الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافتنا في العصر التقني

ابراهيم سبتي

2008 / 6 / 28
الادب والفن


سمحت التقنية الرقمية المتطورة ، بنمو قضية خلافية بينها وبين الأصل المتجذر للأدب والثقافة وهو أول مظاهر الجدل الذي بدأ يأخذ مساره العلني بعد ان ظل هامدا بانتظار ماذا سيحدث ..
فتحسب مديات التأثر والتأثير الثقافي حسب هذا الجدل ، وفق مفهوم النشر و التلقي لصنوف الكتابة كافة . فيكون المنجز أي كان جنسه ، مرهونا بفاعلية تقبله ومن ثم مدى درجة القناعة التي يحوز عليها الأثر نفسه.. الكاتب ، اسير الوسائل المتاحة للانتشار وهي التي تقوم بإيصال ما يكتبه الى الآخر .. والكاتب الذي لا يضع امامه سوى طرق الشهرة واغوارها وأساليبها ، يكون عرضة للأوجاع والمقالب والانزياحات والخسارات .. فيما قد يصل المبدع الصامت الى اوسع مساحة دون ان يفعل شيئا غير نشر نصه المؤثر .. وطرق النشر المعروفة ـ تقليديا ـ ساعدت الكثير من الكتاب المهمين على الشهرة وبلوغ الآفاق في الوقت الذي لم يكن الانترنت قد ظهر .. وحين بلغت الثورة الرقمية أوجها ، ساعدت الكتّاب على الانتشار بطريقة لم تعد صعبة ولم تكن مكلفة في الجهد او الوقت .. وفي تحول سريع في ادوات العصر الرقمي ، نجد ان الكتّاب والادباء قد استفادوا كثيرا من الاتصال السهل والنشر المتاح وفق آليات التعامل التقني الميسرة وتحقق لأول مرة المزج الذكي بين العقل البشري المبدع و التطور التقني العلمي .. مع ان بعض الأسماء المهمة فضلت عدم الخوض في العصر التقني وابقاء الأمر حسب محددات المرحلة السابقة وكأنهم يخشون التعامل مع الشبكة العنكبوتية والاحتفاظ بالمنجز السابق المتحقق عبر الوسائل المعروفة التي يعشقها الكثير من الادباء والكتّاب المهمين لما تشكله من متعة وأصالة وفيها جهد واضح . البعض يعلق على النشر الالكتروني بأنه سيول من الغث والسمين ، اغلب المنشور يفتقر الى بدائيات اللغة وتحولاتها والبعض منه لا يمتلك ادنى مقومات النص الادبي . على الرغم من ان الكثير من كتّاب الانترنت قد اهانوا اللغة وسحقوا مفرداتها واذلوا كيانها ولم يحترموا الادب الذي يصفه فيرنون جراس أحد شرّاح التفكيكية ، بأنه أقدر فنون القول على الكشف عن العملية اللغوية التي تمكن الإنسان بها من إدراك عالمه مؤقتا وهو إدراك لا يمكن أن يصبح نهائيا أبدا ..
مع اننا نحتفظ لعدد غير قليل من المبدعين بالرصانة والجمال والدهشة والإبهار في كتاباتهم . ولم تشكل سهولة النشر في الشبكة المعلوماتية للكتّاب الذين لم يصلوا الى الصحف والمجلات الرفيعة لأسباب أهمها ضعف نتاجهم ، أي تطور ملحوظ . بل قد يكون الأمر سيئا وربما أفقدتهم غزارة الانتاج عناصر الإخلاص والوفاء لما يكتبون . إنها محنة ولعنة وقلة موهبة ..
لو تصورنا ان كل أديب وكاتب ومثقف عليه ان ينشر ما يكتبه بهذه الطريقة السريعة السهلة ، فأن الذائقة ستكون مهددة بالانهيار عند الآخر الجالس أمام الشاشة ، اذ سيتقزز من سيولة الكلام المباشر والسطحي غير المرتكز على مقومات الصنعة .. ناهيك عن ان العصر اللاحق ربما ستصبح فيه كل الصحف والكتب أرثا تاريخيا يحتفظ بها في المتاحف وقد تباع قصاصة من صحيفة بمبالغ خيالية تفوق لوحات مونيه وفان كوخ وغوغان ورامبرانت او مخطوطة لشكسبير او قصيدة غير مكتشفة للمتنبي او للحلاج لأنها لا تجد من يكتب فيها .
مما يسلخ آخر ما تبقى من جماليات الزمن العتيق الذي نحنّ فيه لكل منجز أدبي أو ثقافي صار جزءً من طقوس الإنسان ..
الكل يقرأ والكل صار ناقدا عبر الفضاء . في حين يؤشر النص المنشور بالصحف مثلا من قبل نقاد لهم خبرتهم ومنجزهم المعروف .. وفي غمرة هذا العباب المتلاطم ، نجد أن وفرة الكتابات وغزارتها ، لن تسوغ غلبة الانترنت على الصحافة أو الكتب .. ولو انه يتفوق تقنياً وبمقدوره أن يدخل إلى اكبر مساحة بشرية ممكنة ، إلا أن متعة القراءة الورقية تبقى إرثا متوارثا بطعمها المدهش والممتع .. ويظل السباق المحموم بين عاطفة الكاتب وفكره مع التقنية المذهلة التي انتشرت في الفضاء وبدأت تسحب الكتّاب والكتب الى مرابعها التي تتناسل كل لحظة .. وخوفنا أن يتراجع كتابنا بإمكاناتهم ومنجزهم المتفرد إلى الخلف قليلا ، لأنهم لم يتعاملوا مع لغة العصر وثورته الهائلة مقابل أن نرى كتابا يغزون المواقع بسيول من الكتابات المخلوطة بالفجاجة والضحك على العقول .. فيكون من الضروري ان يتجه الأدباء المعروفين بحبهم وإخلاصهم لصنعتهم ، إلى نشر كل منتجهم المطبوع وجعله بمتناول الناس الذين ربما لم يسمع بعضهم بهؤلاء الكتاب ولهم العذر لأنهم لم يقرؤوا صحيفة أو كتاب ولأنهم ساروا في ركب التكنولوجيا منذ أن عزموا على ممارسة كتابة أو قراءة الأدب ومارسوا لعبة النشر السهل دون ان يَتعبوا في قراءة روادنا وكتابنا المهمين .. ان هيبة الكاتب الرصين محط احترام الجميع لإبداعه وإسهاماته في اغناء مجاله ولكنه مطالب بأن يطلق منجزه المهم للتوثيق الالكتروني ليطلع عليه الجميع حتى من خارج حدود البلد ليضيف هؤلاء الكتاب الى رصيدهم ، قراء اكثر ، هم قراء الشاشة الالكترونية التي باتت حاضرة ومُنافسة قوية لوسائل النشر التقليدية .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع