الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنصرية والقضاء الإسرائيلي

برهوم جرايسي

2008 / 6 / 21
القضية الفلسطينية


أثبتت عدة دراسات وأبحاث جامعية إسرائيلية الحقيقة التي يلمسها فلسطينيو 48 والفلسطينيون عامة، وهي أن العنصرية تتفشى في القضاء الإسرائيلي، وهذا يبرز في إضفاء "شرعية قضائية" على إجراءات وسياسات عنصرية تنتهجها المؤسستان السياسية والعسكرية في إسرائيل، وأيضا من خلال فرض أحكام على العرب أقسى بأضعاف من تلك التي تفرض على اليهود في نفس المخالفة أو الجريمة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن جهاز القضاء ذاته سجل ويسجل من حين لآخر مواقف جيدة ضد بعض السياسات العنصرية، مثل موقفه من قانون المواطنة العنصري، الذي يهدف إلى تمزيق آلاف العائلات الفلسطينية في مناطق 1948، التي فيها أحد الوالدين من فلسطينيي الضفة الغربية أو قطاع غزة، وقانون منع فلسطينيي الضفة والقطاع الذين تضرروا من جرائم الاحتلال، رفع دعاوى تعويضات ضد إسرائيل أمام المحاكم الإسرائيلية، وحتى قرار المؤسسة الصهيونية "كيرن كييمت" بحظر بيع أراض للعرب، وغيرها.
ولكن في السنوات الأخيرة تستفحل ظاهرة سن قوانين عنصرية هدفها الأساسي نقض قرارات محاكم إسرائيلية ضد إجراءات وقوانين عنصرية، لتنضم إلى عشرات ومئات القوانين ذات الطابع العنصري الموجهة ضد العرب.
وفي الآونة الأخيرة شهدنا ثلاثة قوانين كهذه لتثبيت النهج العنصري، فقبل بضعة أسابيع أقر الكنيست قانونا يلغي صبغة العنصرية عن قرار المؤسسة الصهيونية، "كيرن كييمت"، التي تسيطر على 13% من أراضي 1948، القاضي بمنع بيع أراض للعرب، بزعم أنها أراض تابعة للوكالة اليهودية، علما أن الغالبية الساحقة من هذه الأراضي صادرتها الحكومة من العرب على مر عشرات السنين، وحولتها لهذه المؤسسة، وجاء هذا بعد قرارين للمحكمة العليا الإسرائيلية لإجبار "كيرن كييمت" على بيع قطع أراض للسكن لعائلات عربية، وبهذا تصبح عنصرية هذه المؤسسة وفق قانون إسرائيلي رسمي.
وفي الأسبوع الماضي، أقرت الهيئة العامة للكنيست قانونا معدّلا، يمنع الفلسطينيين من رفع دعاوى تعويضات أمام المحاكم الإسرائيلية، في حال تضرروا من جرائم عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وجاء التعديل بعد أن نقضت المحكمة قبل نحو عام قانونا مشابها، وبموجب التعديل الجديد لن يكون بإمكان المحكمة التدخل في إجراء كهذا.
وهذا الأسبوع أقر الكنيست قانونا آخر، يجيز للجامعات الإسرائيلية، ووفق القانون، تفضيل من خدموا في جيش الاحتلال الإسرائيلي، على من لم يخدم في الجيش، لدى توزيع مساكن الطلبة، وغيرها، وهذا أيضا بعد أن شطبت محكمة إسرائيلية قبل نحو عام إجراء لجامعة حيفا يعطي أفضلية كهذه.
ولكن هذا الأمر لا يقتصر على مساكن الطلبة بل أيضا على القبول في الجامعات بشكل عام، فهناك كليات جامعية ترفع سن القبول لمواضيع معينة إلى عمر 21 عاما، رغم ان عمر إنهاء التعليم المدرسي هو 18 عاما، وهذا لكي لا يبدأ الطالب العربي تعليمه قبل اليهودي الذي يكون في الجيش لمدة ثلاث سنوات.
