الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وزن الاستراتيجيات في فلسطين

عماد صلاح الدين

2008 / 6 / 19
القضية الفلسطينية


18-6-2008

ُتعتبر عملية السلام بين الفلسطينيين و"إسرائيل" منذ مؤتمر مدريد عام 1991 وبشكل أكثر تحديدا بتوقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 ، وحتى أخر لقاء رئيس بينهما في انابوليس مع نهاية عام 2007 ، حالة انقلابية مفاهيمية خطيرة ، كأنموذج في سياق العلاقة الطبيعية التاريخية ومآلاتها المعروفة بين محتلين وشعب واقع تحت الاحتلال .

عملية السلام تلك بامتداداتها الاتفاقية أو في سياق فترتها العمرية المعروفة ، قلبت أوضاع العلاقة الفلسطينية مع "إسرائيل" رأسا على عقب. ذلك الانقلاب ينصرف إلى الجوانب الحياتية الإنسانية المحضة، و الجوانب القانونية والسياسية للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية ؛ فبموجب تلك الاتفاقيات المشروطة بصيغة ومتطلبات المحتل وداعمه الأمريكي ، قدّم الفلسطينيون اعترافا وصك شرعية بمحتلهم دون أن يكون مطلوبا منهم ذلك أساسا، كما هو معروف في القانون والعرف الدولي، ولم يحصلوا في كل حال على اعتراف مماثل بحقوقهم الوطنية ، وُجرّم الفلسطينيون حتى في سياق دفاعهم عن النفس المشروع ؛ بقبولهم بنبذ العنف والإرهاب . ثم أصبح ما تبقى لهم من ارض محتلة تقع بمرجعية السلام في جدلية تنازعيه مع "إسرائيل" قانونيا وسياسيا .

ليس هذا وحسب رغم فداحة هذه الشروط واتضاح سراب السلام الوهم مسبقا ، بل إن الفلسطينيين فقدوا حقوقهم الخدمية والإنسانية والإدارية التي من المفروض أن تقوم بها "إسرائيل" بموجب القوانين الدولية المتعلقة بالتعامل مع وحماية المدنين الواقعين تحت الاحتلال ، وانتقل عبء هذه الحقوق إليهم أنفسهم عبر سلطة تحت سيادة الاحتلال ،ومصادرها التمويلية رهن بالاحتلال وبالغرب الأوروبي والأمريكي الداعمين له ، علما انه في القانون الدولي الإنساني واتفاقيات لاهاي وجنيف الرابعة من هذه الأخيرة، تؤكد على مسؤولية القوة المحتلة في مواجهة متطلبات واحتياجات المدنيين المختلفة لشعب تحت احتلالها ، حتى خروجها نهائيا بالانسحاب الكامل من الأرض التي تحتلها. وهذا ما لم يحصل في الحالة الفلسطينية في علاقتها مع "إسرائيل" كدولة احتلال بموجب القانون الدولي .

ونتائج العملية السمية القائمة على المفاوضات من قبل الطرف الفلسطيني الرسمي واضحة جدا في حدية حالتها السلبية والمتفاقمة بهذا الاتجاه ؛ فالضفة الغربية تحولت إلى معازل بفعل تواتر ازدياد وتيرة الاستيطان فيها ، وتحوّل الحالة الاستيطانية في عمقها الاستراتيجي إلى ما يشبه التجمعات الإقليمية الكبيرة الحائلة دون تواصل الفلسطينيين طبيعيا في أطرهم الجغرافية ، فضلا عن تلاشي فكرة الدولة المستقلة وفقا لما أكده خبراء ومختصون بهذا الشأن ، ولعل دراسة معهد كارنيجي للسلام بالولايات المتحدة الأمريكية بعنوان " غروب شمس حل الدولتين " والتي أوصت بدلا من فكرة حل الدولتين المتلاشية ، باعتماد الدولة ثنائية القومية، أكبر دليل على ذلك. وبنظرة سريعة إلى حال القدس المحتلة ؛ فعملية تهويدها أخذت أشواطا كبيرة ومؤثرة جدا على كون الجزء الشرقي منها سيعتمد عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة .

وكان من مردود العملية السلمية في صورتها البائسة والأحادية في هذا السياق ، أنها ضربت وحدة نسيج المجتمع الفلسطيني ، فحدث الصدام الفلسطيني الفلسطيني تحديدا بين حماس والجهات الخاطفة للقرار في حركة فتح بعد دورة الديمقراطية الانتخابية الفلسطينية في مطلع عام 2006 ، ومن ثم ساعدت على فرض حصار خانق على الفلسطينيين من قبل "إسرائيل" ، والجهات المتحالفة والمتواطئة معها في غزة خصوصا وفي الضفة الغربية المحتلة عموما.

لكن رغم ذلك إذا نظرنا إلى الاستراتيجا المقابلة والموجودة أساسا وقبلا من العملية التفاوضية مع إسرائيل ، وهي هنا المقاومة بمعناها العسكري الكفاحي ، نجد أنها ومنذ فترة طويلة قد أحدثت نوعا من الردع والرعب في مواجه إسرائيل ، رغم تبخيس جهات فلسطينية لها ، بوصفها بالعبثية مرة وبغير المجدية مرة أخرى ، فهي ولا شك " اعني المقاومة" من أجبرت" إسرائيل" على إخلاء مستوطناتها من غزة عام 2005 ، بغض النظر عن السيطرة الإسرائيلية على بحر وجو وحدود قطاع غزة نفسه .

ولا أدل على نجاعة وفعالية خيار المقاومة بالمعنى المسلح والكفاح العسكري الضارب ، أن غزة رغم شدة الحصار المفروض عليها في كل شيء ، وبكل الوسائل القهرية المعروفة وغير المعروفة، استطاعت في نهاية المطاف أن ُتخضع "إسرائيل" لمطالبها ، في سياق التهدئة بين حماس وفصائل المقاومة وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي .

وها هي آخر الأنباء تقول بان جهود التهدئة وصلت إلى نهايتها ، وأنها تقوم في جوهرها على التهدئة المتزامنة الشاملة للقطاع أولا ثم الضفة الغربية ، وعلى فتح المعابر ورفع الحصار المفروض على مليون ونصف مليون من أهل غزة. وخضعت "إسرائيل" في نهاية المطاف لما تطلبه المقاومة الفلسطينية من فصل ملف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عن موضوع التهدئة ، بعد أن كانت تطالب باعتباره جزءا من مطلب وقف العدوان ورفع الحصار .
وسقطت إستراتيجية الاحتلال الأمنية القائمة على القوة والردع في مواجهة المقاومة الفلسطينية ، وفرض الشروط والاملاءات على الفلسطينيين والعرب . وها هو عمير راببورت مراسل صحيفة معاريف يكتب مترحما على إستراتيجية بن غوريون الأمنية، المؤسس لدولة الاحتلال الإسرائيلي، التي استمرت 60 عاما وسقطت في لبنان بشكل مؤكد في حرب تموز 2006 على يد حزب الله ، وها هي تؤكد سقوطها مجددا على حد تعبيره في غزة بقبول "إسرائيل " لمطالب حماس والمقاومة هناك ( صحيفة معاريف 17- 6- 2008 ).

فإستراتيجية أمن الاحتلال والاحلال الإسرائيلي القائمة على الإجرام والإرهاب حتما ساقطة أمام إرادة الفلسطينيين ومقاومتهم ، وان كل إستراتيجية لا تستجيب لفلسفة ومنطق التاريخ في جدلية الصراع مع الاحتلال فاشلة أيما فشل . والمفاوضات الدبلوماسية المجردة من خيار المقاومة هي استحداث احتلالي لخدمة الاحتلال كما السلطة وأمها أوسلو المؤسسة لها، التي أرادتها "إسرائيل" ممرا وتكتيكا للمضي بمشروعها الاستيطاني التوسعي العنصري.

باحث في مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الانسان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