الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غرف القلب وحواديت الملحمة

نجلاء صبرى

2008 / 6 / 23
الادب والفن



البردُ يجتاحُ كياني، وعظامي تتفتت، تبحثُ عن شظيةٍ، والنارُ رمادٌ يعلو العالَمَ، يعلو وُجودي، رمادٌ يملكُ لوناً أخشاه، لونَ الذكرى، آهٍ يا عمري، كم أكرهُ أن أتذكر. أهربُ من ذاك الغول المارد إلى لا مأوى ، أهربُ أهربُ ، ولا أمسك غير اللحظة ، تلك التي تجعلني أنهض مفزوعة من عمق رهابي ، أتلفت يمينا ويسارا، فأسمعُ صوتاً يأمرني:

أنتِ هناك ، فلتأتي
اتبعي صوتي، حيثُ الأيام ملونة ،
هيا فلنذهب حيث المرسى حيث اللوحة
حيث الحجرات تحتاج من يعبرها
من ينفض منها رائحة غبار السنوات
من يشعل ضحكةً أو يوقدُ يوماً أغنية
من يسكنها
أو يوقظ حتى رفات الموتى.
من يشبع ظمأ الأرواح قبل الأجساد


أتلفت يمينا ويسارا
فأرى بلوراً يومضُ كما عينيّ بشتى الألوان
أقترب بخشيةٍ ويد الصوت تجر كياني
أقترب فأدخل من باب لا يملك غير الرهبة وصفاً
الصوت ما زال يأمرنى ، وأنا أتبع
أدخل لؤلؤةً تملك حجرات شتى


ما زال الصوت يأمرنى
أنتِ هناك
انتقي ركنا
واتخذي دور المتفرج وضعاً
انتقي عُمراً
فالعرضُ سيبدأ ألواناً

واللون يقتل لامسه
من يقترب
اللون يحب تفرد أحجيته
يكره خلطه
يجتاز إطار التشكيل
يهرب روحاً تمتطي لعنة
فانتقي ركناً


أجر الرهبة ثوباً يُثقلنِي
الضوء اللامع ينطفأ،
والصمتُ يسود
الصمت يفتت ذاكرتي
وأنا كعهدي
أكره لونَ الذكرى
أكره قناصاً أجبرَ الموت أن يسرقني
أن يسرقَ عصافير القلب
ويهدمَ عش الأمنية

تتعثر قدميَّ فأصرخ
لم تظلم لؤلؤتي الآن
يخبرنى الصوت ألا أفزع
أن أمكث حيثُ مكاني
فالعرض سيبدأ
واللحظة تكره خادشها

أتلبثُ بعضاً من قوة
فيسودُ نغمٌ متدفق
تلك الأنغامُ أعرفها
من عازفها ؟!


يتساءلُ وَعيي ويخبرنى ،
قد كان هناك من يغزل أثواب التوت
اثواب حرير للروح
قد كنتُ يوماً أملكها.


يعلو النغمُ ، و الرهبة تكاد تنزعُ قلبي
تنزعُ عمري، تنزعُ وعاء ذاكرتى
مرت لحظات لم أذكرها
والضوءُ يعودُ،
والصمت يسودُ

آآآآه أصرخ
مَن شَقَّ القلبَ بلحظتها
؟هكذا أسألُ
تلك العابرةُ من صدري
لتؤدي أولى الكلمات.

يأمرني الصوتُ بأن أصمت،
أن أفتح نافذة الوعي، أن أوصد قبرَ اللحظات.

قالَ، قد آن أوانُ النسيان
والنسيانُ أحجيةٌ يدركها زمن الكهان
زمنُ الرهبان
زمن العاهرةِ ترتدي ثوبَ التقوى
والتقوى لعبةٌ مجنونة يمكثُ فيها عويلُ الإنسان.
عابرة قربي تأمرني أن أصمت،
أن أترك تلك القافية،
أن أترك نغماً لا يسطر رقصةً للقلب
ولا يشفي جرحاً أدمته يدُ الإنسان.


الصمتُ يسود،
تتقدم مني تلك الأخرى،
وتكسر قافيتى
وتسأله: من هو؟!!!
حولي أتلفتُ!
والصوتُ ما زال يأمرني،
أن أصمت،
ألا أجرحَ تلك اللحظات.


قالت:

هل جربت يوماً أن تجلسَ على مقربةٍ من باب الرؤيةِ، وتفتشَ فى غرفِ القلب .. تجتازُ خوف المقربة وتغوص فى ملحمة الذكرى .. هل حاولت أن تفرط رزمة أوراق منسية، وتفتش فيها عن حلم ضاع ما بين شقين يكمن بينهما الفعل الهارب من ملحمةِ اللحظة " نسيان .. نسي أن ".. هل تدرك ما بين الدمج من لحظات هاربة من كف الواقع .. من ولادة تلك التجربة الفعلية .هل تدرك كم تملك تلك الكلمة من روح؟

فلتعكس وضع الكلمة لتخلق منها وجوداً، ولتدرك مهزلةَ الوعي، رتب حرفاً واحذف حرفين، وافصل ما بين الأشجانِ لتخلقَ زمناً، لتعرفَ كم تحملُ اللغةُ من مكرٍ، كم يمكثُ فيها البهتانُ،

نسيَ أن.. والفعلُ.. و ما بينهما يجترحُ اللحظةَ، في النصفِ نداءٌ (يا) ، والعودةُ تساؤلٌ (أي) وكأنها مهزلةُ الدنيا، إما أن تمضي، أو تحتار، لك أنت قرارٌ، قد تُفلته إن لم تُتقن فصلَ اللحظات، فصلَ الكلمات، حَلَّ الأحجيةِ الضمنيةِ ما بينَ الحرفِ والحرفِ، ما بينَ الكَلمةِ والسطرِ.


أصرخ فيها
أكره يوما أن أتذكر
بالله عليك ِ من أنت ِ
من أعطاك الحق بشق القلب
بالله عليك من أنت ِ


يأمرنى الصوت بأن أصمت
أن أستمعَ بوجل ٍ فألملم حباتِ بكائي
أبتلعُ نحيبَ مساماتي
والبردُ يُفتتني، ما زالَ.


يأمرني الصوتُ أن أتلبس ثوباً من ماضي يهدأني
فأراه هناك يَمد الروحَ تلفُّ كياني
ويقبل فيَّ رموش الرؤية
فيهدأ صخبي.


فتعود
العابرة من قلبي
تشير إلى حجراتٍ أميزها

وتسألنا:

هل فكرت يوماً بوعاء ذاكرتك ، ذاك الذي ترمي فيه أيامك، لتقول هي ألقى بيَ العابرُ ثم مضى، ألم تُدرك أن ظلمات الوعيّ عشيقةً للحب السري، والحزن السري والفرح السري، والسرُّ وجعٌ مجهولٌ، بل معلوم.
السرُّ خوفٌ من آخرٍ لا يملكُ مفتاحَ حياتك أو عمرك.
فلتجتز أرصفةَ الخوفِ، ولا تخشى تلكَ الأعمدة المنصوبةً من قيمٍ زائفةٍ هشة .

بتلك اللحظة تومض عينىّ كبرقٍ، تتسعُ رويداً فرويداً
تبتلعُ مكاني وكياني، تتشكلُ بحيرةٌ في رأسي
وأراني هناك،
أعاودُ تلكَ الأحداث.


يأمرني الصوتُ بأن أترجلَ عن صهوةِ وعيي،
قالَ بوجلٍ:
استمعي إلىَّ يا أنتِ،
سأعلمك أولى الكلمات

أيا انسان
كي تنسى ، عليك أن تتذكر
أن تنفض عن رفِّ القلبِ رفاة الأحداث
أن تملك خبثَ الكلمة
تحذفُ حرفين
وتوجه مرآةَ الوعي لتقرأ
تلك المعكوسة تتضح فيها الرؤية.


نسى
يسن


أنت الإنسان
قادرٌ على خلقِ اللحظةِ،
فاللحظةُ لا تخلقُ فيكَ غير البهتان.


لبصيرتكَ ذراعٌ فلتمددها،
فلتدهمها لتغير شطرنج الواقع،
فالذكرى نكوصٌ
والماهرُ من يسبح فى عمر فان ٍ
ومن ثم يعود
يلتقط الحكمة والحنكةَ
ويمد لسانه لخرابٍ عن مقربة


أبحث عنها،
تلك العابرة من قلبي
مَن تُشبهني
حيثُ الظلماتُ تُعرينا،
تكشفُ عن ضوءٍ بداخلنا،
عن نورٍ يعلو ونخشاه ،
نخشى أن يظهرَ للملأ.


أنهضُ مِنِّي
أفتشُ حُجراتِ القلبِ،
وأقلِّبُ أوراقَ الذكرى
أنفضُ خوفي، من ورقةٍ يصرخُ فحواها،
وأخرى تبكي،
وتلك تبتسمُ في خجلٍ
وأخرى تحتضنُ أيامي.


يا للهول .. ماذا بقلبي
هذي رصاصات القناصُ
مفحوتاً عليها كلمات،
آه منها تلك اللحظات
أحتاجُ نوراً كي أقرأ،
أتلمسُ بطرفِ وجودي
ذلكَ النحت.


يأمرني الصوتُ،
يا أنتِ،
تملكي نوركِ ،
وجِّهي قلبكِ،
وأشعلي روحكِ،
تملكى نوركِ.


لا تنتظري ذاك الآخر،
إنه أنتِ من يَملكُ
سِرَّ الملحمة .


أتعجبُ من سرَّ الوعي،
سرِّ المرأةِ في الحب،
قناص القلبِ كان مني
حبي المتدفقُ أدماني،
فالمرأة تملك تلك النزعة
تعذيبُ الذاتِ، ولا تدري
والحبُ يفيضُ فيقتلنا،
يَجعلنا نخشى أن نُخفق،
فنختارُ الهرب ونبتعدُ.

آهِ مني،
كم استعصت علىَّ أحجيتى
فقط لأني
لم أتقن فنَّ الترتيل،
لم أفهم دهليز القلب.

يلهينى الوجعُ ويخبرني،
لم كل تلك الجولات وأنت المتعبة،
كم من أغنية لا تشفي رنين العشق ؟


يأتيني الصوتُ،
ويُخبرني: من رَحمِ الحياةِ سيولدُ حُبٌّ
فلا تنجرفي
ابحثي عمن يهبُ القلبَ جوهرةً
تومضُ عشقاً
تومضُ لهفةً
وابتعدي عن ناحت عمركِ،
من يجعلكِ تنتظرين
على رفيفِ الأمل
بلا رؤيةٍ ، بلا رحمةٍ، يسرقُ أوراقَ سنينكِ
يقطف ثمرات التين بقلبك ولا تدرين.


أقلبُ أوراقاً أخرى
آآآآآآه منى
كم تكثر بالروح الذكرى
آآآه.. مرهقةٌ، وأريد الهربَ
إلى أين؟
لؤلؤةُ الحدثِ مقفلةٌ.


أتلمسُ شقَّ القلبِ فلا أجده
أعرِّي الصدرَ فلا أجده أبحثُ عن بابٍ، عن شباكٍ،
عن سردابٍ كي أعبرَ فيَّ فلا أجد.


أدورُ وأدورُ وأتلفتُ،
أنادي الصوتَ بلا ردٍ،
سوى لطمِ الصدى بالحجر،
خدعني الوعي ، ولم أدرِ .
تلكَ العابرةُ ،
أسألها
باللهِ عليكِ كيف أمضي؟ يأتينى النغمُ
كما الوهنُ


تلك النيرفانا يا وجعي،
أتدفقُ منكِ وأخبو


أنا تلكَ اللامعةُ المنطفأةُ
كامنةُ فيك وظاهرةُ
قديسةُ بثوب عاهرةُ
خبيئةُ لكن براقةُ
نائيةُ فيك وحاضرةُ
أنا أنتِ ولكنك لا تدرين.


انا من تَخطُّ ورقةَ عمركِ البيضاءِ كتاباً،
ثم تَلعقُ أصابعها من الحبرِ، وتَمضي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل