الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحولات في دور الدولة الاقتصادي بين الدول المتقدمة والنامية

فلاح خلف الربيعي

2008 / 6 / 17
الادارة و الاقتصاد


ارتبطت التحولات في دور الدولة الاقتصادي في الدول المتقدمة بالتحولات في الوقائع الاقتصادية وتحديدا بظروف الدورة الاقتصادية من ناحية والتحولات في الفكر الاقتصادي ، من ناحية ثانية ، فبدأت الدولة محايدة أو تقليدية ثم تحولت الى فاعلة وأقل حيادية، ثم عادت ثانية لتمارس دوراً أقل فاعلية وأكثر حيادية.
فأثناء فترات الازدهار والانتعاش الاقتصادي تبنت الدول المتقدمة الفكر الاقتصادي الليبرالي الذي يدعو الى تحجيم دور الدولة الاقتصادي وبخاصة في مجالات الإنتاج والتجارة. وحصرها في الأنشطة التقليدية كالأمن والدفاع،و جاء هذا التوجه كجزء من الدفاع عن الحرية الاقتصادية والمنافسة الكاملة التي تتطلب إنهاء كافة أشكال التدخل الحكومي والممارسات الاحتكارية التي كانت قائمة في مرحلة الرأسمالية التجارية، ولم يكن في وارد الكلاسيك حدوث الأزمات الاقتصادية، فالسوق كانت فاعلة او ساخنة جدا Over heated،وكانت كفيلة بتصحيح أية اختلالات أو أوضاع خاطئة ، ولكن استفحال الأزمات ومظاهر البطالة والركود بعد الثلاثينات قد أثبت بطلان دعاوى الكلاسيك ، وفتحت المجال لبروز الفكر الكينزي الذي دعا الى خروج الدولة عن حيادها التقليدي وطالب بتبنيها لدوراً إنمائي يمتد إلى جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية، ثم تم التراجع عن هذه التوجه في بداية عقد السبعينات من القرن العشرين بعد ظهور صدمات العرض التي أعقبت فورة أسعار النفط،ودخول الاقتصاد الرأسمالي في حالة من الركود الطويل الأجل، فعادت الهيبة من جديد الى الأفكار الليبرالية ، وهيمنت أفكار مدرسة اقتصاديات العرض بقيادة فريدمان، الذي دعا الى الخصخصة وابتعاد الدولة عن النشاط الاقتصادي .
في مقابل ذلك نجد أن التاريخ الاقتصادي للدول النامية، يشير إلى أن حكومات الدول النامية أخذت اتجاها مغايرا فبدأت فاعلة ثم تحولت نحو دور أقل فاعلية وأكثر حيادية ،فبلغ التوجه نحو توسيع القطاع العام ذروته في بداية الستينات من القرن العشرين،ثم تراخى تدريجياً لينحسر في بداية الثمانينات كنتيجة لاشتداد زخم الخصخصة، مع تزايد دور الشركات المتعددة الجنسية وأتساع نطاق العولمة.
وواجهت حكومات الدول النامية مهمة تحقيق التنمية بعد الاستقلال السياسي،و بسبب حداثة تجربتها التنموية، وغياب المناهج والأفكار الاقتصادية المستمدة من البيئة المحلية اندفعت نحو تبني الخيارات التي تطرحها نماذج النمو الاقتصادي الغربية، وأتت خياراتها في معظم الأحيان كرد فعل على الضغوط السياسية والاقتصادية الخارجية أكثر مما أتت كرد فعل على ضغوط البيئة الاقتصادية الداخلية، فأخذت هذه الدول تحاكي السياسات الاقتصادية المطبقة في الدول المتقدمة ،سواء بشكل مباشر أم غير مباشر ،و لا يبدو من الناحية المنطقية أي مبرر لمثل تلك المحاكاة، فالقوانين والنظم الاقتصادية نسبية و ليست مطلقة في الزمان والمكان ، وعلى كل مجتمع أن يأخذ منها ما يتلاءم ودرجة تطوره وترتيباته المؤسسية ،وبالتالي فأن ما هو مفيد لدول قطعت أشواطاً طويلة في عملية التنمية،قد لا يكون بالضرورة مفيد لدول ما زالت ترزح تحت وطأة التخلف. ولكن ذلك لا يتعارض مع مبدأ الاستفادة من تجارب الدول الأخرى ، على أن تعتمد تلك الاستفادة على دراسة متأنية لتاريخ الدول المتقدمة ، وتحديداً على المراحل التي سعت فيها تلك الدول للخروج من التخلف وتهيئة شروط الانطلاق نحو التنمية ، التي تكشف عن وجود دور حيوي للدولة في تحقيق التقدم الاقتصادي ،وحماية الاقتصاد الوطني ودعم الطبقة الرأسمالية ،ومساعدتها في عملية تجميع الفائض الاقتصادي وتوجيهه لإحداث التراكم الرأسمالي اللازم لعملية التنمية.
وبناءا على تلك التطورات يمكن القول بأن الدولة تلعب دوراً أكبر في عملية النمو كلما كان الاقتصاد أكثر تخلفاً .
فقد أعترف كوزنتس Kuznets بتأثير تلك الفرضية عليه، عندما صاغ فرضيته التي أكد فيها على أن التخلف المتزايد أو الدخول المتأخر إلى عملية النمو الاقتصادي الحديث ،سيمارس ضغوطاً كبيرة تدفع بوحدات القطاع الخاص التي تدخل متأخرة إلى السوق إلى الاعتماد بشكل متزايد على سلطة الدولة لمساعدتها على اللحاق بالوحدات الأكثر تقدماً.
