الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( الركض وراء الذئاب ) :الركض وراء مَنْ ؟؟

عبد الرزاق السويراوي

2008 / 6 / 29
الادب والفن


يُفترض برواية علي بدر الأخيرة ( الركض وراء الذئاب )أنْ تكون قد أجابتْ عن التساؤل الذي حمل عنوان المقال , وفي حال تمّ ذلك , فأنّ هذه الإجابة ستحيل بدورها الى تساؤل آخر : مَنْ هي هذه الذئاب المركوض وراءها ؟؟ .
في الحقيقة , ليس عسيراً إكتشاف المشتركات بين أولى روايات علي بدر ( بابا سارتر ) والرواية التي بين أيدينا ( الركض وراء الذئاب ) , لعلّ أوضحها , روح التهكم وإسلوب السخرية اللاذع الذي كُتِبتْ به الروايتان , وهو إسلوب يكاد يميّز أعمال علي بدر . ( جورج باركر ) هو الإسم المستعار الذي أختاره البطل لنفسه وهو في اميركا والذي لم يردْ ذكره إلاّ مرة واحدة , بينما ظلّ إسمه الحقيقي مجهولاً تماما . وأحسب أن الكاتب تعمّد ترك الاسم الحقيقي مجهولاً للإيحاء بوجود فجوة زمنية أو نفسية , أو كلاهما معا , تفصل هذه الشخصية عن بلدها الأم الذي غادره قبل خمسة وعشرين عاما هربا من السلطة . وأصبح يحمل الجنسية الأمريكية ويعيش في نيويورك , وقد تزوج من أميركية وله منها ولد وبنت ليس لهما " علاقة بالشرق الأوسط أبداً " ,ولكي يغلق سبل الوصال بين بلده الأم وولديه فقد جعلهم " يرتعبون من كل شيء قادم منها " . كان في العراق يساريا, لكنه تحوّل في أميركا , الى متحمس لأفكار ليو شتراوس الذي يؤمن بتعميم الديموقراطية بالقوة . وعقب سقوط صدام حسين , تكلّفه الوكالة الصحفية التي يعمل فيها , بالذهاب الى أديس أبابا , للكتابة عن الشيوعيين العراقيين , الذين إنخرطوا في صفوف الجيش الاممي الذي شكله الضابط الشيوعي منغستو , , وقبل ذلك , كانوا قد خاضوا معارك الكفاح المسلح في أهوار جنوب العراق في الستينيات . من هنا تبدأ رحلة البحث عن هؤلاء في أديس أبابا . حيث يتركز بحثه بشكل خاص , عن ثلاثة من هؤلاء العراقيين .
الأول هو " الصحفي جبر سالم ... ثوري معروف جاء من الناصرية الى بغداد في الستينيات ". والثاني , أحمد سعيد , شاعر ثوري , عاش طفولته وشبابه في بغداد ثم التحق بمعارك الاهوار وكذلك في حرب العصابات في الجبال .. اما الشخصية الثالثة فهي ميسون عبد الله رفيقة احمد سعيد والمرتبطة به عاطفيا . يبدو لي ان الكاتب إعتمد رؤية إسقاطية مسبقة إنتقد من خلالها ولو ضمنيا ,بعض الممارسات التي صدرت أو تصدر من هؤلاء , وهذا ما أراد إيصاله الى المتلقي ليشاركه في عملية الرفض لهذه الممارسات , كونها ــ الممارسات ــ لا تنسجم مع ما يتبنّاه هؤلاء من رفض للواقع الفاسد . فميسون مثلا , والتي عُرفتْ بنشاطها السياسي ايام كانت في العراق , تسللتْ الى دمشق لتصل الى بيروت , فتلجأ " الى الدعارة لأغراض مادية " , في محاولة منها لإيجاد معادلة فحواها , " إصلاح ضرر الإغتصاب السياسي وإعادة ما سُلب منها بالقوة , فجسدها ملكها ويمكنها تأجيره مرات ومرات " .إذن فميسون تتحول في بيروت الى بائعة هوى , بعدما كانت في العراق محسوبة على شريحة الثوريين الرافضين لمنطق الإستبداد الذي تمارسه السلطات الحكومية , وهذا ما لا ينسجم مع شخصية نذرتْ نفسها لخدمة قضية وطنية , فكيف تتحوّل من مناضلة الى بائعة هوى ؟؟ ولكن على ما يبدو , أنّ علي بدر يستبطن رؤية مسبقة ويتعمد إسقاطها , على مرحلة سياسية مرّ بها العراق وخصوصا في ستينيات القرن الماضي بل وحتى السبعينيات وما تلاها , كاشفاً عن بعض السلوكيات لناشطين محسوبين على تلك المرحلة , فأراد ان يعرّي بعض شعارات هذه المرحلة وما رافقها من سلوكيات لهؤلاء ثم لاحقهم الى أديس أبابا . وما يؤكد هذا الإستنتاج , هي التصريحات التي أدلى بها جبر سالم , ذلك الصحفي اللامع والثوري المعروف " لقد خدعوني ... لم أكن أعرف أنّ إفريقيا كلها زبالة لا وجود لثورة ولا لثوار ولا أيّ شيء من هذه التفاهات .. أنّ هؤلاء الذين تسميهم ثواراً ــ ويعني بهم , بعض الرفاق الذين عمل معهم ــ لم يكونوا غير قوّادين وعاهرات " . ولكي يستكمل علي بدر رؤيته الإسقاطية التي جزّأها ليعطي كلّ شخص من شخصياته جزء منها , فأنه يزجّ بشخصية أخرى , وهي شخصية جمال وحيد الذي يعيش في أديس أبابا منذ عام 1983 ويعمل في شركة أجنبية لحماية الحيوانات البرية. هذه الشخصية تعاني من أزمة نفسية كبيرة , تمتد جذورها أيام كانت في العراق , حينما تعرّض في ذلك الوقت , للإعتقال ثم أُطْلِق صراحه ثمناً لوشايته برفاقه وأصدقاءه ,فأدّتْ بهم هذه الوشاية الى الإعدام , وخوفا من أنْ تعاود السلطة القبض عليه من جديد , فانّه يهرب من العراق ليستقرّ في إثيوبيا . أمّا الفصل الثالث وهو الأخير , فقد خُصّص للتقرير الذي أنجزه الصحفي لوكالته عن الثوار المذكورين . ولأنّه لم يلتق أصلا بإثنين من هؤلاء الثلاثة, وهما ميسون واحمد سعيد كونهما رحلا الى أوربا بعد سقوط منغستو , فقد قام بفبركة صحفية,إدّعى فيها بأنه إلتقاهما , وكأنّي بعلي بدر , يفضح أو يدين الإعلام الغربي في تزييفه للوقائع خصوصا في تعامله مع شؤون الشرق الأوسط .
ثمة ملاحظات أخرى تستحق الإشارة أيضا . فالشخصية الرئيسية في الرواية, عرفنا فيها إندماجها بواقعها الجديد /أميركا , لكن الكاتب , بعث في سطورالرواية بإشارات,توحي بأن هذه الشخصية لم تنصهر كليّا داخل واقعها الجديد , أي المجتمع الغربي والأميركي بشكل خاص , ذلك ما نلمسه من خلال متابعاته القليلة عبر الفضائيات لما يحدث في بلده الأم , من أحداث وأعمال عنف , لا تثير لدى ولَدَيْه شيئا طالما هما أميركيان وهي إشارات أعتقد بأنها تثير اللوعة والحزن في نفس علي بدر شخصيا قبل تأثيرها على أبطاله . وعلى الجانب الآخر من التوجه السايكولوجي للشخصية الرئيسية , فأنها سعت للبحث عن إيجاد سبل لتجْسير بعض الإنشدادات النفسية الكامنة في داخله إزاء الخواص العامة لمجتمعه الأم /العراق رغم خضوع هذا المجتمع لآفة الإستبداد السياسي الذي تمارسه السلطة .
( الركض وراء الذئاب ), رواية تثير إشكالية مهمة , وتعكس ما يتمتع به علي بدر من مهارة في صنعته , خاصة في براعته السردية الواضحة في إختيار الزاوية الأفضل لما يريد إيصاله للمتلقي . ومن جانب آخر , يمكن القول عن هذه الرواية , بأنها أسبغت على نفسها طابعا توثيقيا بنسبة معينة , وأعتقد بأنّ الجانب التوثيقي في أيْ عمل روائي , يتطلب من الكاتب أنْ يكون موضوعيا وحياديا أيضا في تعامله مع أحداث دخلت نطاق التاريخ , ولا أعني هنا بالطبع أن يسرد هذه الوقائع بطريقة السرد التاريخي البحت , وانما يحافظ ما إستطاع , على نسيجها
العام الذي إصطبغت به .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال


.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما




.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم


.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا




.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور