الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الشاعر شريف الشافعي

محمد نبيل

2008 / 6 / 25
مقابلات و حوارات


شريف الشافعي يعود بعمل شعري ضخم بعد تسع سنوات من "ألوانه":

صاحب أطول قصيدة في الشعر العربي المعاصر:

محطتي الجديدة.. تعرية إنسان القرن الحادي والعشرين


الشعر لا يخضع للتخطيط ولا العمليات الحسابية


أجرى الحوار – محمد نبيل:
منذ حوالي تسع سنوات، افتتح الشاعر المصري شريف الشافعي صفحة جديدة ومثيرة في الشعرية العربية الحديثة، بإصداره ديوانه الضخم "الألوان ترتعد بشراهة"، الذي يعد الأخصب في ذاكرة الشعر العربي المعاصر، إذ يحتوي قصيدة واحدة مطوّلة تقع في أكثر من ألف صفحة. وقد صدر الديوان في طبعتين بالقاهرة؛ أولاهما عن "مركز الحضارة العربية"، والثانية عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة سلسلة "الجوائز".
ورغم أن "الألوان ترتعد بشراهة" هو الديوان الثالث للشافعي، بعد "بينهما يصدأ الوقت"، و"وحده يستمع إلى كونشرتو الكيمياء"، فإنه يعد الأشهر بين أعماله، إذ التفت إليه عشرات النقاد والباحثين والأكاديميين بالبحث والتحليل، وكُتبت عنه أكثر من مائة دراسة في كتب نقدية ودوريات متخصصة وصحف رائجة. وقد وصف الناقد الدكتور محمد عبد المطلب هذا العمل الشعري الكبير بأنه "نموذج متميز للشعرية الحداثية الجديدة بكل مغامراتها الجمالية، التي تتأتى أهميتها من انفتاحها على العالم الداخلي والخارجي على حد سواء"، ووصفه الناقد الدكتور صلاح فضل بأنه "نص شديد الخطورة والعرامة، القبض التام عليه وتدجينه بالوصف مستحيل، لأنه يمتلك قدرة على الاستفزاز والنفاذ والقفز على التوصيف النمطي المألوف"، أما الكاتب خيري شلبي فقد قال عن نص "الألوان ترتعد بشراهة" إنه "يحمل عبقرية شعرية فذة بكل المقاييس"، ووصف الشاعر بأنه "شاعر العرب قاطبة خلال السنوات القليلة المقبلة"، حيث إنه "سائر على درب شعراء التحول، الذين يقودون الحركات الفنية إلى آفاق عليا جديدة، ويغيرون مسارها".
بعد "ألوانه"، لم يصدر شريف الشافعي أي ديوان شعري، لكن صدر له العام قبل الماضي كتاب بحثي بعنوان "نجيب محفوظ: المكان الشعبيّ في رواياته بين الواقع والإبداع"، عن "الدار المصرية اللبنانية". وها هو الشافعي، في لقائنا معه، يعلن أنه سيطل على المشهد الشعري في مصر والعالم العربي هذا العام بعمل شعري كبير، من أجزاء متعددة، وسيصدر الجزء الأول في القاهرة في يوليو المقبل.
الشافعي، في هذا الحوار، يتحدث بصدر رحب عن عمله الشعري الجديد، الذي يُنتظر أن يُحدث دويًّا خلال الشهور المقبلة، كما يتحدث عن ألوانه التي ارتعدت بشراهة، ويتطرق للعديد من القضايا الشعرية.

O ألا ترى معي أن الوقت قد طال بعد صدور "الألوان ترتعد بشراهة"، حيث لم يصدر لك أي ديوان شعري منذ تسع سنوات؟
= الشعر لا يخضع للتخطيط ولا العمليات الحسابية، وإذا كان الإصدار قد تأخر بعض الشيء، فإن المكابدة والاشتغال الداخلي مستمران، مع مراعاة أمرين، أولهما: أن الألوان قد استنفدت قدرًا كبيرًا من الطاقة، فكان الإتيان بتجربة مغايرة يتطلب قدرًا من الارتماء فوق حشائش الترقّب. والأمر الثاني: أن "ترجمة" التجربة إلى كلمات، ومن ثم إصدارها في كتاب، ليس إلا المحطة الأخيرة في عملية الإبداع المعقّدة. سوف يشهد شهر يوليو المقبل إن شاء الله صدور عمل شعري جديد لي، ربما من الممكن تحديد اللحظة التي بدأت فيها كتابة هذا النص بيدي، لكن تكوين التجربة وبلورتها بداخلي بدأ منذ سنوات. النص الجديد من أجزاء متتالية، ربما عشرة أجزاء أو أكثر، فرغت بالفعل من بعضها، ولم أفرغ بعد من "ترجمة" بعض أجزائها إلى "كلمات"، لكنني مرتاح إلى أن القوة الضاغطة بداخلي قادرة على ترويض العبارات في الأجزاء المتبقية.

O عن أي دار سيصدر الجزء الأول؟
= على نفقتي الخاصة. لقد جربتُ النشر في هيئات الدولة، وفي دور النشر الخاصة، وللأمانة لا أدعي أن أحدًا طلب مني حذف كلمة واحدةٍ مما كتبتُ، أو حاول التدخّل بأي شكل من الأشكال في أعمالي، لكن الأمر مختلف تمامًا في هذا النص الجديد، الذي لا أفضل أن أسهب في الحديث عنه قبل صدوره.
هو نص يجب أن يُنشر خارج كل دوائر الشروط والبنود، لن يكون صالحًا أن يتقيد بأي عقد مع وزارة الثقافة المصرية، ولا مع أية دار نشر خاصة، مهما تبلغ درجة انفتاحها وحريتها. وأنا هنا لا أقصد فقط ما يتعلق بمضمونه، لكن أيضًا ما يتعلق بإخراجه الفني، والنواحي الطباعية. أعتبر أن هذا النص هو صورتي الداخلية الكاملة دون أي رتوش، تلك الصورة المجنونة التي تعكس التعرّي التام لإنسان القرن الحادي والعشرين، وأتصور أن رضاي التام عنها لن يتحقق إلا إذا حَمّضْتُ هذه الصورة وَطَبَعْتُها في معملي الشخصي، كما أريد أنا فقط، دون تدخّل من أي أحد، ولو بإلقاء نظرة عين على "الْمُنْتَج الفني" قبل صدوره.

O بالعودة إلى قصيدتك المطوّلة "الألوان ترتعد بشراهة"، ما مبرراتُك لمثل هذه الإطالة، في عصر تحدث فيه كثير من النقاد عن "القصيدة اللقطة"؟
= في تصوري أن هناك نصوصًا شعرية تستغرق صفحة أو اثنتين، يمكن وصمها بالإطالة غير المبررة، وهناك نصوص تستغرق مئات الصفحات، لا يشعر متلقيها بملل ناجم عن تكرار أو تداعيات. الكائن الشعري الكامل بأسره إذن هو الذي ينبغي النظر إليه: بروحه، وجسده، وملابسه، وهيئته، وزينته، وعطره، وضوضائه، و ...... إلخ إلخ. وكلما كانت العلاقات بين كل ما يخص هذا الكائن متناسبة متناسقة مبررة بصورة أو بأخرى، كلما كان كائنًا سويًّا خاليًا من الأورام والزوائد والأكياس الدهنية، والعكس صحيح.
إن إفساح الفضاء لحركة "الحالة الشعرية" بحرية، مكنني ـ وفقًا لرؤيتي في تلك الفترة في تسعينيات القرن الماضي ـ من الانطلاق عكس مقولات تنظيرية ونقدية عديدة، من حق غيري أن يقدسها أو يؤمن بها، ومن هذه المقولات: أننا نعيش "عصر الرواية"، وأن قصيدة اليوم هي فقط "قصيدة اللقطة الفوتوغرافية القصيرة" ،.... وما إلى ذلك من مقولات تتشح بالحداثة، وترفع لافتة الخصومة مع من يحاول مراجعتها أو الاختلاف معها أو التحاور، أو حتى التجاور معها برأي موازٍ، رغم أن الحداثة ذاتها (وما بعدها) هي محراب الاختلاف الفسيح.
حاولتُ ـ حينها ـ إفساح المجال للتمازج بين تيمات إيقاعية وتيمات نثرية عديدة، حيث يتم طرح فكرة "التعدد" بكل مستوياته الممكنة (إيقاعياً – طباعياً- جمالياً- لغوياً- تأويلياً- .. إلخ)، مع جعل النص بوتقة كبرى تتسع لضم الأجناس الشعرية الأساسية (الشعر الغنائي - الشعر الدرامي - الشعر الملحمي)، وتتسع لتفاعل جانبين محوريين؛ أحدهما: انفعالي تلقائي فطري، وثانيهما: يتوخى الحذر الذهني والهندسة البنائية. كما حاول النص الشعري أن يحتضن شتى العلوم والمعارف (الكيمياء – الفيزياء – الميكانيكا – البيولوجي – التاريخ – الطب – الاقتصاد – الجيولوجيا - إلخ إلخ)، مع حرصي على إعطاء أدوار فنية لكافة الطيور والنباتات والحيوانات وأعضاء جسم الإنسان المشرّحة والعناصر الطبيعية ومفردات الكون .. وخلافه. لقد حاولتُ ببساطة أن أفسح الفضاء للحالة الشعرية الطقسية الكلية لكي تأخذ بنفسها - لنفسها - الإخراج الهيكلي الأمثل لها، أو الوعاء الفيزيائي الملائم. إن طول النص المفرط ليس مزية في حد ذاته بالطبع، ولا هو بعيب كذلك على وجه الإطلاق. لكن بغض النظر عن معايير الجودة النسبية وقوانين الاتفاق والاختلاف في الذائقة، فمن الناحية الشكلية البحتة يظل نص "الألوان ترتعد بشراهة" من أخصب النصوص طولاً في ذاكرة الشعرية العربية القديمة والحديثة على السواء، وهذه معلومة لا تتعلق بتحليل الأدب ولا بتقييمه، بقدر تعلقها بتاريخه.

O قلتَ في حوارٍ سابقٍ إنك أعفيتَ نفسكَ تمامًا من حيرة الدوافع النظرية أو البواعث الاجتماعية المباشرة للكتابة. ماذا تقصد بذلك؟
= حقًّا، في "الألوان ترتعد بشراهة"، أعفيتُ نفسي تمامًا من حيرة الدوافع النظرية أو البواعث الاجتماعية المباشرة للكتابة، حيث جعلتُ غايتي الجوهرية – طوال سنوات التأليف الثلاث – هي صناعة النموذج الجمالي اللائق بالقراءة (بالنسبة لي بطبيعة الحال). أما (الآخرون)، فلم أغفلهم بالطبع، فالقصيدة - طالما تقرر نشرها في كتاب مطبوع – هي فعل احتراف، وتكوين ناقص يكتمل بعملية التلقي. لكنني قصدتُ أن أجعل الغلبة لخصوصية الذات (شعوريًّا وتعبيريًّا)، في حالة إذا ما تصارعت هذه الخصوصية، مع مقتضيات التواصل مع الآخر، أو مع بعض الثوابت الجمالية، أو المشتركات الجماعية. أما الذي أقصده بــ"النموذج الجمالي"، فلا يعني بالطبع التنصل من الغاية الاجتماعية للفن، وقد باتت هذه القضية مسلّمة في غير حاجة إلى المزيد من النقاش.

O حفل نص "الألوان ترتعد بشراهة" بالشخوص، ودارت بعض أحداثه في مدينة "يَعْطش". هل سعيتَ إلى تخليص القصيدة من غنائيتها؟
= حاولت بالفعل أن أخطو بالقصيدة الغنائية خطوة حذرة، عبر اللجوء إلى تقنية "الشخصيات الفنية"، التي يبلغ عددها حوالي ثلاثين شخصية في النص، ومبرر ذلك الأول هو إنشاء نوع من التجادل الفني، يشي بدراما شعرية، أو بشاعرية درامية على نحو أدق، حيث تُوظّف المسرحة لخدمة الشعر، وليس العكس كما هو شأن المسرحيات الشعرية. ويتوازى توظيف الشخوص والمسرحة في خدمة الشعر، مع توظيف السينما والفنون التشكيلية والسرد الروائي..، وغيرها من أنماط التعبير الإبداعي، ويصير الهدف الغائي هو تخلص التجربة من غنائيتها، ساعية نحو طابع ملحمي عام، ومن ثمَّ يبدو النص - ككل - مزجاً بين فنون الشعر الكبرى الثلاثة: الشعر الغنائي، الشعر الدرامي، والشعر الملحمي. كذلك - وهذا هو المبرر الثاني لوجود الشخصيات - فقد يسرت الشخصيات العديدة من مهمة استحضار "الأخرى" أو الـ"هي" في النص، حيث يمكن أن ترتدي هذه الـ"هي" أحد وجوه تلك الشخصيات النسائية بسهولة (كاميليا – سلوى – نورا – فدوى - نجلاء .. إلخ ).
أما المدينة، التي تدور فيها أحداث كثيرة، فهي مزيج من واقع كابوسي وأسطورة محلّقة، وتحمل اسم "يَعْطَش"، وقد اشتققتُ اسمها من حروف العين والطاء والشين، وجعلتُ الاسم على صيغة الفعل المضارع، ليفيد معنى استمرارية هذا العطش المتحقق في المدينة. وللمدينة ناسها (اليعطشيّون)، وأحداثها وتاريخها وزمانها ومكانها وقوانينها وحكّامها و.. إلخ.
مرفق صورتان:
1- شريف الشافعي
2- شريف الشافعي يتلو مقاطع من "الألوان ترتعد بشراهة"
برواز
الشاعر في سطور

• شريف الشافعي.
• من مواليد مدينة منوف في عام 1972.
• تخرّج في قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة في عام1994.
• أصدر ثلاثة دواوين شعرية هي:
= "بينهما يَصْدَأُ الوقتُ", 1994, سلسلة "كتاب إيقاعات الإبداعي".
= "وَحْدَهُ يستمعُ إلى كونشرتو الكيمياء", 1996, الهيئة العامة لقصور الثقافة, سلسلة "إبداعات".
= "الألوانُ ترتعدُ بشراهَةٍ", 1999,"مركز الحضارة العربية". وفي طبعة ثانية في العام ذاته عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة, سلسلة "الجوائز".
• تُرجمت قصائد من دواوينه إلى الإنجليزية في كتاب "لحظات مقارنة" للدكتور محمد عناني والدكتور ماهر شفيق فريد, 1997, الهيئة المصرية العامة للكتاب.
• أصدر كتابًا بحثيًّا بعنوان "نجيب محفوظ: المكان الشعبيّ في رواياته بين الواقع والإبداع"، 2006، الدار المصرية اللبنانية.
• عضو اتحاد كتاب مصر، وعضو نقابة الصحفيين المصريين.
• عضو منتدى الكتاب العربي على الإنترنت في سويسرا، وله صفحة شخصية باسمه في المنتدى.
• صحفي في مؤسسة الأهرام منذ عام1996، وسكرتير تحرير مجلة نصف الدنيا الأسبوعية (حاصل على إجازة منذ فبراير 2007).
• مراسل وكالة أنباء رويترز العالمية، وصحيفتي العرب اللندنية والرياض السعودية، على مدار أكثر من عشر سنوات.
• يقيم حاليًا في مدينة الْخُبَر السعودية، حيث يُسْهِمُ في إصدار المجلات والمطبوعات الطبية الخاصة بإحدى المؤسسات الكبرى.
• الموقع الإلكترونيّ:(www.sharif.50megs.com).
• البريد الإلكترونيّ: ([email protected]).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيل الشباب في ألمانيا -محبط وينزلق سياسيا نحو اليمين-| الأخب


.. الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى إخلائها وسط تهديد بهجوم ب




.. هل يمكن نشرُ قوات عربية أو دولية في الضفة الغربية وقطاع غزة


.. -ماكرون السبب-.. روسيا تعلق على التدريبات النووية قرب أوكران




.. خلافات الصين وأوروبا.. ابتسامات ماكرون و جين بينغ لن تحجبها