وعلى هذا المنوال يعزو الاقتصادي ايكشتاين Eckstein حاجة الاقتصاد إلى التدخل المكثف للدولة بالعوامل آلاتية:-
1- كلما كان مدى الأهداف التي تسعى التنمية الاقتصادية إلى تحقيقها واسعاً،من الناحية الكمية والنوعية .
2- كلما قصر الأفق الزمني الذي تحتاجه عملية تحقيق الأهداف .
3- كلما زادت ندرة الموارد والوسائل المتاحة لتحقيق هذه الأهداف.
4- كلما زادت العوائق غير الاقتصادية أمام عملية التغيير الاقتصادي والتصنيع ،و الناتجة عن ضعف مرونة أو جمود البنيان الاجتماعي والثقافي والمؤسسي ،لأن هذه العوامل ستنعكس بدورها على الترتيبات التعاقدية والقانونية ، ودرجة التحضر وخصائصه ، ودرجة الحراك الاجتماعي ،وطبيعة البناء الطبقي، وتركيبة القوى السياسية وحجم المشاركة الشعبية في صياغة وتنفيذ القرارات التنموية ، ونظام القيم السائد ، ومدى نقدية عمليات التبادل ،ومدى تفاعل تلك العوامل مع بعضها البعض .
5-كلما زادت درجة التخلف النسبي للاقتصاد .
ويرى "ايكشتاين " أن هناك ارتباط قوي بين مستوى التنمية الاقتصادية وبين الفرص المتاحة للقطاع الخاص ولممارسة الاختيار و المبادأة الفردية ، ألا أنه يؤكد من ناحية أخرى على أهمية دور القيود الداخلية وبخاصة قيود التقنية والموارد ،التي لا تترك مجالاً واسعاً لاختيار الشكل المؤسسي الملائم لعملية التنمية الاقتصادية في الدول النامية.
ويمكن القول بشكل عام أن عملية الاختيار تجري بصورة تلقائية في الاقتصادات التي يسيطر فيها القطاع الخاص ونظام السوق ،اما في الاقتصادات التي يسيطر فيها القطاع العام ونظام التخطيط المركزي فأن عملية الاختيار وآليات التصرف بالموارد الإنتاجية والسياسات الاقتصادية تكون في الغالب دالة لتوجهات النظام السياسي، أكثر من كونها دالة في المتغيرات الاقتصادية.
و يميز "ايكشتاين " بين خمسة أصناف من التدخل الحكومي في المجال الاقتصادي وهي:-
1- التدخل الحكومي لتوفير رأس المال الاجتماعي ,بما في ذلك الحفاظ على القانون والنظام في المجتمع, تحديد الالتزامات القانونية والتعاقدية وتنفيذها , تقديم التسهيلات التعليمية والصحية,والقيام بالوظائف العسكرية والدفاعية.وهي كلها يجري تجهيزها عادة من قبل وكالات حكومية .
2- توفير البنية الارتكازية الاقتصادية , مثل المصارف المركزية والتسهيلات النقدية والمالية , والطرق العامة والمرافق العامة الأخرى كالماء والكهرباء ووسائل المواصلات والاتصالات وبخاصة شبكات سكك الحديد
3-تطبيق الرقابة المباشرة و غير مباشرة من خلال إجراءات متنوعة مثل التعريفة الجمركية والضرائب والدعم وتقنين السلع والائتمان والرقابة على الأسعار.
4- إقامة بعض المشروعات الحكومية ، التي تتراوح بين إدارة بعض الصناعات أو بعض المشروعات العامة في صناعات مختلفة , أو الملكية العامة لبعض أو كل وسائل الإنتاج .
5- التخطيط المركزي الذي قد يشتمل على تركز كامل أو جزئي في عملية صنع القرار الاقتصادي في مجلس تخطيط قومي مركزي .
وأن كل من الصنف الأول والثاني للتدخل الحكومي يمثلان الحد الأدنى من وظائف الحكومة ،ويمثلان النمط السائد في معظم الدول الصناعية المتقدمة, أما الصنف الاخير وهو أسلوب التخطيط المركزي الشامل, فيمثل الحد الأعلى للوظائف الحكومية.
و بصورة عامة،كلما زادت شمولية وسرعة ما توفره الحكومة من الحد الأدنى من وظائفها , قل الضغط أو الحاجة إلى قيامها بوظائفها في حدها الأعلى . فربما يكون الاعتماد على الحد الأعلى من الوظائف الحكومية دليلاً على فشل الحكومة في توفير الحد الأدنى من وظائفها في الماضي والحاضر.و يتحدد النمط الأمثل لتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ، في إطار الأهداف التي تسعى إلى رفع مستويات التنمية الاقتصادية والبشرية على أن يصاحب ذلك توسيعاً لنطاق ممارسة الاختيار والمبادأة الفردية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمين عام -الناتو- يتهم الصين بـ”دعم اقتصاد الحرب الروسي”


.. محافظات القناة وتطويرها شاهد المنطقة الاقتصادية لقناة السو




.. الملاريا تواصل الفتك بالمواطنين في كينيا رغم التقدم في إنتاج


.. أصوات من غزة| شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 25-4-2024 بالصاغة