الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة الرئيس

خالد الكيلاني

2008 / 6 / 24
كتابات ساخرة


صاح الحاجب صيحته الشهيرة ... محكمة، وقف الجميع، ودلف الرئيس وخلفه القضاة، وجلسوا على مقاعدهم، في الوقت الذي كان المحامي الشهير يدخل مسرعاً من باب القاعة الأمامي المخصص للمحامين وخلفه أحد العاملين بمكتبه يحمل لوحة خشبية كبيرة مغلفة بالورق المقوى، كان الرئيس قد افتتح الجلسة، وقبل أن ينادي على القضية الأولى صاح المحامي يطلب منه الانتظار، سأل المستشار الكبير: فيه إيه يا عبد الحليم بك؟، قال المحامي: الصورة يا ريس، ولم ينتظر رداً ولكنه أشار للعامل بإزالة الغلاف فظهرت صورة نصفية ضخمة للمحامي الشهير يحيط بها برواز أنيق ثم أردف قائلاً "لو سمحت عايز أعلق الصورة دي فوق المنصة"، تعلق صورتك؟...قال رئيس المحكمة مندهشاً، فرد المحامي مشيراً إلى صورة رئيس الجمهورية المعلقة خلف المنصة:أنا عندي قضية في هذه الجلسة ضد أنور السادات، ولا يمكن أن تعلق صورة خصمي ولا تعلق صورتي، وفيما بدا وكأن المحامي مستمراً في عمله، طلب من سعاة المحكمة إزاحة صورة الرئيس قليلاً حتى تتوسط الصورتان تماماً الحائط الخلفي للقاعة الكبيرة، وأسقط في يد رئيس المحكمة الذي كان نائباً لرئيس مجلس الدولة حينئذ، فالمحامي على حق، لا يمكن نظر قضيته وصورة خصمه تعلو المنصة، فرفع الجلسة واتصل برئيس مجلس الدولة الذي جمع نوابه واتخذ الجميع قراراً بإزالة صورة الرئيس من تلك القاعة ومن جميع قاعات محاكم مجلس الدولة، واستبدالها بالآية القرآنية الكريمة "وإذا حكمتم بين الناس، أن تحكموا بالعدل".
كان المحامي الشهير صاحب تلك القصة هو المرحوم عبد الحليم رمضان الذي أطلقت عليه الصحف ووكالات الأنباء لقب "قلم قضايا ضد الحكومة" لأنه كان متخصصاً في الترافع في أي قضية ضد الحكومة أو الرئيس، أما الطرف الآخر فكان المستشار جلال عبد الحميد رئيس محكمة القضاء الإداري وقتها.
سنوات طويلة مرت على هذه القصة وما زالت صورة الرئيس (بالمعنى الرمزي) هي المشكلة، لأنه الحاضر الغائب دوماً في قضية استقلال القضاء، وفي خصومة السلطة مع القضاة، فللرئيس الكثير من الاختصاصات والسلطات القضائية خصماً من السلطة القضائية مثل الإحالة للمحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة والتصديق على أحكام تلك المحاكم...الخ، وكل اعتداء من السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية على استقلال القضاء يمر عبر الرئيس، ويتم باسمه، لسببين: أولهما أنه طبقاً للدستور يعد حكماً بين السلطات، وثانيهما لأن البرلمان والحكومة بيد الرئيس.
لا أعرف سبباً منطقياً واحداً لكل هذا "العناد" مع القضاة، فخلال العامين الأخيرين فقط تم تمرير عدة قوانين لاقت رفضاً ومقاومة كبيرين منهم، وسدت الحكومة والبرلمان أذانهما تماماً عن رأي القضاة... ورؤيتهم، مع أن هذه القوانين تمس القضاة بصورة مباشرة مثل قانون السلطة القضائية، وقانون المحاكم الاقتصادية، وقانون المجلس الأعلى للهيئات القضائية، وقوانين مد سن التقاعد المتعددة. كما تكررت محاولات وزير العدل للتأثير على القضاة عن طريق صندوق الخدمات الاجتماعية والصحية، وحجب ميزانية نادي القضاة لدى الوزارة، وفي كل هذه النوازل وغيرها لجأ القضاة وناديهم إلى الرئيس، ولكن الرئيس كان إلى حكومته وبرلمانه أقرب.
وإذا كان استقلال القضاء ليس مطلباً خاصاً أو فئوياً للقضاة، لأنه شأن يتجاوز بكثير حدود القضاة أنفسهم إذ أنه في جوهره وثيق الصلة بقضية العدل وميزان الحرية في المجتمع، فإننا لم نعرف فئة ناضلت من أجل استقلالها وحريتها التي هي ضمانة للوطن والمواطن مثلما ناضل قضاة مصر وناديهم طوال السنوات الثلاث الماضية، هذا النضال الذي وحد معهم وحولهم كل فئات الأمة، وجعل من ناديهم – بحق - بيتاً للأمة.
في الأسبوع الماضي شاركت في ندوة حول استقلال القضاء افتتحها وتحدث فيها – مع حفظ الألقاب – رئيس نادي القضاة ورئيس محكمة الاستئناف "الرائع" زكريا عبد العزيز قائد كتيبة المدافعين عن القضاء المصري، وترأسها وعقب على مناقشاتها نائب رئيس محكمة النقض "الحكيم" حسام الغرياني الفقيه البارع في تاريخ القضاء، وتحدث فيها نائب رئيس محكمة النقض "المقاتل" هشام البسطويسي أحد أهم أبطال ربيع القضاة في مصر. كانت خلاصة المناقشات التي شارك فيها قضاة وحقوقيون وناشطون ونقابيون أنه لا حرية ولا ديمقراطية ولا رخاء ولا تقدم لهذه الأمة في غياب استقلال حقيقي للقضاء.
وطوال الندوة كانت عدة أسئلة تطرح نفسها وإن لم يسألها أحد، هل كان يمكن لوزير العدل وللحكومة أن تفعل ما تفعله بالقضاة لو لم يكن هناك ضوء أخضر من الرئيس؟ ولماذا يفعل الرئيس ذلك؟، وما مصلحة الوطن في الافتئات على قضاته، وكيف هي صورته لدى القضاة بعد كل ذلك؟، ولماذا يضع نفسه في خصومة تتسبب في إزاحة صورة الرئيس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس


.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي




.. انتظروا لقاء مع أبطال مسلسل دواعي السفر وحوار مع الفنان محمد


.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال




.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت