الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التزام بسلام حتى ضياع كل فلسطين!

عماد صلاح الدين

2008 / 6 / 18
الارهاب, الحرب والسلام


من الناحية العلمية التي ُتجمع عليها الدراسات المجردة والملتزمة الواعية والوازنة ، بالنظر إلى المشروع الصهيوني في سياق النظرة الكلية والتكاملية المحيطة به ، يمكن الذهاب بالقول إلى ما يلي :-

- المشروع الصهيوني قام ويقوم على فكرة الاستيطان الاحلالي المقرون بالجرائم الخطيرة جدا، المصنفة في التقييمات والأعراف الدولية على أنها جرائم حرب ، وإبادة، وتطهير عرقي ، وفصل عنصري ، وراء تحقيق هدف الاستيطان على الصورة الاحلالية الأمنية للوصول إلى حكم وسيطرة الديموغرافيا "اليهودية النقية" على كل فلسطين التاريخية من بحرها إلى نهرها ، وامتداداتها التوسعية في إقامة "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات في قلب وأواصر المنطقة العربية ومشارفها الإسلامية .

- المشروع الصهيوني المرتبط بالأهداف الاستعمارية الغربية ، للسيطرة على المنطقة العربية تحديدا من خلال إحداث عملية اجتزاء وقطع لجزء منها متمثلا في قلبه الرابط على المستوى الجيوسياسي الاستراتيجي ، وهي هنا ارض فلسطين التاريخية ، وأيضا من خلال التدرج المرسوم لمشروع السيطرة القصوى على المنطقة وثرواتها ومقدراتها عبر فكرة تحويل المنطقة إلى أقطار وإقطاعيات في المشرق والمغرب العربي ، كما هو الحال صريحا وواضحا بوعد بلفور التقسيمي ، وتاليا فكرة التشتيت والتفتيت لهذه الأقطار والإقطاعيات ، عبر ما يسمى بالمشروع الأمريكي لشرق أوسط جديد أو كبير .

- هذا المشروع حتى في سياق الدرجة الأولى من ارتباطه بالمشروع الاستعماري الغربي ، القائم على السيطرة الاحلالية على فلسطين التاريخية في معظمها على اقل تقدير ، لا يمكن أبدا (للمشروع الصهيوني ) لضرورة وحاجة بقائه أن يقبل بالتنازل للفلسطينيين حقيقة ؛ نظريا وعمليا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الأراضي المحتلة عام 67 ، فقط دون الحديث أصلا ونهائيا عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين .

ومع احتلال "إسرائيل" ل78 % من ارض فلسطين التاريخية عام 48 ، بقي لها فكرة السيطرة المادية بالمعنى الاستيطاني أولا والاحتلالي ككل على ما تبقى من أراض تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس بجزئها الشرقي المتبقي . كل ذلك يعتبر حتمي ولابد منه استكمالا للمشروع الصهيوني وفلسفته وغرضه . وهذا بالفعل ما حدث عام 67 ، في عدوان "إسرائيل" واحتلالها لهذه الأراضي ، ولأراض عربية سورية ومصرية .

لكن "إسرائيل" ورغم احتلالها للأراضي التي تشكل 22% من مجمل فلسطين ، لتكون كل فلسطين التاريخية في قبضتها الاستعمارية الاحلالية منها والاحتلالية ، كانت بحاجة إلى اضفاءة ومسحة دبلوماسية وقانونية دولية ، لشرعنة هذا الاحتلال على درجات عدة وفي زاوية مطلوبة ومهمة المسئول عنها فلسطيني ورسمي أيضا، وفي النهاية عربي وإسلامي دولي غير مشكوك بشرعيته . وكانت طريق ومدخل تنظيف "إسرائيل" من كل سمات وحقائق المشروع الصهيوني الاحلالية والاستيطانية والعنصرية وغيرها ، عملية السلام أو التسوية التي طال أمدها دون نتائج ايجابية تذكر للفلسطينيين . وهي كانت ولا زالت طريق "إسرائيل" في توسيع وتثبيت وشرعنة مشروعها المعروف الأهداف والأبعاد .

ف"إسرائيل" كانت بحاجة لهكذا عملية دبلوماسية سياسية من اجل أولا إعطائها الشرعية الاستعمارية الاحلالية لما احتلته زيادة عن مشروع التقسيم الذي أعطاها فقط في قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947 56% من ارض فلسطين التاريخية ، وهي قد احتلت وسيطرت في حينها على 78 %. والجهات المانحة لهذه الشرعية هي دولية وعربية وفلسطينية ، وهذا ما تحقق لها من مسيرة أوسلو سنة 1993 . وهذا المنح والاعتراف ، يعني فيما يعني التنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين ، وهو ما تجلت حقائق ووقائع التعامل مع فكرة التنازل عن هذا الحق من خلال ما كان يعرف في حينها اللجان المتعددة حول اللاجئين ضمن نسق إنساني متروك لتقدير" إسرائيل" مجردا من أبعاده السياسية والقانونية .ولعل محاولة تنفيذ التخلي والتنازل عن حق العودة كان من خلال محاولة ما عرف في حينها وتحديدا سنة 1995 ، ببرنامج تنفيذ السلام الذي أوكلت مهمة تنفيذه إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " الاونروا" .

وأما الأراضي المحتلة عام 1967 ، استطاعت إسرائيل مدعومة من أمريكا والدول الغربية من تمرير مرجعية مشروطة على قيادة منظمة التحرير وهي بضرورة الاعتراف بالقرارين 242 ، 338 ، بالإضافة إلى نبذ العنف والإرهاب ( المقاومة) ، والعمل على محاربتها. وهذا ما كان مدخلا أساسيا ل"إسرائيل" لتدعي لها شرعية حتى غير محددة المعالم في الأراضي المحتلة عام 67 ، وتحديدا في القدس المحتلة والضفة الغربية . وبالفعل استطاعت "إسرائيل" عبر هذه المرجعية وبغيرها من الشروط المذلة على قيادة منظمة التحرير ، أن تقوم بتوسيع وتكريس استيطانها في المناطق المهمة والإستراتيجية في الضفة الغربية حيث المرتفعات وحيث المخزون المائي الذي يشكل 85% من مصدر المياه فيها . وفي القدس ما فتئت إسرائيل تتوقف عن السير قدما في تهويد القدس المحتلة غربها وشرقها ، والعمل على تنفيذ مخطط مشروع تكبير القدس في إطار ما يسمى " بالقدس الكبرى والموحدة" كعاصمة ل"إسرائيل" .

ولقد وصل الأمر ،وفي سياق الجهد الإسرائيلي لشرعنة احتلاله ووجوده في الضفة الغربية والقدس الشرقية ، بالمفاوض الفلسطيني الرسمي إلى التسليم بشرط إسرائيلي جديد يتحدث عن التبادلية في الأراضي. وهي تبادلية ظالمة للفلسطينيين على صعيد موقع وأهمية ونوعية هذه الأراضي ، والاهم من كل ذلك أن تقييم هذه المحاولة يقع في سياق تبرير وتشريع جريمة دولية خطيرة تسمى الاستيطان ، والتي تعتبر من الجرائم الخطيرة التي تهم وتؤثر على امن واستقرار المجتمع الدولي، ضمن مرجعية التصنيف والتقييم للقانون الدولي والمرجعيات الدولية المهمة وذات الصلة.

و"إسرائيل" من خلال ستار ومشروع الحديث عن تسوية وسلام وإقامة دولة فلسطينية إلى جانبها ، ماضية في مشروع السيطرة على الأجزاء الإستراتيجية في الضفة الغربية ، وفي تهويد القدس بكاملها ، وعزل غور الأردن سلة فلسطين الغذائية، ومصادرة الأراضي ، وبناء جدار الفصل العنصري . وحتى في ذروة الحديث عن السلام واللقاءات التفاوضية التي فاق عددها العشرات بين مسئولين فلسطينيين ومسئولين إسرائيليين ، وجولات رايس العديدة وزيارتي بوش الأخيرتين إلى فلسطين المحتلة والمنطقة العربية بعد انابوليس ، فان عدد المشاريع الاستيطانية تضاعف كثيرا وبوتيرة غير مسبوقة في ظرف نصف سنة ، فمنذ انابوليس وحتى فترة قريبة تم المصادقة على بناء 7974 وحدة استيطانية في القدس والضفة الغربية ، هذا دون الحديث عن مصادقة الحكومة الإسرائيلية على بناء 884 حدة سكنية جديدة في القدس المحتلة في 2-6 2008 وُيستثنى كذلك من الرقم الكبير الأول 1300 وحدة استيطانية تم المصادقة عليها في 12-6 2008 . وبالأمس بتاريخ 15- 6- 2008 تمت المصادقة على مشروع استيطاني لرئيس بلدية القدس المحتلة عدد وحداته الاستيطانية 40 ألفا . وتشير المصادر الحقوقية الإسرائيلية إلى أن الفترة ما بين 2002 – 2006 شهدت بناء 1600 وحدة استيطانية ، في مقابل الوتيرة الجنونية لتصاعد الاستيطان في ظل الحديث عن السلام ولقاء انابوليس ووعد بوش لدولتين في نهاية 2008 .

ورغم ما سبق ، فان الإدارة الأمريكية وعبر وزيرة دبلوماسيتها السيدة كوندوليزا رايس لا ترى في هذا الاستيطان سوى أكثر من مشكلة ، وان عدم وقف الاستيطان لن يؤثر على مفاوضات الوضع النهائي ، وان التأثير سيكون سلبيا على إجراءات بناء الثقة. هذا الكلام لرايس في زيارتها الأخيرة للأراضي المحتلة و"إسرائيل" ، 15، 16 الشهر الجاري..

كسبت "إسرائيل" من خدعة التسوية والسلام ضد الفلسطينيين ، بأنها شرعنت سرقتها لأراضيهم ، وقتلها وحصارها وتدميرها لحياتهم ، فأصبحت جرائم الحرب و وضد الإنسانية المرتكبة ضد الفلسطينيين في غزة المحاصرة والضفة المحتلة المستباحة، أمرا يخرج عن سياق المفاهيم والمصطلحات القانونية الدولية في تجريم هذه الأفعال . وأصبح دفاع الفلسطينيين عن أرضهم وحياتهم في مواجهة الاحتلال وجرائمه جريمة كبرى في نظر شرعية أمريكا وأوروبا والمتواطئين معهم .

إن قراءة علمية متأنية لطبيعة التسوية التي تريدها أمريكا و"إسرائيل" تقول بأنها إن استمرت ستؤدي إلى ترحيل الفلسطينيين حتى من الجيوب التي تبقوا فيها في الضفة الغربية المحتلة، ومن السجن القابعين فيه بغزة ، من خلال الحصار الخانق وسياسة العزل عبر الاستيطان والجدار والحواجز الثابتة والمتحركة ، إنني على يقين بان أمريكا وإسرائيل ودول غربية أخرى كانت تعلم منذ بداية أوسلو ، أن صراعا وقتلا دمويا سيدب بين الفلسطينيين المؤيدين للتسوية وبين الذين يريدون المقاومة المسلحة خيارا استراتيجيا للتحرير والاستقلال. وكانت غزة بالطبع هي المكان المناسب بعد انسحاب"إسرائيل" منه لهذا التصادم الفلسطيني الفلسطيني . واني ازعم كذلك بأن إشراك حماس في انتخابات الدورة الثانية للمجلس التشريعي كانون الثاني 2006 ، كان شركا أمريكيا لاحتدام الصراع دمويا بين حماس والتيار الذي يرى أن السلام خيارا استراتيجيا ، بغض النظر عن الفائز في تلك الانتخابات مسبقا، ف"إسرائيل" ومعها أمريكا تعلمان بان تيار فتح والتفاوض الجديدين بعد الراحل عرفات يريد تمرير تسوية مقبولة أمريكيا وإسرائيليا ، فإذا ربح هذا التيار الانتخابات ، فستقف له حماس والمقاومة الفلسطينية لمنع تمريره ، وإذا هو خسر سيخوض صراعا مع حماس والمقاومة لإثبات فشلهما ، وهو ما جرى بالفعل .

وتبقى "إسرائيل" هي المستفيدة في تمرير مشروعها في السيطرة النهائية والكلية على كل فلسطين ، من خلال غزة محاصرة تأمل برحيل أهلها إلى سيناء وأجزاء من مصر، ومن خلال ضفة باتت مقطعة الأوصال ، وحياة الفلسطينيين فيها جد صعبة ومريرة ، على أمل" إسرائيل" برحيلهم وخروجهم طوعا إلى الوطن البديل في الأردن .

وهكذا يقع الفلسطينيون ضحية لالتزام بسلام أمريكي وإسرائيلي ، سيؤدي إن استمر إلى ضياع فلسطين كلها ، لذا لابد من التخلص من كل آثام السلام ، اتفاقياته وشروطها، حل السلطة الفلسطينية التي أصبحت عبئا حقيقيا على المشروع الوطني الفلسطيني ، التخلص من المفاوضات العبثية ونهجها الفاشل .

وبعد ذلك العمل على إعادة بناء وإصلاح منظمة التحرير على أسس وطنية وديمقراطية ، لتكون الإطار الجامع للفلسطينيين ، والعودة إلى خيار المقاومة المشروع في القانون الدولي ، وصولا إلى العلاقة الجدلية الطبيعية بين احتلال يتحمل مسؤوليات تجاه الشعب المحتل وفقا للقانون الإنساني الدولي واتفاقيات لاهاي لسنة 1907 وملحقاتها واتفاقيات جنيف خصوصا الرابعة لسنة 1949 ، إلى أن يتحقق للفلسطينيين حدهم الأدنى من حقوقهم الوطنية في إقامة الدولة كاملة السيادة ، وتحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وديارهم التي هجروا منها .

كاتب وباحث في مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الانسان
عماد صلاح الدين
16- 6- 2008










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي


.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ




.. الحوثيون يعلنون استهداف -سفينة إسرائيلية- في بحر العرب| #الظ


.. قصف إسرائيلي يستهدف بلدات الخيام وعيتا الشعب وكفرشوبا وشبعا




.. كوريا الشمالية تتوعد أمريكا في مسيرة إحياء ذكرى اندلاع الحرب