن صورة الشهيد رفيق الحريري المنثورة بكثرة على الجدران، حرام رفعها لأنها مقدسة، قدسية صاحبها في نظر مريديه، وكأن آل الحريري قد إشتروا المدينة، وكأن هذه الصور ستعيد الميت أو تقاصص قاتله، أو تحفره في ذاكرة الناس، أكثر من أعماله: سيئة كانت أم إيجابية. أما هناك في ضاحية المقاومة، فهم غير معنيين أصلاً بهذا القرار التي إتخذه الأمن اللبناني، فحزب الله يعتبر الضاحية الجنوبية ملاكاً خاصاً لنفسه ووليه الفقيه، لذا تصبح صورة القائد حسن نصرالله (وخميني وخامينئي)، رمزاً لسيادة الدولة وإستقلالها وإنسحابها من كنف الدولة المشلولة.

في بلد يصير العهر خبزه اليومي، تصبح الناس أكثر موتاً ويأساً. لا نعلم كيف نواجه هذا الكم الهائل من اليأس. لا الدوحة ولا دمشق ولا القاهرة والرياض سيصنعون مجداً لبنانياً، لأن هذا المجد لا يبنى على اليأس. والأموات لا يصنعون مجداً طبعاً. ونحن نموت كالأموات لأننا موتى. شعب ينزلق سريعاً إلى الهاوية وهو لا ينفك عن التصفيق. كرهناه لدرجة إلتصاقه بخطابات السفاهة اللبنانية. وطبعاً لا ننسى القبضات التي ترتفع وهي تفدي نفسها روحاً ودماً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار