الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطائف ليس المشكلة الأساس

عاصم بدرالدين

2008 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يُرجع البعض الأزمات والمآزق التي يمر بها لبنان في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية 1975، إلى مساوئ إتفاق الطائف، فهو في رأيهم المسبب لهذا الكم الكبير من الخراب، المتأتي عن التدخل الخارجي، السافر نسبياً، في الشؤون الداخلية اللبنانية، فيجعل من هذا الوطن أرضاً مشرعة أمام الصراعات الأبدية للدول النافذة إقليمياً ودولياً. هذا البعض، ينظر للأمر من منطلق مصالح ضيقة ربما، أو من وجهة نظر سطحية للأمر. فالطائف، كان الحل الوحيد الممكن وقتذاك، وإذا كان فعلاً إتفاقاً غير طبيعي وكارثي ودون، مع ذلك ليس هو من يتحمل مسؤولية كل هذه الأزمات المتتالية، وليس هو من سمح للتدخل الخارجي بأن يستبيح شؤوننا الداخلية. فالعائد إلى التاريخ القريب منه والبعيد للبنان ما بعد إستقلال 1943(وما قبله بالتأكيد)، يكتشف أن الخارج من حينها يقرر أغلب المسائل.

فهذه الحالة التدخلية الخارجية، ليست إبنة الطائف. الطائف أقام حدوداً للطوائف، وقسم النفوذ بشكل مغاير لما كان الوضع عليه قبله. وربما، هو من شرعن هذا التدخل وجعله أمراً طبيعياً، لكنه لم يوجده بنفسه. المشكلة في عقول هذا البعض أنهم لا يبحثون إلا عن مكاسب، من وجهة نظر مذهبية تعتبر نفسها "مهزومة" من إبرام هذا الإتفاق. أما الحقيقة أن الخاسر الأكبر، هو كل لبنان، كدولة ومؤسسات شرعية وحريات وديمقراطية وحداثة. إذاً أين هي المشكلة؟ وإذا لم يكن الطائف هو السبب، من يكون إذا؟

لنكن أكثر وضوحاً فيما يتعلق بهذه الوثيقة: هي لم تكن إلا ترسيخاً لحرب أهلية باردة، الصراع لم ينتهِ لكنه جمد، ويستعر اليوم على نحو واضح. هذا الإتفاق شرع التحاصص الطائفي للسلطة مغلباً فرقة على أخرى تبعاً لحجم الداعم الإقليمي لها وقوته ونفوذه وتحالفاته، وظلم البعض الأخر. هذا الإتفاق قونن التدخل الخارجي فصار المسبب الأول لأي نزاع ومشكلة، والمرجع الأصل في حله/حلها. لكنه لم يبتدع هذه الأمور من عنده، ونستطيع أن نستشهد هنا بفترة حكم الرئيس شارل حلو التي أعقبت إنتهاء ولاية الرئيس فؤاد شهاب، فنرى أن هناك صراعاً طوائفياً جلياً على السلطة بغية تقاسمها، كما نرى الإنجذاب إلى الخارج على أشده (فمثلاً فريق المسلمين: كمال جنبلاط ورشيد كرامي كانا يميلان إلى المحور الناصري والسوفياتي، فيما الفريق الشمعوني الكتائبي-أي المسيحي- كان يميل إلى عرب الإعتدال السعودية والأردن وأميركا).

المشكلة الحقيقة، ليست في الطائف كمواد أدخلت وعدلت على/من الدستور. المشكلة على من يطبق هذا الإتفاق. القوانين في العالم أجمع تعلن فشلها، ليس لأنها عاجزة بذاتها، هي مجرد كلمات مرصوفة لها قيمة غير مادية، ليست فاعلة واقعياً من دون عامل مساعد. بمعنى أن سبب العجز في تطبيق أي تشريع يعود للمولجين في تطبيقه، كما يتحمل مسؤولية موازية من يُطبق عليهم هذا التشريع. بهذا المعنى، الطائف أسوأ الحلول وهو مرفوض ومطلوب إلغاؤه، فإن التركيبة اللبنانية المذهبية المشرذمة هي السبب في السماح والإباحة للتدخل الخارجي. فمن طبيعة الطوائف والملل الدينية أن تستعين بأي كان لتغليب نفسها على الأخر، لأنها ضعيفة وهشة وتحتاج إلى دعم قوي كي تبقى.

فالمواطنة، العقد الذي يربط المواطن بالدولة عادة، لا قيمة لها في المجتمعات الطوائفية. فلا شيء يشد المواطن الطائفي لدولته سوى محاولة إمتصاصها وإستنزافها وإستغلالها. لذا فهو يعتبر أن مرجعيته هو العنصر الديني لأن العصيبة التي تقوم عليها شخصيته ونفسيته هي دينية. بهذا المعنى وطالما أن الدولة، كما في لبنان، لا دين لها، فإنه يبحث عن ملجئ في الخارج. وسيجد بالتأكيد. من هنا تصبح هذه الأرض، إحدى المكونات الأساسية لأي دولة، مجرد جسر يصل المتعصب بعصبيته في إيران أو السعودية أو الغرب الأوروبي الأميركي.

بيد أننا نشدد هنا، على أن الطائف ليس عجيبة لبنانية ربانية لا بد أن نحافظ عليها. على العكس إنه قانون رجعي، بمعنى من المعاني. فهو لا يسير بنا نحو الحداثة والتقدم، بل أعادنا إلى الخلف، بعدما كنا قد قطعنا شوطاً لا بأس فيه. والأنكى الآن، أن يُربط بين هذا الطائف الذي أصبح مقدساً في عرف البعض، وشخصيات اللبنانية مقدسة هي الأخرى، معتقدين أنهم يحرجون المطالبين-على إختلاف مآربهم- بتغييره. وبالتحديد أقصد تيار المستقبل، الذي لا ينفك في خطابه الشعبوي والرسمي عن الربط بين الطائف والشهيد رفيق الحريري "عراب هذا الإتفاق" المعجزة. في هذه الحالة يصبح على المطالب بتغييره، وهو مطلب حق إن كان ينطلق من حقائق وقواعد علمية تؤكد أن هذه الوثيقة قد شرعت التدخل وجعلته رسمياً لا أن ينطلق من حساب طائفي تحاصصي مقيت، كما يفعل الجنرال عون وتياره. في هذه الحالة يصبح على المطالب بتغيير الطائف، أو تعديل الدستور في شكل جذري، أن يفكك منازل المقدس اللبنانية على كثرتها. ومن هذه المقدسات: قدسية السعودية عند المسلمين، وقدسية رفيق الحريري، وقدسية تيار المستقبل، وقدسية السنة، وقدسية الحرب الجامدة.. إلخ!

أخيراً، المشكلة ليست في الطائف كـ "شكل هندسي للنظام اللبناني"، إنما تكمن في البنى التحتية المكونة للمجتمع اللبناني بطوائفه ومذاهبه وعشائره. مع ذلك لا بد من تغييره، وهذا الفعل لن يعدو كونه تبديل مظهري لا طائل منه، إذا أستبدل النافذ السني بالقوي الشيعي على رأس هرم الدولة اللبنانية في ظل تفكك القدرة المسيحية على المجابهة والدخول الفاعل في الصراع! لذا فالمطلوب التغيير من تحت إلى فوق، المآزق تأتينا من هشاشة المجتمع وغلبة طوائفه على مؤسساته الشرعية. بحيث أن مؤسسات حزب الله الرعائية الخدماتية تأسر الجمهور الشيعي، ومؤسسات آل الحريري الإجتماعية تعتقل الجمهور السني، ليحلان محل الرعاية الإجتماعية للدولة. وهذه هي المشكلة الرئيسية، والطائف ليس إلا إطاراً لها، يزول حين تزول. فمن هنا يتأتى التحسر، ربما، على التجربة الشهابية على عسكريتها الفجة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: قتلى فلسطينيين في عميلة للجيش الإسرائيلي بقرب


.. غزة: استئناف المحادثات في مصر للتوصل إلى الهدنة بين إسرائيل




.. -فوضى صحية-.. ناشط كويتي يوثق سوء الأحوال داخل مستشفى شهداء


.. صعوبات تواجه قطاع البناء والتشييد في تل أبيب بعد وقف تركيا ا




.. قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين