الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات السورية الإيرانية ومستقبل المفاوضات السورية الإسرائيلية

عياد البطنيجي

2008 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


لفتت خصوصية العلاقات السورية الإيرانية- والتي تحولت إلى تحالف استراتيجي بين البلدين- انتباه المتخصصين والمتابعين لقضايا "الشرق الأوسط"، لاسيما أنها العلاقات الوحيدة في المنطقة التي تتسم بالثبات والرسوخ منذ ما يربو عن تسعة وعشرين عاما في بيئة تتسم باللاستقرار والتوتر والتغيرات الفجائية والسريعة، هذا فضلا عن الانكشافية التي يعانيها النظام الإقليمي الشرق أوسطي، أي تلك التدخلات الإقليمية والدولية التي تصل إلى مستوى الاستباحة . وفي ظل هكذا بيئة يصعب أن تقوم علاقات ثابتة ومستقرة بين بلدين من بلدان الشرق الأوسط. وعليه فهي علاقة مثيرة للانتباه. فما الذي يجعل هذه العلاقة راسخة وقوية حتى تستمر ما يقارب ثلاثة عقود في ظل بيئة متوترة لا تعرف الاستقرار والهدوء ؟ ولماذا عجزت الولايات المتحدة قائدة النظام الدولي عن تفكيك هذه العلاقة؟ وما هي الأسباب التي تدفع سوريا للتحالف مع إيران والاستمرار في هذا التحالف، وبالتالي الابتعاد عن النظام الإقليمي العربي؟ .
فسياسة التحالف تعني الاعتماد على الأحلاف كأداة من أدوات السياسة بهدف حماية الأمن القومي لهذه الدول والدفاع عن مصالحها الوطنية. وحسب نظريات العلاقات الدولية تنشأ التحالفات بين الدول لردع الأعداء، فالخوف من التعرض للعدوان والسعي إلى درء هذا الخطر هو المبرر الرئيسي وراء انتهاج الدولة لسياسة التحالف. ومن ناحية أخرى فالدول تتحالف أيضاً بغرض السعي إلى زيادة القوة فتلجأ الدول عندما تسعى إلى زيادة قوتها إلى سياسة التحالف كبديل لسياسة التسلح التي تستنزف موارد اقتصادية، هائلة ناهيك عن حاجة التسلح إلى فترة زمنية طويلة. والتحالف السوري الإيراني لا يخرج عن هذا الإطار النظري للتحالفات الدولية.
فسوريا وإيران وبتأثير دوافعهما حول معاداة العراق سابقا ومعاداة إسرائيل والهموم الإستراتيجية والتهديدات الأمريكية والاختلال في النظام العربي والهجوم الشرس من قبل النظام الدولي على منطقة الشرق الأوسط، وتحويل هذا الأخير إلى سلعة بيد القوى العظمى. هذه المعطيات ولدت شعورا لكلا البلدين بأنهما مستهدفتان، وهذا ما دفعهما للبحث عن وسائل مناسبة لتحقيق أهدافهما وحماية ذواتهما. ومن هنا فإن سوريا وإيران سوف تجدان منفعة مشتركة في تنمية العلاقات بين البلدين. فالتحالف السوري الإيراني إذن هو استجابة لمثير عدواني وكرد فعل على نية عدوانية مفترضة من جانب قوى إقليمية أو دولية .
وفي ظل الواقع الصعب والمعقد الذي تتعرض له سوريا لتحديات ومخاطر جمة تستهدف تقويض تحالفها مع إيران، وتقليم دورها الإقليمي، وتقظيم فاعلية سياستها الخارجية ومكانتها في ملفات المنطقة وضمنها ملفات فلسطين ولبنان والعراق، وفي ظل اعتقاد سوريا أن تحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط يبدو غير واقعي، وميل وتحيز السياسة الأمريكية في المنطقة لصالح إسرائيل، واستمرار هذه الأخيرة في احتلالها لمرتفعات الجولان، كل ذلك في ظل انهيار وضعف النظام العربي وعجزه عن الدفاع عن مفرداته، هذا فضلا عن هشاشة التحالفات العربية العربية.
وفي ظل التحديات والمخاطر والتهديدات التي تواجه إيران، سواء أكانت هذه التهديدات تتمثل في الطوق الأمريكي الملتف كالثعبان حول إيران أو التهديدات المتكررة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وابنتها المدللة إسرائيل بضرب إيران عسكريا وإسقاط نظامها، ناهيك عن التصنيف الأمريكي لإيران بأنها دولة ضمن دول محور الشر، مما اشعر إيران بجدية التخطيط الأمريكي لضربها وإنهاء وجودها كنظام يصعب ترويضه وإخضاعه، هذا فضلا عن أنه نظام يعمل في اتجاه مناقض للنظام الدولي الذي رسمته الولايات المتحدة الأمريكية وهيمنت عليه. وعليه، وفي ظل كل ذلك فما هو مستقبل التحالف بين البلدين في ظل التغيرات الإقليمية والدولية هذه التي تجعل البلدين قابعتين فوق فوهة بركان ملتهب ؟

فلا مشاحة إذن أنه طالما بقيت الدوافع التي تعزز العلاقات السورية الإيرانية على حالها لا يمكن فك عرى التحالف بين البلدين. بمعنى آخر إن العائدات(المكاسب) التي تجنيها سوريا عبر تحالفها مع إيران، في ظل الواقع الإقليمي والدولي الراهن، تفوق العائدات التي تجنيها سوريا عبر فك تحالفها مع إيران، والنتيجة هي استمرار التحالف بين سوريا وإيران وليس العكس. فمن المنظور السوري كان تحالفها مع إيران يعطي سوريا ثقل موازن للعراق سابقاً ووسيلة ضغط ضد النظام العراقي، وثقل موازن أيضا ضد إسرائيل، ووسيلة احتواء ونفوذ داخل لبنان بسبب ما يجمع البلدين من نفوذ في أوساط الطائفة الشيعية بلبنان، وأخيراً مصدر دعم مادي واقتصادي وتعاون عسكري، بالتالي فالتحالف وفر شعورا بالأمن لسوريا وطمأن هواجسها إلى حدٍ كبير.
أما من المنظور الإيراني فإن تحالفها مع سوريا كان يعطي إيران وسيلة للضغط على العراق، هذا فضلا عن حرية الوصول للطائفة الشيعية في لبنان، وشريك عربي كبير، مما يقلل من استقطاب السني- الشيعي في الساحة العربية، ووسيط مع الدول العربية، وأخيراً مصدر للدعم العسكري والاقتصادي وثقل استراتيجي .
وبالتالي حتى يمكن فك التحالف بين البلدين لابد من العمل على قلب تلك المعادلة، وجعل التحالف بين البلدين عبئاً ومكلفاً للغاية لكليهما أو لأحدهما على الأقل، أي أن تعظيم المكاسب المحتملة من وراء توثيق العلاقات السورية العربية، وهو ما يعتبر محصلة ايجابية بالنسبة لسوريا، يترتب على ذلك نتيجة وهي تمتين العلاقات السورية العربية عوضاً عن الاستمرار في تحالف سوريا مع إيران الذي يعتبر ذو محصلة سلبية بالنسبة للنظام العربي في حال استمرار التحالف الإيراني السوري على حساب القضايا والهموم العربية. بمعنى آخر لابد من جعل العائدات(المكاسب) التي تجنيها سوريا عبر تحالفها مع النظام العربي تفوق العائدات التي تجنيها سوريا عبر تحالفها مع إيران.
وهذا لا يعني تهميش إيران وحصارها وعزلها وقطع العلاقات العربية أو السورية معها، بل جعل إيران هي التابع في تلك العلاقة والنظام العربي هو المركز، وبالتالي جعل إيران تدور في الفلك العربي وليس العكس. فالحاصل اليوم أن التحالف السوري الإيراني جاء كثيرا على حساب المصالح والقضايا العربية، وبالتالي أصبح النظام العربي محط انكشاف وتهميش واستباحة. ليس ذلك فحسب بل أصبح هناك محورين ولكلٍ له سياساته وهمومه الخاصة. ولا يعني ذلك أن سوريا هي من تتحمل المسؤولية عن ذلك بسبب تحالفها مع إيران، بل هي مسؤولية النظام العربي ككل. فلا يوجد هناك إجماع عربي حول غايات النظام العربي وأهدافه، ولا يوجد هناك إجماع حول مصادر التهديد سواء الثانوية أو الرئيسية وكيفية مواجهتها، أي لا توجد نظرية أمن قومي عربي. وعلى هذا الأساس تجد كل دولة عربية نفسها مدفوعة بتشكيل سياساتها وتحالفاتها منفردة وخارج الإجماع العربي وحسب ما تقتضيه مصالحها الخاصة حتى لو كانت على حساب القضايا والهموم العربية كما هو حاصل مع سوريا الآن. فحالة سوريا هذه من انعزالها عن النظام العربي، وأصبحت وحيدة ومنعزلة عن فضائها الجغرافي السياسي الطبيعي، أي حضنها العربي، والاختلال في موازين القوى الإقليمي لغير صالح سوريا بل لصالح أعدائها، قد يتكرر مع أي دولة إقليمية عربية أخرى إذ تعرضت لنفس العوامل والمتغيرات التي دفعت سوريا بالانسلاخ عن فضائها الجغرافي- السياسي والارتماء بالحضن الإيراني بحثاً عما يعوضها فقدان الثقة ويرضي هواجسها ويطمئن شعورها القلِق والخوف من محاولات استهدافها الذي هو باطراد مستمر.
وعليه فكيف يمكن فك عرى التحالف السوري مع إيران في ظل تلك المتغيرات والبيئة المضطربة التي تعيشها سوريا، والذي أصبح فكه شرطا إسرائيليا للوصول إلى اتفاق سلام ؟ فهل يمكن للنظام العربي أن يعوض سوريا فقدان الثقة ويرضي هواجسها ويطمئن شعورها القلق والخوف من محاولات استهدافها؟ هل الوسيط التركي الذي دخل للتوسط بين سوريا وإيران للوصول إلي اتفاق سلام قادرة على ذلك؟ هل هناك ضمانات لسوريا من قبل تركيا لتحقيق الأمن لسوريا وإزالة هواجسها ؟ هل النظام العربي قادر على تقديم مكاسب لسوريا تفوق المكاسب التي تجنيها سوريا من خلال تحالفها مع إيران؟ وهل هناك ضمانات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بعدم استهداف سوريا؟ وهل إسرائيل جادة في التنازل الكامل عن الجولان وإعادتها إلى سوريا؟ . تساؤلات حاسمة تظهر مستقبل التفاوض السوري الإسرائيلي وتطبيع العلاقات بين البلدين، ونجاح المفاوضات مرهون بالإجابة على تلك التساؤلات والمستقبل كفيل بالإجابة على ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي


.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط




.. شاهد صور مباشرة من الطائرة التركية المسيرة -أكنجي- والتي تشا


.. محاكاة محتملة لسقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في م




.. أبرز حوادث الطائرات التي قضى فيها رؤساء دول وشخصيات سياسية و