الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيصل القاسم يسلخ ضيفه في الإتجاه المعاكس للحضارة

صائب خليل

2008 / 6 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


موجز القارئ التعبان
استضاف فيصل القاسم في الإتجاه المعاكس كل من الصحافي محمد عبد المجيد ووكيل سابق لوزير داخلية مصري في حديث عن واقع السجون العربية. تحيز فيصل القاسم نحو المدافع عن السجون تحيزاً مخجلاً غير مسبوق.


سمعت بخبر المقابلة سيئة الصيت للصحافي والصديق محمد عبد المجيد في "الإتجاه المعاكس" من أحد الأصدقاء وليس من خلال مشاهدة البرنامج، فأنا أهرع إلى التلفزيون لأخفضه فور ظهور إعلان "الإتجاه المعاكس" والدكتور فيصل القاسم يصرخ بشكل مخدش للحس ويشير بذراعيه في كل اتجاه. لا أعتبر الإعلان دعاية للبرنامج وإنما "إنذار" لما ينتظر المشاهد من مشاكسة مشوهة غير حضارية إن هو تورط في مشاهدته.

لكني بعد قراءة مقالة للأستاذ محمد عبد المجيد تقطر ألماً لما جرى في البرنامج وشعوره بالأسف والحيف لما حدث، بحثت عن تسجيل للحلقة في الإنترنيت فوجدتها (1) وشاهدتها. والحق أنه يصعب وصف تلك الحلقة وما جرى فيها، فقد تفوقت على كل الحلقات الهمجية التي سبق لي رؤيتها صدفة عبر هذا البرنامج، بل إني لم يسبق لي أن رأيت انحداراً إعلامياً وأخلاقياً علنياً بهذا القدر. على عكس العادة، حتى بالنسبة للمحتالين من الإعلاميين، كان الدكتور فيصل القاسم صريحاً في تحيزه ووقحاً في حركاته وصلفاً في كلماته.

الحوار جرى بين محمد عبد المجيد، صحافي مصري مقيم بالنرويج وعضو باتحاد الصحافيين بالنرويج، أصدر صحيفة "طائر الشمال" عام 1984 وقد كتب الكثير من المقالات المعارضة للنظام الحاكم في مصر وبصفة خاصة للرئيس مبارك. ضيف الحلقة الثاني هو لواء الشرطة مجدي البسيوني، مساعد وزير داخلية سابق ومدير أمن.
موضوع الحلقة كان "واقع السجون العربية" و كان المفروض أن يقدم محمد إنتقاداته لواقع السجون العربية بينما يقوم مجدي بالدفاع عن ذلك الواقع. قد يستغرب الإنسان وجود شخص يقبل مهمة مسيئة للسمعة مثل تلك التي قبلها مجدي البسيوني، لكن وصول الرجل إلى منصب مساعد وزير داخلية في حكومة مثل حكومة مصر، يشرح أن الرجل لابد أن قد قبل ومستعد أن يقبل بمهام أكثر سوءة بكثير.

إضافة إلى صعوبة مهمة مجدي البسيوني من الناحية الأخلاقية، فيجب الإعتراف بأنها صعبة من الناحية الفنية: من يستطيع أن يدافع عن أية سجون أمام الناس، دع عنك "السجون العربية"، وأمام الشعوب العربية التي تعرف ما تعني تلك السجون؟ لمواجهة هذه المهمة التعجيزية، إضافة إلى دراسة الشخص الذي سيقف بوجهه، ونقاط الضعف والقوة، مثل حقيقة كون الرجل يعيش خارج البلاد فترة طويلة، وضع البسيوني خطة واضحة: الهجوم على الشخص، التشكيك بمعلوماته، هز توازنه بأسئلة سريعة وأساليب استفزازية أملاً بدفعه إلى رد فعل غير محسوب يتيح الفرصة للتركيز على رد الفعل هذا بعيداً عن الموضوع الصعب. من الواضح لمن يشاهد الحلقة أن اتفاقاً قد تم بين البسيوني وفيصل القاسم على "تمزيق" ضيف فيصل الآخر بلا رحمة.

