الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة قبل عشر سنوات

إكرام يوسف

2008 / 6 / 21
القضية الفلسطينية


أسبوع في غزة.. دورة تدريبية لوكالة أنباء أجنبية كنت أعمل لديها.. مشاعر مختلطة اضطربت بداخلي بمجرد أن أبلغني رئيسي بالأمر..هل تدخل الرحلة في إطار التطبيع الذي أرفضه؟.. طمأنني الرجل إلى أنني لست مضطرة للذهاب إلى السفارة إياها لأخذ تأشيرة لأن الوكالة ستتدبر أمر الأوراق، أكد أنني لن أتعامل مع من أرفضهم لأنهم لم يعودوا موجودين بغزة بعد وصول السلطة الفلسطينية، وإنشاء مطار غزة وتسليمه للفلسطينيين (فيما بعد دمر الصهاينة المطار الذي مول الاتحاد الأوروبي إنشائه) ..نزلنا في فندق الشاطئ.. شارع أحمد عرابي.. أكثر من نصف شوارع غزة بأسماء مصريين.. استشهدوا دفاعا عنها.. معظمهم في 1967.. لاحظت زميلتي الشابة اضطرابي طوال الرحلة، وعصبيتي وأنا أطلب من موظف الفندق تنظيف ثلاجة غرفتي من المنتجات الصهيونية، ووضع زجاجات مياه مصرية أو فلسطينية مكانها.. شرحت لها أنني من جيل تعود منذ الطفولة على مصطلح "الكيان الصهيوني" أو "الدولة المزعومة".. لم يخطر ببال أي منا أنه سيضطر للتعامل مع هذا الكيان على أنه واقع!..عرفت من نظرة عينيها أنها لم تع تماما ما أقصد لأنها من جيل ما بعد كامب ديفيد.. في الصيدلية، قلت للصيدلي أريد فرشاة أسنان صناعة ألمانية أنا أقاطع سلع الأعداء.. التفت رجل جاء ليشتري دواء وقال بنبرة ترحيب دافئة "شو هالحكي اللي منحبه والشعب اللي منحبه.. أهلين فيكن".. سرح الصيدلي العجوز وقال بابتسامة حزينة "في 67 كان بيي (أبي) خوري (قسيس) أفتى بعدم جواز التعامل معهم لا شراء ولا بيعا ولا ناكل من أكلهم ولا نعاشرهم"..تنهد ثم قال "كان فاكرها محنة مؤقتة وتمر.. ماكانش يعرف إنهم حيضلوا .. دلجيت (دلوقتي) مضطرين نتعامل معاهم".. قلت له لكنني لست مضطرة ولن أتعامل معك بعملتهم معي دينارات أردنية!
خلال الأسبوع تعرفت على بعض أهالي غزة الطيبين..سمعت منهم قصصا تملأ مجلدات.. تختلط فيها المأساة بالملهاة بالفخر بالقهر..حكت لي إحدى الجدات الطيبات قائلة" بعدما انكسر الجيش المصري في 67 لقينا نفسنا عايشين مع اليهود في نفس الحارة" قالت لي إن سيدة يهودية ذهبت مرة تشتري فاكهة من محل في أول الشارع.. بعد أن سلمت الفكهاني ثمن البضاعة لمحت سيارة دورية إسرائيلية مارة وعليها ابنها ذو التسعة عشر عاما المجند حديثا، أسرعت تقول للتاجر "خذ فاكهتك واعطني المصاري هذا ابني لم أره من 6 شهور وأريد أن أعطيه مصاري" فما كان من التاجر الفلسطيني الطيب إلا أن قال لها "خذي ياست الفاكهة ومعها المصاري لابنك"!! احترت في هذا المنطق الإنساني البريء.. الرجل لم يخطر على باله أن هذا الشاب مجند في جيش العدو، وربما كان ذاهبا في مهمة لقتل أبناء شعبه.. كل ما فكر فيه هو موقف الأم الملهوفة على ابنها ورغبتها في أن تمنحه بعض النقود.. حكت لي نفس الجدة أنها كانت مع "نسوان" أولادها وقريباتها مجتمعات حول الفرن يخبزن معا.. وفي نفس الوقت يجلس بالدور الثاني من البيت أكثر من عشرين من شباب العائلة.. مرت عليهم سيارة الدورية الإسرائيلية وسأل قائدها عما إذا كان في البيت شباب..فكرت السيدة الطيبة بسرعة وقالت له كلنا هنا "نسوان" وليس معنا سوى هذا الطفل وأخرجت له حفيدها ذي الثمانية أعوام، وفي نفس اللحظة لمح الضابط إحدى السيدات تحمل فوق رأسها خبزا خارجا لتوه من الفرن.. تقول:"لمحته يبلع ريقه بعدما شم رائحة الخبز.. فقلت له تاخد رغيفين أنت ورفجاتك.. بلع ريقه وهز رأسه موافقا.. منحته الخبز فانطلق به إلى زملائه يلتهم الخبز حافا بنشوة".. أردفت " غلابة تلاقيهم ما بيشوفوش العيش طازة"..مازلت غير قادرة على فهم منطق السيدة الطيبة التي كانت تحكي لي كيف أن أهل غزة تعودوا على زيادة الخلفة "الواحدة ممكن تصحى الصبح ماتلاقيش نص عيالها.. يكونوا اليهود جم خدوهم بالليل".. الزميل أحمد جاد الله مصور الوكالة الأجنبية، والممنوع هو وبقية أفراد أسرته من مغادرة غزة عقابا للأسرة على اختطاف شقيقه صلاح (الشهيد بعد إعدامه) جنديا إسرائيليا.. قال لي أن جندية إسرائيلية حققت مع والده بسبب مشاركة طفليه في انتفاضة الحجارة، أبدت دهشتها من أن الرجل أنجب 14 ابنا من زوجة واحدة!.. فقال لها" حتى يتبقى لي أبناء بعدما تقتلون البعض وتحبسون البعض الآخر.. أما أنت فأسرتك لا تضم غيرك إلا الماما والبابا والكلب، فإذا قضت عليك عملية فدائية؛ لن يبقى للماما والبابا إلا الكلب!".
غير أن أكثر ما أثار قلقي وقتها..مشاعر فلسطينيي غزة الذين عاصروا الاحتلال وقاوموه واكتووا بناره، تجاه موظفي السلطة الذين عادوا للوطن أخيرا بعدما قضوا معظم سنوات الاحتلال في تونس ومصر وغيرها..بعيدا عن نيران الاحتلال.. لمست كيف يشعر المرابطين بالداخل، أن القادمين من الخارج استولوا على جميع الوظائف في السلطة، بينما واصل أبناء الداخل كدهم بحثا عن بقايا فرص العمل لدى الإسرائيليين! توجست خيفة، وقتها، من بوادر فتنة بين أهل الشعب الواحد.. وللحديث بقية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يستطيع بايدن ان يجذب الناخبين مرة اخرى؟


.. القصف الإسرائيلي يدمر بلدة كفر حمام جنوبي لبنان




.. إيران.. المرشح المحافظ سعيد جليلي يتقدم على منافسيه بعد فرز


.. بعد أدائه -الضغيف-.. مطالبات داخل الحزب الديمقراطي بانسحاب ب




.. إسرائيل تعاقب السلطة الفلسطينية وتوسع استيطانها في الضفة الغ