الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد غني حكمت وغياب الحكمة !!

وديع شامخ

2008 / 6 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا يتناطح مجنونان !على بشاعة ما خلفه الرعاع وأعمالهم الهمجية من نهب وسلب وفرهود بعد سقوط النظام البائد وحلّ الدولة العراقية، ولاسيما للأعمال الفنية واللقى الاثارية التي تضمّها متاحفنا وقاعات العرض ، وكذلك التماثيل التي تزين ساحات بغداد.. تلك التماثيل الفنية التي كانت تحتفي بالجمال العراقي والشخصيات السياسية والفنية والتاريخية والتي كان لها دور مهم في حياة العراقيين قديما وحديثا. ورغم إختلافنا على أهمية هذا الشخص او ذاك، لكنهم صاروا رموزا في الذاكرة الجمعية للشعب العراقي، وقد كان النحات المبدع محمد غني حكمت من الفنانيين الذين زرعوا ساحات بغداد وأماكنها الجميلة بتلك التماثيل ، والرجل مبدع ومجتهد ومثّال وحرفي وله العديد من هذه الاعمال مثل : الكرخية و تمثال المتنبي شهريار كهرمانة علي بابا والأربعين حرامي ومنها تمثال "ابو جعفر المنصور" الخليفة العباسي المهم وباني أمبراطورية العباسيين في عاصمتهم " بغداد" ، هذا العمل الفني قد طاله العطب كما طال الحياة العراقية برمتها بعد العطب المؤقت والفراغ الامني وسيادة البداوة والعصبية القبلية والمذهبية والسياسية على الساحة العراقية. واني إذ أمقت هذه الاعمال الغوغائية كما يمقتها الفنان محمد غني حكمت بقوله" لأنه كل الذي حدث ليس من المعقول فان أفعال مثل القتل والذبح والسرقات والخيانات هذه جميعها تأتي من الجهل المطلق عند الناس الذين قاموا بهذه التصرفات. هذا الهدف مرسوم له ومقصود حدوثه ويقود الي تدمير الانسان العراقي وتحطيمه ، فيبقي انساناً في الشكل فقط ، اما في داخله فهو ليس انسان بل حيوان مفترس أو حيوان طاغي أو حيوان مجرم ، وهذا هو الذي حدث عندنا في العراق" وهو متفائل أيضا في تجاوز هذه المحنة حيث يؤكد على" هذه ليست أول مأساة تحدث للشعب العراقي ، ليست أول مرة وأتمني أن تكون آخر مرة ، أنا عادة أُشّبه العراق مثل (الثيل) في الحدائق الذي يبدو أخضرا وجميلا، وعند قطعه في كل مرة ينبت من جديد ويعود لينمو أكثر جمالا. هذا هو تفاؤلي في الشعب العراقي، انه في جذورنا فهناك حضارتنا التي تسري بدمائنا هذا هو الانسان العراقي الحقيقي، هناك الكثير من العراقيين الواعين. أنا لا انظر الي المجرم الذي يُحدِث المآسي ويسبب لها ، هناك آخرون ، هناك شعب بأكمله. أُشاهد أحيانا عبر شاشة التلفزيون نهضة جديدة في الفن." .
كم هو مقنع ورائع هذا الفنان المتسامي على الصغائر والكبائر !؟
ولكن غير المقنع وغير الحكيم في الامر.. ،والذي ارجو مخلصا أن يكون مبدعنا قد وقع في التباس ما لاسباب نجهلها، هو السبب الذي يدفع بهذا الفنان الذي يفترض انه يعرف خفايا المحنة ويستشرف الضوء في النفق الى القول" فأنا قد قمت بنحت تمثال أبو جعفر المنصور من الحجر بارتفاع 6 أمتار سنة 1969 وفي بداية المشروع قرأت تاريخ أبو جعفر المنصور ورأيته رجلا بانٍ لدولة ويستحق كل التقدير والاحترام. أنا أعتقد ان من يقرأ تاريخ أبو جعفر المنصور يعرف انه من أجل أن يبني دولته كان لا بُد له من أن يقضي علي جميع معارضيه. وهذا شيء طبيعي. وكانت هناك فئات ومجموعات قد تضررت من تصرفه ذاك، فطبعا ينسفون رأسه"!!!؟؟؟
اليس من حقي ان استفهم واتعجب عن التصريح الخطير لفنان مبدع ؟؟ والاستفهام قائم هنا ليس على قيام الرجل بنحت تمثال المنصور بأبعاد مخصوصة ولا على مادة النحت ولا على قراءة الفنان لتاريخ الشخصية ، لان كل هذا رائع ويعبر عن فهم ووعي حرفي وابداعي للعملية الفنية عموما ، ولكن السؤال هنا ينصب على حقي في ان اتوقف عند هذا الانحياز الايديولوجي المقيت الذي لا يختلف عن فهم العامة والرعاع والذين ذهبوا الى تحطيم كل ما يجدونه في طريقهم لغاية واحدة في نفوسهم هي الانتقام من معارضيهم !!
كيف يسوغ محمد غني حكمت تبرير تصفية جميع المعارضين من أجل بناء دولة!؟ ومن قال أن الذين قام المنصور بتصفيتهم حينذاك هم أجداد لهؤلاء الرعاع الذين يقتصون من تمثاله اليوم ؟ واين دليل الفنان على هذ الوراثة؟
ولماذا لا يذهب هؤلاء الذين يصفهم بمعارضي المنصور الى التخلص من كل ما يتعلق بأثار الفترة العباسية، ومنها بعض تماثيله التي تخلّد مظاهر الحياة في تلك الفترة العباسية الخصبة ؟؟
واذا كان هؤلاء حقا هم حرامية ومجرمين .. فأننا نرجح أن افعالهم كانت متساوقه مع عمائهم وجهلهم اكثر من فهمهم وعلمهم بشخصية المنصور ودورها في قمع المعارضين!
ولكي لا ادخل في خانق الحوار الطائفي في الرد على خلاصة الفنان المبدع محمد غني حكمت ، وترجيحه لسبب واحد واتهامة طائفة مخصوصة في الاعتداء على تمثال المنصور ، أتمنى أن يبتعد المبدعين عموما عن الوقوع في شراك مخيفة وحقول الغام لا تقل عن خطورة اعمال الرعاع في تهديم التماثيل وسرقة الاثار واللوحات ، لان الفنان في تقديري بوصلة لمجتمعه وهو في دائرة الضوء ، فعليه ان لا يكون مجّانيا في طرحه السياسي وانفلات خطابه من صوت الحكمة وهو ما نكون احوج اليه يا محمد غني حكمت.. سيما وان الفنان محمد غني حكمت يؤكد على أن "حدث ذلك لمرة واحدة انه قد حُطِمَ تمثال أو تمثالين في ثورة 14 تموز وهذه أعدها غوغائية. وأعود الي الجهل، فالذين فعلوا ذلك هم الجهلة أيضاً من المتظاهرين وليس الشعب" فلماذا في تمثال ابي جعفر المنصور يحضر الاتهام عريضا لطائفة كبيرة تضررت من معارضتها للحكم العباسي عموما!!؟؟، لماذا ينفلت الفنان بالدفاع على المنصور في قضائه على جميع معارضيه لبناء دولة!!؟؟
اليس هذا سيدخلنا في حيص بيص في مفهوم " ميكافيلي وأميره" بعد أن أفقنا من كابوس الاقصاء والاحتواء والتهميش للرأي الاخر ونحن ندخل مرحلة جديدة في بناء دولة عراقية ديمقراطية تعددية عصرية وحضارية ومدنية ..
ولولا حرصي على مكانة المبدع واهميته لما تجشمت عناء كتابة كلمة واحدة.. ولكن مسؤولية المبدعين عظيمة في هذا الظرف الحرج من تاريخ العراق الجديد الذي نريده خال ٍ من زبد الطائفية ودسم السياسة .
هامش:
* هذه المقالة مناقشة للحوار المنشور في جريدة "الزمان" العدد 13-6-2008 ، صفحة الف ياء، مع محمد غني حكمت أجرته سحر نافع شاكر
* المقاطع المقوسة مأخوذة نصا من الحوار ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