الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدود الحرية

محمد حسين الداغستاني
صحفي وشاعر وناقد

2008 / 6 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عندما تصاب القيم والسلوكيات الإجتماعية الراقية بالصدمة ويُفقد الوعي ، في بلادٍ يجهد المحتل بكل الوسائل المتاحة أن يشيع الإنحلال والميوعة والتسيب لتحقيق أكثر من هدف وتحت لافتات شتى منها الحرية وحقوق الإنسان والمساواة وما الى ذلك ، عند ذاك يكشّر الإنفلات عن أنيابه وينطلق من عقاله ، ويعمل في البنية الإجتماعية والتربوية هدما ً وتنكيلا ً وتمزيقا ً دون هوادة ، ويجعل من الأعراف والمثل وحتى من القوانين المرعية مجرد عوائق تحول بينها وبين الرغبات المحمومة في الوصول الى الغايات المشروعة وغير المشروعة بأية وسيلة كانت ومهما كان الثمن
ورغم أن ( الحرية ) كانت وستبقى أمل الشعوب المضطهدة والمبتلية بالأنظمة الشمولية والقسرية ، فإنها تفقد البريق عندما يمارسها الأشرار والحمقى وسفلة المجتمع ، بالشكل الذي لا يمت الى مفهومها الحقيقي بأية صلة ، عندئذ تبدأ الخروقات ، وتمارس الحرية بصورتها المطلقةالمنفلتة ، وغير المقيدة بالضوابط ودون حساب ٍ لحريات الآخرين وحقوقهم الإنسانية والقانونية المشروعة .

لاشك بأن تجاهل المحددات التشريعية والإجتماعية للجم التصرفات الهوجاء والممارسات الشائنة ( افعل ما تريد في الوقت أو المكان الذي تريد ) سيقود المجتمع الى حالة مخيفة من الفوضى ، فمن هنا تبرز أهمية الضابط القانوني بأعتباره الأداة الفاعلة لتنظيم حقوق وواجبات الأفراد ووضع الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها لاستلاب حقوق الآخرين وهضم وإلغاء حرياتهم .

الحرية .. هم إنساني

إن نظرة فاحصة الى تأريخ مشكلة (الحرية المطلقة ) أوالحرية التي لا حدود لها ، تؤكد عدم حداثتها ، فالحرية كانت
ولا تزال هم الأجيال المتعاقبة وقد سُفكت على مذبحها انهار من الدم ، وضحت في سبيلها نخب إنسانية ذات مبادئ وقيم سامية ورفيعة لأنها كانت دوما ً عرضة للغصب والمصادرة مما دفع العديد من الفلاسفة والمفكرين الى الغور في مدلولاتها والبحث في سبل تعميقها في النسيج الإجتماعي للكيانات الإجتماعية المختلفة رغم أن البعض منهم لم يجد في من إستهان بالحرية سوى ناتجا ًلابد منه لطبيعة إنسانية جبلت على النرجسية وعشق الذات واستصغار شأن الغير فيما أكد فريق ثالث على قدسية الحرية وصلتها الوطيدة بحقوق الأنسان الطبيعية

ففي إنكلترا .. كان توماس هوبز (1588 ــ 1679) وهو من أبرز الكتاب الذين تناولوا مفردة الحرية بالتحليل والوصف قد قال ( إن الإنسان أناني بطبعه وأنه جُبل على الإعتداء على حريات الآخرين ، وأن تركه على هواه يؤدي بالمجتمع الـى الفوضى والنزاع المستمر ) !!

وفي فرنسا فقد كان هناك عدد من أبطال الحرية المشهورين كفولتير ومونتسيكو وروسو وديدر وفولتير ....
فالحرية كانت تعني الدفاع عن حرية الفكر والمعتقد الديني والأهم من كل ذلك حماية الفرد من تعسف السلطات الحاكمة ولم يتخل ( جان جاك روسو) وهو المفكر والفيلسوف ومؤلف الكتاب ذائع الصيت (العقد الإجتماعي ) عن حق الإنسان الطبيعي في ممارسته لحريته وبؤسه للواقع المرير الذي تغدو عليه فيقول : (يولد الإنسان حرا ً ، أما عن حياته فإنه لم يزل يعيش أينما وجد في سلاسل وأغلال من حديد ) ! .

لكن ديدر ربما هو الأكثر قربا ً من الجوهر إذ يدعو الى ضرورة إفهام الناس بأن الدنيا مكان جدير بالإصلاح وتوقع الخير والسعادة ، وإنها ( أي الدنيا) فيها كذلك شرورا ً ولكنها لا تعود الى نقص في الطبيعة الإنسانية وإنما تعود الى فساد النظم الإجتماعية وأساليب التربية والتعليم .

ويكمل المفكر الأمريكي ( جون ديوي) هذه المقارنة المؤلمة بمعادلة متوازنة وصائبة بعد أن يؤكد على أن الفرد يجب أن يكون حراً لكن تلك الحرية يجب أن تكون منسجمة مع مصلحة المجموع ، فالحرية الكاملة المطلقة تؤدي الى فردية لاتقيدها حدود المثل الأخلاقية وهو ما يؤدي الى الأستبداد والى أن تطغي شخصية فرد على شخصيات الآخرين ونتيجتها الفوضى حتما ً .!

لهذا فإن الثورة الفرنسية عندما إنتصرت عام 1789 وجدت من الضروري تضمين وثيقة حقوق الإنسان والمواطن التي أعلنتها الثورة ما يلي : (تقوم الحرية على حق المواطن في أن يمارس كل عمل لا يضر بالآخرين ) .
الحرية حاجة حياتية مشروعة

إن آفاق الحرية واسعة وميادينها فسيحة وإن إرادة الإنسان هي الأقوى في فرض الحدود المشروعة لممارسة الحرية المحسوبة والموزونة ، وأن تعمل هذه الإرادة بالذات من اجل وقف الفوضويون الجدد الذين يسيئون لغيرهم بدواع غياب السلطة المركزية التي تتولى فرض القانون ، وتتابع هموم وتطلعات الإنسان .
وقد تكون الحرية هي تقرير الإنسان لمصيره وحرية ارادته وإمكانية التصرف وفق تلك الإرادة التي لا تحددها القوى الخارجية العاتية لكنها أيضاً هي وعي الإنسان بالتطبيق الطوعي أو الإلزامي للقوانين الموضوعية في النشاط الحياتي واليومي لأي ٍ منا ، وتوجيه المجتمع كله على أسس تخطيطية لخلق متطلبات الإنسان وتطوره وتوفير الضمانات الحقيقية لممارسته حريته الموزونة .

إنه تطلع مثالي في غاية النقاء وحاجة إنسانية مشروعة ما أحوجنا الى ترجمته الى فعـل ٍ أكيد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) أديب وإعلامي عراقي ، رئيس تحرير مجلة التضامن الشهرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نادين الراسي.. تتحدث عن الخيانة الجسدية التي تعرضت لها????


.. السودان.. إعلان لوقف الحرب | #الظهيرة




.. فيديو متداول لحارسي الرئيس الروسي والرئيس الصيني يتبادلان ال


.. القسام: قنصنا جنديا إسرائيليا في محور -نتساريم- جنوب حي تل ا




.. شاهد| آخر الصور الملتقطة للرئيس الإيراني والوفد الوزاري في أ