الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بل لماذا هذ الفزع من رفض المعاهدة؟ 1-2

صائب خليل

2008 / 6 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أناقش في هذه المقالة بعض طروحات مؤيدي المعاهدة الأمريكية العراقية، بادئاً في هذا الجزء الأول بالسيدين شاكر النابلسي و جوزيف شلال، وفي الجزء الثاني سأناقش طروحات الدكتور عبد الخالق حسين والدكتور كاظم حبيب، رغم أني أعتبر الأخير معارضاً للمعاهدة وإن لم يعلن عن معارضته لها جهرا .

يطرح الأستاذ شاكر النابلسي السؤال: لماذا كل هذا الفزع من الاتفاقية الأمريكية - العراقية؟
حتى لو افترضنا حسن نية السؤال من الزميل الأردني، وهو أمر لا تشجع عليه معرفتنا لكتاباته السابقة (1)، فإن ما يطرحه سؤال مقلوب. فـ "الخوف" و "الفزع" من المستقبل بدون أميركا لحمايتنا هو ما يطرحه المروجون للمعاهدة، بل يمكن القول أن الخوف هو حجر الزاوية لتمرير المعاهدة الأمريكية مثل الكثير من المشاريع المماثلة لها في التأريخ، بينما يرى معارضوها أن هذا "الخوف" مبالغ به. فإذا كان هناك من يمكن أن يتهم بإتخاذ قراراته نتيجة "الفزع" فهم المؤيدون للمعاهدة، أما معارضوها فقد قدموا أسباباً عديدة ومنطقية لرفضهم لها وعدم الثقة بالشريك المقابل، وقد كشف ما تسرب الى الصحف الغربية أمورا لا تستدعي الرفض فقط، بل ان مجرد إثارتها كمطالب، يثير التقزز أيضاً من هذا "الصديق" ذي التأريخ الأسود والحاضر الأرعن. جاء هذا يفرض علينا صداقته بعد أن رفضتها معظم شعوب الأرض واعتبرته خطراً يتهدد وجودها واستقلالها، حتى شمل الخوف من تهديدها أقرب أصدقائها طراً، حيث لايعلو على خوف البريطانيين من بوش إلا خوفهم من بن لادن و (2) وتقابل كل اتفاقية معه مع حكومة أية دولة بمعارضة شعبية شديدة, و تقابل أية زيارة لرئيس دولته بتظاهرات غضب واحتجاج لاتحدث مثلها مع أي زعيم دولة أخرى .

من الناحية الأخرى لا يقدم الموافقون على المعاهدة أية ردود على هذه الإعتراضات بل يلجأون مباشرة إلى استنتاجات عجيبة بأن الإحتلال الأمريكي يوصل الدول التي يحتلها في النهاية الى مستوى المانيا واليابان!! وأن من يرفض المعاهدة مجنون أوعميل مهمته أن يحرم العراق فرصته لكي يصل الى مصاف الدول العظمى!

يكرر شاكر النابلسي أسطوانة مروجي المعاهدة من أن "ألعراق ليس وحده" حين يعقد إتفاقيات عسكرية مع أميركا ويأتي بمثال "قطر" التي أقامت "أكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارج أميركا". ولو كانت "ليس وحده" محاججة مناسبة لأمكن أن تقوم أية حكومة بأي عمل أو قرار لأنها ستجد بالتأكيد من فعل ذلك "قبلها" مهما كان القرار سيئاً وحتى إجرامياً. والغريب أن رافعي شعار "ليس وحده" لايرون أنه يصلح للجانب المقابل أيضاً، فالعراق لن يكون أيضاً "وحده" في رفض معاهدة ما، دع عنك معاهدة تحوم حولها كل تلك الشبهات.
إنه لن يكون "وحده" مهما كان قراره وعليه أن يقرر أين يفضل أن يكون، ولا أظن أن النابلسي يجرؤ على القول أن بإمكان قطر اليوم أن تطلب من أميركا أخلاء قواعدها في بلادها إن ارادت ذلك. فها هي كوبا تصرخ منذ نصف قرن دون جدوى، ومن الجلي أن الشعب العراقي قد قرر الإحتفاظ بسيادته!

يستشهد النابلسي ببعض الأمثلة (3) حين يقول:
" ووقع العراق اتفاقية استراتيجية بينه وبين الاتحاد السوفيتي عام 1972 لمدة 15 عاماً بعد تأميمه للنفط العراقي.... وهناك عدة اتفاقيات تمَّ توقيعها بين مصر والاتحاد السوفيتي السابق وبين سوريا والجزائر والاتحاد السوفيتي، فلم يعترض عليها أحد، ولم تُقدح الحناجر لمهاجمتها."
والفارق بين هذه الأمثلة وما يخطط للعراق هو أن قوات الإتحاد السوفيتي لم تضع قواعد لها في تلك البلدان كشرط للمعاهدات ولم ير أحد قواتها تسير في شوارع المدن تطلق النار على الناس للتسلية ولم تطالب باحتكار سماء البلدان التي عقدت معها الإتفاقيات أو الإشراف على وزارات الداخلية والدفاع فيها، ولو أن هذا حدث "لقدحت الحناجر" والرشاشات أيضاً بلا شك.

ويجد النابلسي فيمن يعارض الإتفاقية بأنه من " الموالين للحلف الرباعي (سوريا- إيران- حزب الله – حماس)" لأنه من "غير المعقول" على ما يبدو أن يعارضها انسان انطلاقاً من رأيه الخاص وانطلاقاً من خوفه على السيادة وإحساسه بالكرامة، فهي أحاسيس غريبة كما يبدو بالنسبة إلى شاكر النابلسي وبقية مروجي شعار "عمالة المعارضين". لذلك لا غرابة أن يتساءل النابلسي: "فهل لو كان العراق ينوي عقد مثل الاتفاقية بالبنود نفسها مع إيران أو مع سوريا، هل كانت الدنيا تقوم ولا تقعد، كما هي الآن؟" وأقول له: "بدون أدنى شك، حتى لو لبند واحد منها"!

يتصور النابلسي وصحبه بأن العراقيين مقسمون بين عملاء لأميركا وآخرين لسوريا وإيران، لذلك، فكما لايعترض النصف الأول على إتفاقية مهينة مع أميركا، فلن يعترض النصف الثاني على مثلها مع سوريا وإيران. ليس في العراق حسب تصورات النابلسي، من يهتم بالعراق وكرامة العراق وكرامته الشخصية، وإنما فقط بما تريده هذه الدولة أو تلك، لذا فإنه تحصيل حاصل أن من عارض معهاهدة أميركا، سيرحب بقواعد عسكرية إيرانية (وسورية!) وسيدافع عن حق دورياتها في قتل العراقيين بلا حساب، فالخلاف بين العراقيين من وجهة نظر النابلسي يتلخص بـ : من الذي يجب أن نعطيه حق السلطة علينا وحق إهانتنا وقتلنا دون حساب، وليس الرفض المبدئي لكل تلك السلطة والإهانة وذلك القتل، وكل يقيس الأمور من منطلقاته الشخصية.

ويرى النابلسي أيضاً "إن الأمر لا يحتاج إلى ذكاء شديد، عندما نرى أن كل الذين وقفوا في وجه حرية وديمقراطية العراق وعهده الجديد، وأيدوا ودعموا العمليات الإرهابية على مدار السنوات الخمس الماضية، هم الذين يقفون اليوم ضد الاتفاقية القادمة بين العراق وأمريكا. وهم بهذا لا يريدون للعراق استقراراً، ولا للحرية مرتكزاً، ولا للديمقراطية مكاناً في العراق."
النابلسي لم يقدم طبعاً قائمتين بمن دعموا الإرهاب ومن عارضوا المعاهدة لكني أعتقد أن الأمر فعلاً بحاجة إلى "ذكاء شديد" فعلاً للتمكن من خداع النفس والآخرين وتجاهل الرفض الشعبي الهائل من كل الإطياف لتلك المعاهدة، ونسبه إلى "من لايريدون للعراق استقراراً"، دع عنك الحاجة إلى "النفاق الشديد" لربط كلمات مثل "الحرية" و"الديمقراطية" بالموافقة على معاهدة أتفق حتى مؤسسوها على أذاها للسيادة العراقية حين وعدوا بإزالة البنود التي تتنتقص السيادة منها بعد أن هبت معارضتها بوجههم بدرجة فاقت تقديراتهم.

أما جوزيف شلال فيتساءل :"هل وجود جنود وقواعد في اغلب دول العالم مثل المانيا واليابان وحتى قطر والكويت ودول اخرى حليفة في حلف الاطلسي كتركيا الاسلامية مع انضمام دول كانت اكثر من مائة عام شيوعية واشتراكية الى الناتو وامثلة اخرى بالعشرات لا نريد ان نتطرق اليها للاختصار , يعني هذا ان سيادة هذه الدول قد انتقصت وغير كاملة عندما تصل الحالة فقط الى العراق?" (4).
وأقول: "نعم انتقصت" في أغلب الأحيان إن لم يكن كلها. ولو أنك كلفت نفسك قراءة تأريخ توقيع تلك المعاهدات لعرفت أن أميركا فرضت إرادتها أما عسكريا على دول إنهزمت امامها مثل المانيا واليابان، أو بالإبتزاز الإقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية حيث كانت تلك الدول ليس فقط تحت تهديد الفقر، بل الجوع أيضاً.
لقد بلغت الرغبة الأمريكية في اليابان في فرض سلطتها على أية سيادة يابانية بعد الحرب، إلى رفض توسلات اليابان وتوسطها لدى روسيا لكي تستسلم لأميركا مقابل أن تتعهد أميركا بسلامة الإمبراطور ونظامه، لكن أميركا أصرت على استسلام غير مشروط وفضلت على التعهد أن تحرق مدينتين بالقنابل النووية (ثم تركت الإمبراطور يحكم!!). وفي المانيا استخدموا النازيين إضافة إلى كل وسائل الضغط ليضمنوا عدم السماح للشيوعيين وحتى اليساريين بالمشاركة في انتخابات نزيهة، في كل أوروبا الغربية. ربما تكون معارضاً للشيوعية ولا ترى خسارة في ذلك، لكن هذا لايمحو صفة "التدخل" وانتقاص السيادة لإرادة الشعب في بلاده وحرية خياراته السياسية. لقد تم نشر القواعد العسكرية حينها في اوروبا وغيرها بنفس الطريقة التي يتم بها اليوم نشر "الدرع الصاروخية": أتفاقات مع الحكومات بالضغط والرشاوى، ومعارضة شعبية كبيرة الأغلبية، لا ترى في تلك المعاهدات خيراً لها.

ويلجأ شلال إلى الحق الشرعي الديمقراطي للحكومة العراقية المنتخبة كمبرر لعقد الإتفاقية فيقول: "ردي هو ; من لديه الشرعية والصلاحية والقوة هو فقط المخول والقادر لعقد اتفاقية او معاهدة ! بما ان الحكومة العراقية ديمقراطية ومنتخبة من قبل العراقيين وهي الدولة والنظام الوحيد في المنطقة شرعيا , على كل عراقي ان يرفض تلك المزايدات من شمال افريقيا الى النظام الارهابي الايراني شرقا !! "


مثل غيره لايرى جوزيف شلال احتمالاً أن العراقي قد يرفض الإتفاقية من نفسه، بل لأنه مسير كالخروف من قبل "دول أخرى". أما بالنسبة لشرعية الحكومة المنتخبة فأنا من الناس الذين يعترفون بتلك الشرعية إلى درجة ما (مع إغماض عيننا عن كل التجاوزات في الإنتخابات وحقيقة أن المالكي جاء بضغط أمريكي مباشر كبديل للجعفري، وامور اخرى كثيرة)، لكن هذا النظام الديمقراطي الذي منح الحكومة شرعيتها يفقدها إياها عندما تتخلى بنفسها عن قواعد تلك الديمقراطية وتتخذ القرارات المتتالية خلافاً للدستور وتوقع اتفاقيات مع دول أجنبية بلا مشاورة البرلمان، فمن الذي يقف مع الديمقراطية والشرعية ويمارس حقه الدستوري في المعارضه، ومن الذي يعتبر الدستور والبرلمان عقبة يجب تجاوزها بالحيل اللفظية وتغيير التسميات والعمل السري بعيداً عن الشعب الذي منحه شرعيته؟

في مقالة أخرى يتبين أن السيد شلال يعيش في كوكب اخر، أنقل لكم منه هاتين العبارتين واترك لكم الحكم:
"انا ارى ان هناك اتفاق سياسي من جميع الاطراف العراقية لهذه المعاهدة بما فيها المرجعيات الدينية المساندة للحكومة في مساعيها , وما يفرح قلوب العراقيين ان جميع القوى الحزبية والسياسية في الحكومة متحمسين ومتحدين لتوقيع الاتفاقية والمعاهدة الاستراتيجية مع اميركا صديقة العراق الاولى"

ويقول: "البعض يقول ان هناك تعتيم وتستر على ما يجري بين المفاوض العراقي والامريكي ! ونقول هذا غير دقيق وصحيح لان النصوص والفقرات نشرت منذ البداية وتناقلتها وسائل الاعلام المختلفة !"

هوامش:
(1) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=121851

(2) البريطانيون يرون بوش اكثر خطراً من كيم يونغ أيل (2007)
http://www.guardian.co.uk/uk/2006/nov/03/terrorism.northkorea
استطلاع عالمي: أمريكا أكبر خطر يهدد السلام! (2006)
http://nessai.groub.com/modules/news/article.php?storyid=472

(3) شاكر النابلسي: " لماذا كل هذا الفزع من الاتفاقية الأمريكية - العراقية؟"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=171&aid=138582

(4) جوزيف شلال: "لماذا من يرفض الاتفاقية يتهم الاخر بالعمالة والخيانة ?!"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=1859&aid=138548

(5) جوزيف شلال:"المعاهدة العراقية - الامريكية الاستراتيجية وتدخلات اقليمية وعربية واعلامية سافرة في الشان العراقي"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=136713








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف