الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية «الإرهاب» الأميركية

رشيد قويدر

2002 / 5 / 20
الارهاب, الحرب والسلام


May 19, 2002 الحرية



يعود الفضل إلى جورج دبليو بوش، في استعادة سلسلة «قيم» ومفاهيم عامة، تبـرز عادة خلال التحولات التاريخية الحادة
. وهي مصطلحات التفوق في الاطلاقية، على ما شهدناه من محكي مكرر حول «الخير والشر، والحضارة والهمجية، الاستشهاد والإرهاب»، سلسلة تغلغلت في الإعلام والسياسة، كتعبير عن منظومة ذهنية ونفسية، لتصبح لاحقاً جزءاً من الخطاب السائد المكرور، الأمر الذي يأخذنا وفق ما يجري على الأرض إلى الباطن الأميركي، باعتبار كلمة «إرهابي» كلمة ذات سيولة، تضع الغرب أمام تحدٍ مصيري، إما أن يضبطه أو يصبح عرضة للمغيّب عنه، وعدم العودة إلى تفسير المغيب من الحكاية، في هذه الحملة الإعلامية المضللة ومنذ 11 أيلول والمركبة عليه رغم الخلاف في الأهداف والجوهر بين جغرافيا وتاريخ وزمان ومكان. انساق جانب من الإعلام العربي بالتدليس الأميركي. دون أن نسيء النية، ليصبح جزءاً من خطابه السائد، بوصفه محاولة تسويغية عربية بما يستتبعها من المجرى الذهني النفسي إلى السياسي. لقد دخلت هذه المصطلحات إلى الخطاب الإعلامي والسياسي، محاولة تنصيب «شرعيتها» الذهنية، بتوفير الشروط المادية المبتغاة لإنتاجها، لكنها تبقى في شكلها العربي الرسمي، مبعث رثاء وسخرية في آنٍ معاً، لاستمدادها الضرر من المختبئ في الأعماق السياسية الأميركية، أي بين الجلاد: حكومة شارون، والضحية: الشعب الفلسطيني.
وسط هذا الهياج المصطلحي تذوب أسماء الأشياء، فهناك من يتعرض للإرهاب في الغرب ومعه إسرائيل؛ ضمن رؤية هجوم «البـربـرية على الحضارة، والاستبداد على الديمقراطية»، وتجريد للحالة الملموسة المشخصة، وتحويلها إلى صفة مجردة نحو مجموعة وجغرافيا أو شعب أو عرق وحتى دين، في مفارقة تتجاوز الفخر الغربي الذي ألغى الإطلاقية السطحية المبسطة وفق ثنائيات «الطيب والشرير، الأبيض والأسود» وأخرجها من متاهات فكره ومفاهيمه، باعتبارها إنتاج حقبة التصنيفات الكولونيالية، «تصنيفات المجتمعات البدائية المتخلفة». والأمر بـرمته يُدخل العقل الغربي في تناقض مع مفاهيمه وفكره، بدءاً من الإعلام المزور الذي يطمس الحقيقة، ويهز أسس الحياة الفكرية، والأحكام الأخلاقية، التي تمتلك شرعية موضوعية، وتحويله المزور إلى بنى إيديولوجية، بدلاً من الانفتاح والتحقق والحقيقة، باعتبار الانفتاح هو مفتاح الديمقراطية الغربية، مسنوداً بمقولة ماركس التاريخية «لا يمكن أن يكون شعب حراً ما دام يضطهد شعباً آخر»..
أما مصدر هذه الحملة الإعلامية السياسية، فهو نابع من دوائر عليا داخل الولايات المتحدة بالذات، نذكر منها ما يتسع لنا هنا، مثل مجموعة بول ولفوويتز في وزارة الدفاع، وريتشارد ارميتاج في الخارجية، ومجلس إدارة السياسة الدفاعية بقيادة ريتشارد بيرل، وممولي اللوبي الصهيوني ومالكي وسائل الإعلام، ومنها صحيفة لالي وايمت «واشنطن بوست» والشركة الإعلامية الكبـرى هولنجر كوربوريشن للمياردير كونراد بلاك، والتي تصدر عدداً من الصحف منها «التلغراف» اللندنية، و«جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، أما مجلس إدارتها فيضم بيرجنسكي وهنري كيسنجر والبارونة مرغريت تاتشر وريتشارد بيرل. وجميعها خطوط متشابكة لمصنع «الانبعاث الفكري» والتخطيط الاستراتيجي، ويمتد نشاطها إلى عدة حكومات غربية بالتأثير على الرأي العام. وإمبـراطورية روبـرت مردوخ ومنها صحيفة «لندن تايمز» والصحيفة الصهيونية المتطرفة «نيويورك بوست»، ومجلة «ويكلي ستاندرد». أما دوائر صنع القرار الاقتصادي العالمي والمصالح المالية المصرفية الكبـرى، فهي جرائد ومجلات مثل «وول ستريت جرنال» و«فايننشال تايمز» و«ذي ايكونوميست». وخطوط الإشراف الإعلامي متبادلة بين واشنطن وتل أبيب، ومنها التقارير المشوهة والملفقة، وعملية توجيه إمكانات الصقور الأميركية المتشددة واللوبي الصهيوني، في بعث التفكير الإمبـراطوري الروماني ـ الأميركي، و«المصداقية» الأخلاقية لهذه الإمبـراطورية. في صورة تقدم مادي هائل وإفلاس روحي وأخلاقي مريع. فكيف يتفق غرب ما بعد الحداثة مع الكولونيالية الصهيونية القبيحة؟ بينما حمل للبشرية قيم إيجابية هائلة ذات تأثير عميق في التاريخ الإنساني، وبدءاً من عصر التنوير..(!)
ولعدم وجود إعلام عربي رسمي موجه للغرب ذي معنى، تستطيع هذه الإمبـراطوريات الإعلامية أن تصرف الموضوع كموضوع، والتلاعب على صورة الجلاد والضحية، حتى فيزيائياً، وقدرتها على تزوير صورة مجرم الحرب شارون وتقميصه صورة غاندي، والتماهي بين كتلة اللحم الضخمة والرجل النحيل، بالخيال أكثر من الحقيقة، وبالسمسرة بدلاً من الرسمرء منه، كان يتناقض مع ارات الإف 16، نظام الحمية النباتي بقتل الأطفال، المزاج القاتم بالتسامي، الثرثرة مقابل الصمت. وهي لعبة أميركية تحتمل الجد بالسعي إلى السوق والنرجسية، كلعبة فردية لا تحتمل الشراكة، لكنها تتهاوى أمام القيم البسيطة الإطلاقية المدعاة..
لقد تبنت إدارة بوش موقف رئيس الحكومة الإسرائيلية شارون إلى حد كبير، واستوعبت خطة تينيت مشاريعه بالقضاء على عملية «السلام». والعودة إلى جهود إسرائيلية قديمة، ترمي إلى وضع الفلسطينيين في «محميات» سكانية، تشرف عليها «إدارة مدنية». وتعرضت السلطة الفلسطينية إلى ضربات متلاحقة أضعفتها، بعد ضرب البنية التحتية، وارتكاب مجازر دموية ضد التجمعات المدنية، وبناء المزيد من المستوطنات، أما موقف الإدارة الأميركية فقد اتفق مع عنوان حكومة شارون كما أعلنه بأنه «إجراء عسكري متواصل ضد البنية التحتية لإرهاب السلطة الفلسطينية» والتي أعلن أنها تؤيد «الإرهاب»..
لقد سبق وأن احتج بوش على لفظه «شهيد»، في صيغتها العربية، وطالب باستبدالها بـ«إرهاب ومجرمين»، وهنا جوهر الخلاف بين العقل الغربي والتوحيد، فالعقل الغربي يفسر حساباً، ويقود الحساب والتصور الحاسب إلى بتر الموضوع باعتباره خروجاً عن «التعقل ـ الوجود»، في سيولة نحو معاني الضبط، في تماهي التعقل ودقة الأجهزة التكنولوجية والمعلوماتية، ودقة التقنيات العسكرية وأجهزة المخابـرات، أقانيم ترسيخ التفوق العقلاني كموضوع قابل للتكريس باستيعاب الإطار الذي يعطل فاعلية «الإرهابي»، وتحويله إلى جهاز مختل ملحق يفيد القوة الغربية المسيطرة، وهو ما يجري من حساب اسرائيلي مع السلطة الفلسطينية بتوافق وإشراف أميركي، أي باعتبارها مادة خاضعة للحسابات في دمج تصورات العقل الغربي لصورة الموت السلبي «للآخر، المتخلف المختلف» والموقف من «البدائي» في وحدة النسق الرمزي لإنسان بلا قانون وتعقل وما يحمله من خطر راهن. بيد أن الشهادة دعوة وجودية صرفة، يجري تحوير علتها وسببها باعتبارها تدميراً ذاتياً مؤسفاً، وليس ناجماً عن الإحباط واليأس وفقدان الأمل والتحرر من الحياة. في تبـرير لأعمال شديدة التباين، تنعتها الإدارة الأميركية بالإرهاب، يواجهه إرهاب أميركي ـ إسرائيلي على شكل دعم سياسي وموازنات طائلة، وأسلحة متطورة، وأجهزة مخابـرات وحملات متنوعة من الإرهاب. ويثير الاستشهاد؛ الموت الايجابي؛ رهبة التصور الغربي طالما لا يدخل في حسابه، باعتباره يرث أسساً من نوع آخر، تصدم نظام التحكم الغربي وتخلخل رؤيته وجودياً. فهو غير قابل للاستيعاب أو لحساب الاقناع الفكري. ذات الارتجاج الذي خلفته ما سميَّ مثلاً بـ«الموجات البشرية»، كمعنى من معاني الرهبة في التصور لشبكة وعيه، وكتعبير غامض. لكن الاستشهاد يوحد الموت والحياة في وحدة الكلمة والعمل. تحويل التواصل بين الشهادة والغيب أمراً يقينياً، تحويله إلى الحق والخلاص..
ونحن إذ نختم، لابد من التأكيد أننا لم نتناول ظاهرة «الاستشهاد» فوائدها ومضارها، وفي توظيفها سياسياً في زمانها ومكانها، ليس لنا إلا أن نؤكد أن الشهادة باعتبارها دعوة وجودية ذاتية وخاضعة لقرار ذاتي، من الصعب أن يصدها أحد، ونحن في عصر القنبلة النووية، لكن نفاجأ أن الكبـريت والبنزين والسكين وأية أدوات بسيطة لا تخضع للحاسوب، وفق أحداث واشنطن ونيويورك من الممكن أن تتحول إلى سلاح فعال. ووفق الإدارة الأميركية فإن «ما يستبعد الضربة النووية هو استمرار الحرب ضد الإرهاب». أي ارهاب العقل الغربي إذ أنه بعد أن أضاعت أميركا الحكاية بالاستماع إلى المحكي في مخيم جنين ونابلس، محاولة إضاعة الوجود، بيد أن الإنسان هناك أجاب عن نوعية وماهية وكنه الوجود الذي يريده في انتمائه إليه، الأسئلة المغيبة في الحكاية الأميركية..
أما التجربة الثانية للتفكر، وفق أنساقه الغربية، وهي التصورات الكابوسية الصهيونية للسلام، مقترناً بالاستمرارية مع الجذور، مكمن رفضها للتعايش الحقيقي والسلام، الأمران المتداخلان بصلة نسب ربطاً بالموقف من الآخر. وهي رواية اضطراب في المنطقة العربية، بسبب من الشروط المجحفة لعناوين «السلام» الأميركي، ورغبتها غير العادية في إيذاء الآخر، صفقات شيطانية مع عناوين مضللة تحت رايات «الحرية، السلام» في مواجهة «حفنة من الدول المارقة». في الأولى على الإسرائيليين الإجابة أولاً على سؤال بات مطروحاً عليهم أكثر من أي وقت مضى، قرار «السلام» باعتباره إشكالياً يحسم أسئلتهم: من نحن؟ من يجب أن نكون؟ من سنكون؟ وعندها يمكن أن يكتب السطر الأول للسلام، دون ذلك، سيجري توسل السلام عربياً بلا منال، من شيطان مفتوح اليدين فاغراً فمه..









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوكرانيا: حسابات روسيا في خاركيف؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بوتين يُبعد شويغو من وزارة الدفاع.. تأكيد للفتور بين الحليفي




.. كيف باتت رفح عقدة في العلاقات الإسرائيلية - الأمريكية؟


.. النازحون من رفح يشكون من انعدام المواصلات أو الارتفاع الكبير




.. معلومات استخباراتية أميركية وإسرائيلية ترجح أن يحيى السنوار