كلنا يخطئ احياناً فينفجر بطريقة غير مناسبة، لكن ما حدث لم يكن انفجاراً غاضباً بل خطة معدة مسبقاً بعناية كبيرة. كتب محمد عبد المجيد مخاطباً فيصل القاسم متألماً (2):
" كيف تحوّلتَ من شخص وديع قبل البرنامج إلى مساعد أول طاغية أو جلاد لمستبد أو مفترس لصالح سيد القصر؟
(....) كأنك ذاكرتَ الدرس مئات المرات، وحفظته عن ظهر قلب، وتم اجراء امتحان في جهاز أمن الدولة عن كيفية ارباك ضيفك، وقطع حديثه، واقتطاع كلمات في نهايات الجمل الاستئنافية قبل أن يكملها، والاستهزاء به، والسخرية مما لديه، وحجب أي فرصة على توثيق وإذاعة معلومات وبيانات وأسماء و ....كيف طاوعتك نفسك أن تختار زميلا لك، وتمارس معه أمام الملايين ما يفعله ضابط الأمن ومرشد السلطة وسجّان الرأي، فتقطع لساني ثم تطلب مني الحديث، وتكتم فمي لتصيح مستهزئا بأن ضيفك صَكَّ وجهه، وتلعثم لسانه، وفقد القدرة على الحديث؟"

في البرنامج، كان فيصل يجهد في تجنب الحقائق رغم تظاهره بمتابعتها ولا يتوضح ذلك فقط من خلال مقاطعة محمد عبد المجيد ومنعه من قراءة بعض ما معه من تقارير، بل ايضاً من خلال تجاهله المداخلات غير المناسبة. كتب أحمد هريدي محمد تحت عنوان "إحراق صحفي على شاشة الجزيرة!" (3) قائلاً أنه ارسل الى فيصل معلومات مفصلة قبل البرنامج وأثنائه ترد على أسئلة اللواء البسيوني وتبين كذب ادعاءاته، بعد أن بين له مصادر معلوماته وأهليته للحديث عن الموضوع لكن فيصل تجاهلها تماماً كما تجاهل طلبه المتكرر بالسماح له بالإتصال تلفونياً بالبرنامج أسوة بآخرين.

لا شك ان فيصل، صاحب السمعة السيئة لقضايا عديدة لعل أشهرها فضائح كوبونات النفط مع نظام صدام، لاشك أنه قد قبض الثمن، وإن لم يفعل فليس ذلك إلا حماقة منه، أن يهبط إنسان إلى هذا المستوى دون أن يقبض الثمن.

يمكننا أن نرى بوضوح أن خطة فيصل – البسيوني نجحت في إفقاد محمد عبد المجيد تركيزه وإحراجه بأسئلة سخيفة غير متوقعة مثل طلب عنوان "مركز النديم" وبأسلوب أشبه بالبصاق منه إلى الكلام، وقلة أدب غير مسبوقة في إدارة الدكتور فيصل للنقاش والمقاطعات المتتالية والعبارات المهينة. إذا كان البرنامج إختباراً للفهلوة أو القدرة على صمود التركيز بوجه الصراخ والمقاطعات وقلة الأدب فلا شك أن محمد خسر الإختبار، وإن كان الهدف هو معرفة واقع السجون العربية فقد فشل البرنامج وفيصل فشلاً ذريعاً حيث لم يعد هذا هو المحور الفعلي للبرنامج. لقد تخلى فيصل عن موضوعه لأجل البسيوني، وكان البسيوني سعيداً بالتخلص من موضوعه الخاسر، أما محمد فكان شديد الإخلاص له وبشكل يثير الإعجاب! لقد كان واضحاً لمحمد منذ الدقائق الأولى أنه سقط في فخ ومؤامرة، وقد كان قادراً أن يقوم من كرسيه رافضاً إكمال "النقاش" وقد أعطاه فيصل بقلة الأدب المتكررة فرصاً عديدة ليفعل ذلك دون أن يلومه أحد، لكنه شعر بلا شك أن هذا هو المقصود، وأن من واجبه أن يبقى يدافع عن المساجين الذين يمثلهم، وفرصتهم الثمينة لطرح قضيتهم. الفرق بين القضيتين والتزام كل من طرفي "النقاش" بقضيته يبين لنا أي نوع من الناس هو كل منهم.

نقطة أخرى تبين الفارق بين مجدي ومحمد عبد المجيد، وهي نظرتهما إلى قضية إسراء عبد الفتاح. لمن لا يعرفها، إسراء فتاة مصرية دعت للإضراب على الإنترنيت فتم اعتقالها من قبل الأمن المصري...فوجئت إسراء بذلك ولم تكن مستعدة له فانهارت فوراً وقدمت التوبة والإعتذار, وأخرجت من السجن في حالة ذهول ورعب وهي تشكر الإدارة على حسن "ضيافتها" وكانت مثالاً لإضطهاد الإنسان العربي وتحطيم كرامته وهي تتكلم وتبكي في حضن أمها غير مصدقة نفسها أنها خرجت سالمة لتؤكد مراراً معاملتهم الجيدة وأنها "لم تغتصب" في السجن! هذه الحالة أراد بها رجل الأمن مجدي دليلاً على جودة السجون المصرية والأمن المصري، بينما كان واضحاً أن محمد الذي جاهد أن يسمحوا له بالحديث عن قضيتها دون جدوى، يعتبر تأكيد وتكرارا "توبتها" و "فرحتها" بخروجها "باكراً" من السجن، دليل إدانة للنظام من نوع غير اعتيادي! إنه الفارق بين نوعين مختلفين تماماً من الفكر: المثقف من جهة ورجل الأمن من الجهة الأخرى.

هل نجح البسيوني وفيصل في خطتهما في نهاية الأمر؟ المسألة تعتمد على المشاهد. إن كان قد جلس ليشاهد "صراع ديكة"، ويعتبر أن الضرب تحت الحزام شطارة ممتعة، فلا شك أنه سيعتبر "فريق السجون" هو المنتصر بامتياز. أما مع من يحسب للحضارة وأسلوب النقاش قيمة فهزيمة فريق الحكومة المصرية كانت ساحقة بلا شك. لقد كان واضحاً أن هذا الفريق قد قدّر مسبقاً أن قضيته خاسرة لايمكن الدفاع عنها في حوار بأية درجة من الموضوعية، وأن هزيمة موقفهم لايمكن تفاديها بالتحيز الإعتيادي المعروف مثل إعطاء وقت أكبر للجهة المفضلة أو توجيه الأسئلة المناسبة لها، وربما الإتفاق معها مسبقاً على تلك الأسئلة، وحتى على الأسئلة التي ستوجه إلى الطرف المقابل أو مقاطعة الجهة الأخرى (ولكن بأدب)، لكن اضطرار هذا الفريق إلى هذا المستوى من التحيز والهجوم والغش يدل على أن كل تلك الإجراءات التي يمكن أن تتم دون أن يحس بها المشاهد، لم تكن كافية لإنقاذ القضية التي يدافعون عنها!

لقد كشف هذا البرنامج نقاط ضعف أطراف "النقاش". محمد عبد المجيد لم يكن متمكناً من تكنيك الجدل الهجومي أو لم يكن مستعداً له، خاصة بعد "اللطف" الإضافي الذي حضره به فيصل قبل البرنامج، كما يشير محمد، ليكون ليناً جاهزاً للسلخ ولكي تكون صدمة الوقاحة المفاجئة أكبر أثراً. من الناحية الثانية عجز فيصل ومجدي عن الدفاع عن "قضيتهما المشتركة" بأن السجون العربية بخير وأنها ليست بالسوء الذي يشاع عنها، ولجأآ إلى الهجوم على الشخص لتحطيمه. محمد يستطيع أن يكمل نقص تكنيكه من خلال دورة "تدريب إعلامي" قد تستغرق شهراً، أما فيصل ومجدي فهما بحاجة إلى إعادة تربية منذ الطفولة!

لقد كنت دائماً أتحسس من صراخ فيصل وابتعد عن برنامجه حفاظاً على نفسيتي من العنف اللساني والأسلوب المنخفض، أما بعد هذه الفضيحة فقد أضيفت الريبة والتقزز إلى مشاعري تجاه هذا "الإتجاه المعاكس والحضارة".

هوامش:
(1) برنامج الإتجاه المعاكس: "واقع السجون العربية"
http://www.youtube.com/watch?v=8icewK-nG7I&feature=related

(2) محمد عبد المجيد: "رسالة مفتوحة إلى فيصل القاسم"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=137532

(3) أحمد هريدي محمد: "إحراق صحفي على شاشة الجزيرة!"
http://www.saveegyptfront.org/news/?c=165&a=14601








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا