الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم - ستاب هورست- للهولندي اميل رفروا يحيا التعصّب في الحياة مقترناً بالمقدس

علي البزاز

2008 / 6 / 25
الادب والفن



ينظر الفلاحون إلى الارض على انها هبة الله، تتجلى فيها اسراره ومقدساته، وهي مصدر لمقاومة المجاعة. لا يحبذون السكن في العواصم، حيث بطش الالة يفتك بالذاكرة الريفية التي تشكل الحماية من الذوبان. ولأن العلاقة مع الارض تدريجية من الفلاحة إلى جني المحصول، لذا يقاومون التغيير الدفعي. فيلم "ستاب هورست" للهولندي اميل رفروا (عرض بالتزامن مع فيلم "فتنة") يمارس منذ البداية خداع المشاهد الذي يعتقد فوراً، انه امام مشهد من بلد اسلامي محافظ: نساء محجبات بملابس طويلة محتشمة، شاب على دراجة هوائية، يسابق موعد قدّاس الاحد. وعندما يكف الناقوس عن القرع معلنا الخضوع والاحادية، ينكشف المشهد على مدينة ستاب هورست الهولندية، (معقل طائفة بروتستانتية متشدّدة، تستمد تعاليمها من الانجيل، وتفرضها على الحياة اليومية حرفياً). تشيع الكاميرا من خلال لقطة قريبة لنساء محجبات، الالتباس بين ما هو مسيحي واسلامي، معززاً رأي المخرج اميل رفروا الخبير بالاديان (بروفسور في حقوق الاقليات، شارك في مهرجان القاهرة السينمائي عام 1977 بفيلم "مسلم من غينيا") ان التشدّد الديني واحد، وإن اختلفت درجة حدّته. وهو بهذا يقارب الباحث هالدن الذي يقول: "ربما يكون التعصّب - التزمّت واحداّ من اهم الابتكارات الأربعة ما بين عام 3000 ق. م، وعام 1400 ب. م؛ وانه ربما يكون من اصل يهودي - مسيحي. إن اشتقاق الكلمة "Fanatique " يرجعنا الى "Fanum" ومعناها المعبد - الهيكل". فعلاً، تقترب هذه الطائفة في طقوسها الحياتية وعلى صعيد السلوك والملبس، من اليهود المتشددين. فمثلاً، تفرض الحجاب (كما في بعض الفتاوى الاسلامية)، ولا تسمح بارتداء الملابس القصيرة والبنطلون. تتبع هذه الطائفة نهج يان كالفن وتتشدّد في تعاليمها، اذ تمنع مشاركة المرأة في الحياة السياسية والادارية، وتُلزمها واجبات البيت، وتربية الاطفال، كما تُحرّم معالجة الاطفال من ذوي الحاجات الخاصة، لان العاهة في عرفها ارادة الهية، لا ينبغي الوقوف ضدها، بل قبولها كامتحان مفروض. يوم الاحد مقدّس لديها، ويُكرّس للعبادة ويمنع فيه العمل إسوة بيوم السبت عند اليهود.
يعتمد مونتاج "ستاب هورست" على البناء التدريجي للدراما، مبتعداً قدر المستطاع عن عنصر المباغتة او اللقطات التعبيرية، مع تقشف في الموسيقى التصويرية. الكثير من اللقطات العامة، يصور المناقشات الحادّة في مجلس البلدية بين احزاب اليسار، وحزب هذه الطائفة الذي حقق انتصاراً كبيراً في الانتخابات المحلية، وشارك في البرلمان، وفرض سياساته على الحياة العامة، ومنع الحانات والنوادي الليلية من العمل بعد الساعة العاشرة ليلاً في منطقته، ضمن بلد علماني صرف، يشكل المؤمنون فيه نسبة ضئيلة جداً، ويجاهر بالالحاد، مما حدا بالبرلمان ان يلغي القسَم بالدين في المحاكم، واعتمد القسم بالشرف الشخصي في الشهادة.
مزارعون وفلاحون، يقاومون الانصهار، باللجوء الى التعصّب في المعتقد. اللافت ان التزمّت الديني لم يمنح الفلاحين الذين يستعملون التكنولوجيا الحديثة منذ بداية القرن المنصرم فرصة سانحة للتغيير ومواكبة تطورات العصر، بل على العكس، اعتبر هولاء ان الالة مصدر تهديد، باختصارها العمل الجماعي المضني الى عمل افراد لا غير، فشعروا بخطر الانقراض. فالتعصب هنا هو المحافظة على الوجود، وعلى ديمومة النوع المستمدة من ملكية الارض، وعدم قبول الاخر إلا ضمن شروط محددة سلفاً. يقول واعظ هذه الطائفة: "نحن نبارك سياسة اللجوء، فقط للاشخاص الباحثين عن وجه الله". انحياز غير معقول على اساس ديني، يلغي "محبة الاعداء"، ويهدد التضامن الانساني، ويخالف الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي تجيّره الاديان لجهة تعاليمها. تصبح هذه الافكار المتشدّدة بؤرة لتطرف آخر. هكذا فإن شابا منتمياً الى عائلة لها نفوذ دينيّ، يدعم السياسي المتطرف خيرت فلدرز في حملته الانتخابية، ويتمادى امام الكاميرا بمناصرته من دون تحفظ.
يقترن التزمّت مع المطلق المقيّد لحركة التفكير، وتقترن المغالاة بأحسن احوالها مع الدين عندما يصبح ايديولوجيا تهدئة، تهفو الى الموعود الذي هو المكافأة غير الأرضية، وتقرّ بأنه نتيجة الامتثال للمقدس، وحتميّ الثواب.. كتب جياني فتيمو "سيفُهم الدين، اذاً، كايديولوجيا ووعي زائف، كشكل مُسكِّن من السلوك معوِّض في عالم بدون قلب. شكل بديل من الغبطة والسعادة، في اطار سوسيو- اقتصادي غير ملبّ للرغبات وبائس".
وقال المخرج رفروا: "بحثتُ اربع سنوات في افريقيا عن الواقع الديني في مجتمعاتها، دخلت الجوامع بحرية، واستقبلني المسلمون بحفاوة، اما في هذه المدينة، فانا غير مرحَّب بي، ووجدت صعوبة اجتماعية ودينية في تصوير فيلمي، يمنع التصوير في كنيسة هذه الطائفة. ثقافتي الاكاديمية تفرض عليّ قبول معتقدات الناس، لكني ضدّ تقديس المعتقد، عسى ان يساهم عملي في فتح حوار حقيقي لفصل الدين عن الدولة".
يعود الفيلم مجدّداً الى مشهد الالتباس في البداية ولكن هذه المرّة شاهراً صراحة رأي المخرج من دون مواربة او تورية الكاميرا: مقبرة كبيرة مجاورة للكنيسة التي تُسمع منها عظة يوم الاحد، وصوت القس ينساب بين القبور، متردداً بين برج الكنيسة، وشواهد الموتى.
هنا لجوء مقصود للبلى، يستبعد المعنى الرحيم للموت كأنه يقول، ان مصير التطرف سواء بطقوسه او بعمرانه، سيؤول الى الزوال، مستعيراً من المقبرة المعنى ومتجاهلاً وظيفتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع


.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي




.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????


.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ




.. الذكرى الأولى لرحيل الفنان مصطفى درويش