الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طيور-روي- ونوارس جسر الاحرار

جمال كريم

2008 / 6 / 19
الادب والفن



ذكرني مقال الصديق عبد الرزاق الربيعي المنشور في صحيفة "الزمان " ، مؤخرا ، وهو يتحدث فيه عن طاعم طيور آسيوي في مدينة "روي" العمانية حيث يقيم ، أقول ذكرني الربيعي الذي لم التقه منذ مفترقنا الاخير "صنعاء " بعد منتصف تسعينيات القرن المنصرم ، بطاعم النوارس البغدادي ، كنا نعرفه ونتحدث اليه ،مثلما تعرفه الطيور البيض الخافة فوق صفحة ماء دجلة تحت سماء بغداد ، ما ان تلمحه حاملا كيس رزقها ، حتى تأتيه من الافاق والجهات ،مغردة راقصة فوق شيخ النوارس وجسر الاحرار في بغداد ، كنا نرقب لوحة هائلة الجمال ، تجمع الاشياء والمعاني والحياة ومخلوقات الشيخ المفعم بالحب والسلام والانسانية، لقد كان مشهدا احتفاليا مفعما بالفرح والحياة والجمال ، فالنواس كانت تحلق فوقه والمارة والجسر ،فرادى وجماعات ، هو يقف عند منتصف الواصل ،الرصافة بالكرخ ، كان يتامل كائناته البيض المحلقة قبل ان يلقي بارزاقها فوق صفحة الماء ، ماء فضي ينحدر منسابا نحو مدن الجنوب ، يتاملها وهو يقي بكف واهنة عينيه الافلتين من اشعة شمس صيف بغداد اللاهبة ، يشعر العابرون الى الجهتين ، ان ثمة تخاطبا وتخاطرا بين الطاعم ومخلوقاته ، نعم .فهي تظل تحوم فوق حامل الكيس وهو يتنقل بين مطاعم شارع الرشيد وحافظ القاضي ، وتظل تلازمه منتظرة مقدمه نحو الجسر ، وحالما يلقي بالاطعمة ، "تهيص"النوارس ، حتى تهدأ طائفة ، تهدهدها الامواج ، وهي تلتقط رزقها ،منحدرة بسلام وامان .
من خلف واجهة حانة "شريف وحداد " الزجاجية ، كنا نرقب هذا المشهد اليومي ، نحن المتمردين ، المعادين ،لخطوط الحزب والثورة والامة ، ،انا ،سهيل ياسين، جمال جمعة ، عادل خلف ، رزاق عداي ، صلاح عواد، جان دمو، جمال حافظ واعي ، صبحي ابراهيم ، ظافر عدنان ، ناجي حسين، سعدي فري ، وجبار منشد المقيم في منسكه ومزهده الهولندي الان ، و"لمة" اخرى من الساخطين ، والعابثين ، والمتصعلكين ، بين فنادق بغداد ومقاهيها.
مرة كتب سهيل ياسين مختزلا تلك الملتقيات بالقول" كيف لنا ان نحقق حلما ونحن لم نكن سوى مناضلين في حانة، جبهتنا اباريق الخمور ورأسمالنا وعود معلقة دائما، بعد الفراغ من تشريح خصمنا الفكري وعدونا الطبقي وتحقيق نصر افتراضي عليه، لا يسعنا الا ان نشتبك في اخر الليل احيانا ببعضنا البعض في خصام او مشادة كلامية تنتهي بوعيد وتهديد نتيجة خلاف مضحك تافه نكتشفه عند الصباح، لا يتعدى التصادم والاختلاف حول قصيدة اوقصة ومسألة نحوية اكل الدهر عليها وشرب" ، حقا كنا نختصم ،ونتغاير ، ونتخالف ، ونتساجل ، حول قضايا الادب والفكر والفن والالسنيات ، وغيرها من ميادين المعارف والافكار ، لكن وفي ذروة الاحتدامات ،لم تغب عنا المشاهد والمرئيات الجميلة ، كنا نحتفي ،معلقين على جماليتها ومفارقاتها ،ومشتركاتها احيانا ، فثمة مشترك بين نوارس شيخ حافظ القاضي ، والراحل جان دمو ، فالنوارس ما تنفك تترقب مطعمها حتى يلوح لها منتصفا الجسر ، وجان الذي يظل محدقا في البناية المقابلة لواجهة الحانة ، ففي عصر كل يوم ،وفي رابع ساعته ، يدعونا بعد شتيمته الشهيرة "ابناء المرحاض"، يصرخ عاليا جان : اريد صمت ... الجميع يصمت ، فتاج رؤوسكم سوف تنزل ......
تهبط السلالم عاملة الخياطة حقا ، كل يوم في ميقاتها الذي يعرفه ويترقبه جان ، حيث يبقى بعينيه الصغيرتين
يلاحقها وهي تمضي باناقتها المعهودة نحوشارع الرشيد ، نوارس الجسر ، وفتاة جان ، مشهدان اليفان يتكرران كل يوم ، لكن ما ان حلت بنا المحن والنكبات ، و ما ان اشعل النظام السابق شرارات سلسلة حروبه المتصلة ، وعلت نيرانها الافاق والمناحي والجهات، ، وبدات تأكل ابناء البلاد وتشوه معاني الحياة والاخلاق، وتباعد الاحبة والاصدقاء ، وتمر السنون ، حتى هيمنت على مجتمعنا ثقافة القتل والموت والارهاب .
ياااااااه ياصديقي عبد الرزاق ..عشرون وخمسة اعوام ، مضت على طاعم نوارس جسر الاحرار ، و1871 يوما على رحيل جان دمو في منفاه الاسترالي ، بعيدا عن مرقبه فتاة معمل خياطة "دجلة"، عند "ركبة " الجسر.
عبد الرزاق شكرا لروح عالمك ....شكرا لذلك الاسيوي صديق الحمائم والحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل