الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد النموذج اليعقوبي للدولة الوطنية

أحمد عصيد

2008 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


تبنت الجمعية الوطنية بفرنسا في شبه إجماع قبل أيام مشروع قانون يتعلق بإصلاح المؤسسات، يقرّ بضرورة تعديل الفصل الأول من الدستور و التنصيص على الإعتراف باللغات الجهوية بفرنسا باعتبارها مكونا لتراث الأمة الفرنسية، جاء هذا بعد ضغوط كبيرة من طرف عدد من أعضاء الجمعية و القادة السياسيين و كذا الإتحاد الأوروبي الذي يلزم كل الدول المنضوية تحته باحترام التعدد اللغوي و الثقافي و حق المجموعات في الإحتفاظ بلغاتها و خصوصياتها الثقافية، و معلوم أنّ فرنسا كانت تتبنى نهجا مغايرا يتمثّل في تبني لغة واحدة و ثقافة وحيدة بهدف خلق التجانس المطلق الذي يدعم الدولة المركزية، حيث يتقوّى المركز من خلال إماتة الهوامش و خنقها بالتدريج، و قد تبنت عدد من الدول التي سبق لفرنسا أن احتلتها في تاريخها الإستعماري نفس النموذج المتمركز و منها المغرب، حيث التقى النموذج اليعقوبي الإستيعابي للدولة الوطنية الفرنسية مع إيديولوجيا "القومية العربية" التي تبنتها الحركة الوطنية المغربية منذ 1930، وكانت نتيجة هذا الزواج بين الإيديولوجيتين الأجنبيتين، النموذج المغربي للدولة الوطنية المستقلة الذي غيّب ما هو أصلي و خصوصي، و تبنّى نهجا استيعابيا يهدف إلى تذويب عناصر التنوع في إطار مكون مركزي هو "العروبة و الإسلام"، و أصبح ما هو عربي ـ إسلامي منذئذ يمثل "الوطنية" ، كما أصبح ما هو محلي أو خصوصي أو أصلي يمثل ليس فقط النشاز بل عنصر تفجير للوحدة و تهديد للكيان ككل كما يتصور حرّاس النموذج التقليدي للدولة الوطنية.
و أتذكر أنه تبعا لما حدث كان مناضلو الحركة الأمازيغية الداعين إلى إعادة الإعتبار لعناصر التنوع الثقافي منذ منتصف الستينات من القرن الماضي يُنعتون من طرف الصحافة الحزبية لبعض أحزاب الحركة الوطنية بـ "حفدة ليوطي" و " ورثة الإستعمار" و "دعاة التفرقة". كما أتذكر أن الدولة قامت بجهود كبيرة لفرض رموزها الموحّدة في اللغة و الثقافة و اللباس و الفنون ـ حتى أصبح للمغاربة "طربوش وطني" ممثل في الطربوش الفاسي ذي الأصل التركي الأجنبي بدوره ـ مما أدّى إلى ضياع جزء كبير من التراث المغربي الغني و المتنوع، غير أنّ ذلك كله لم يقوّ الدولة بقدر ما أضعفها لأنها أصرّت على بناء وحدة قسرية مبنية على عنف السلطة و إرهابها و على اليد الحديدية، بينما لا قوّة إلا بالديمقراطية و التماسك الإجتماعي الذي يقويه إسمنت التفاعل الداخلي الطبيعي و تكامل العناصر المكونة للدولة.
ما أقدمت عليه الدولة الفرنسية سيجعل العديد من تلامذة النموذج اليعقوبي التقليدي يعيدون النظر في محتويات دفاترهم القديمة، حتى يقوموا ياستلهام واقع مجتمعهم بدل التلمذة الكسولة على الغير، و تجدر الإشارة إلى أنّ المغرب، قد قام بدوره منذ 2001 بعد ضغوط داخلية و خارجية بإجراء تعديل بسيط على سياسته الثقافية و التربوية بهدف إنصاف المكون الأمازيغي، غير أنّ ذلك الإجراء واجهته صعوبات جمّة مرجعها إلى مقاومة اللوبي اليعقوبي داخل الدولة المغربية لأي تغيير يمس موضوع الهوية الوطنية كما ترسخ خطأ منذ عقود، و هو ما أصبح يقتضي بشكل ملح الحسم في هذا الإختيار بالإعتراف السياسي بوجود الأمازيغية عبر إقرارها في الدستور المغربي، بدءا بالتنصيص على البعد الأمازيغي للهوية الوطنية إلى جانب الأبعاد الأخرى، ثم بإقرار اللغة الأمازيغية كلغة رسمية تحظى بالحماية القانونية و بنفس فرص النماء و التطور التي تحظى بها العربية، ثمّ بإقرار جهوية موسذعة و حقيقية تضمن لكافة الجهات المغربية الإستفادة من خيراتها الطبيعية و البشرية و الرمزية.
غير أنّ هذا الإصلاح للدستور و للمؤسسات بالمغرب لا يمكن أن يتمّ إلا في إطار نموذج جديد للدولة يتجاوز النموذج اليعقوبي التقليدي، الذي بدأت فرنسا نفسها تتخلّى عنه بالتدريج أمام تهديد العولمة، تحصينا للذات و حماية لكل الموروث الرمزي الذي تحتاج إليه فرنسا لتحقيق "الإستثناء الثقافي" الذي تنادي به.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلمو بريطانيا.. هل يؤثرون على الانتخابات العامة في البلاد؟


.. رئيس وزراء فرنسا: أقصى اليمين على أبواب السلطة ولم يحدث في د




.. مطالبات بايدن بالتراجع ليست الأولى.. 3 رؤساء سابقين اختاروا


.. أوربان يثير قلق الغرب.. الاتحاد الأوروبي في -عُهدة صديق روسي




.. لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.. فرنسا لسيناريو غير مسب