ولكي لا يبقى الأمر مرتبطا بسياسة هذه الجامعة أو تلك، فإن الكنيست يعمل في هذه الفترة على تشريع قانون يهدف إلى رفع سن القبول في الجامعات والكليات الإسرائيلية إلى عمر 21 عاما بشكل جارف، وهو ما سيشكل أزمة اجتماعية وتعليمية خطيرة لطلاب فلسطينيي 48، الذين هم أصلا يواجهون عنصرية خطيرة في القبول للجامعات.
ومسألة الخدمة في الجيش، هي تغليف إسرائيلي لنهج عنصري، إذ أن المقصود من هذا هو تفضيل اليهود على العرب، لأن قانون الخدمة الإلزامية في جيش الاحتلال لا يشمل العرب.
فكتاب القوانين يمنح سلسلة من الإمتيازات في مختلف المجالات لمن أدى الخدمة العسكرية الإلزامية، وقد حرصت هذه القوانين على ضمان تلك الإمتيازات أيضا لليهود الذين لم يخدموا في الجيش لأسباب مختلفة، كالمرضية أو الدينية، وذلك من خلال اعتبارات أخرى، من بينها أنه ابن لشخص خدم في الجيش، ولهذا يحظى بتلك الإمتيازات، كما لو أنه خدم.
وهذا غيض من فيض في هذا النوع من التشريعات، وهذا يقود إلى استنتاج مفاده أنه على الرغم من العنصرية المتفشية في القضاء الإسرائيلي، إلا أن هذا لم يصل إلى مستوى إشباع العقلية العنصرية التي توجه المؤسسة الإسرائيلية، ولهذا فإن الكنيست يسارع في دك كتاب قوانينه بمزيد من القوانين العنصرية لشطب ما تبقى من بعض نقاط الضوء النادرة، التي قد نجدها من حين لآخر في جهاز القضاء الإسرائيلي.
وهذه الظاهرة هي حلقة أساسية ومركزية في "حرب" تشنها سدة الحكم في إسرائيل على جهاز القضاء في نواح أخرى، مثل قضايا الإكراه الديني وغيرها، وهذا بهدف تقليص صلاحيات المحاكم الإسرائيلية في قضايا تعتبر تدخلا في عمل الجهازين التشريعي والتنفيذي في النظام الإسرائيلي، ولمنع أي عائق مستقبلي أمام تطبيق سياسيات تفرضها المؤسسة في مختلف المجالات.
والحلبة السياسية والإعلامية في إسرائيل منشغلة في العامين الأخيرين بهذا الصراع، الذي كان أول من شنه وزير القضاء السابق حاييم رامون، الذي تنحى عن منصبه في أعقاب فضيحته الجنسية، ثم استمر بالحملة الوزير الحالي دانييل فريدمان، الذي كان الموجه الأبرز لرامون في حملته على جهاز القضاء.
ومن أساليب هذه الحرب، محاولة تغيير آليات تعيين القضاة لإعطاء وزن أكبر للجهاز السياسي في التعيينات، وإلغاء العُرف الذي كان قائما، وهو أن رئيس المحكمة العليا يبقى في منصبه حتى جيل تقاعد القضاة (70 عاما).
ومن حيث الجوهر فإن هذا الصراع يندرج في إطار حرب المؤسسة لفرض "يهودية النظام"، بالأساس في مواجهة "العدو التاريخي"، العرب، ولكن أيضا تجاه المجتمع اليهودي الإسرائيلي نفسه، خاصة حين نرى تعاون القوى الدينية الأصولية المتزمتة (الحريديم) مع الجهاز الحكومي، في فرض قوانين تقيّد وتنتقص من صلاحيات جهاز القضاء، الذي اتخذ مرارا قرارات تنقض قوانين الإكراه الديني.
وبالتالي فإن كل ما يجري في السنوات الأخيرة هو تمهيد لمرحلة تكون فيها العنصرية الإسرائيلية أشد مما هي عليه اليوم، ومن ما يزال يعتقد أن نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا هو النموذج الأبرز للعنصرية في تاريخنا المعاصر، فمن الأفضل أن يتريث قليلا، لأن العنصرية الإسرائيلية ليست بحاجة لنماذج تشبيه، بل هي نموذج قائم بحد ذاته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية