الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجهوية والتيارات: إما للتغيير أو للتغرير

أحمد الخمسي

2008 / 7 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تتبعنا نقاش رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الثامن للاتحاد الاشتراكي، السيد محمد بنيحيى رفقة الزميلين عبد الصمد بنشريف وإحسان الحافظي. طيلة البرنامج، لم نسمع أولويات الاتحاد الاشتراكي في المرحلة. وما هي الملفات الأساسية التي مثلت عصب التحليل السياسي وما هي محاور الخلاف. وكيف أثرت المسائل المسطرية على المحاور البرنامجية. ولا كم مثلت النقاشات السياسية داخل المؤتمر من حيث عدد التدخلات والحيز الزمني مقابل الاعتراضات المسطرية. فلأول مرة تضيع القضايا صراحة بين التفكك الموضوعاتي والتعثر في الخوف من التعدد التياراتي. وحتى لما بدأ يشرح الفوائد الموضوعية من اللوائح باعتبارها قواما بشريا كميا لتعددية في المقترحات السياسية والتنظيمية، خلط بين مجرد وجود لوائح وبين نظام الاقتراع الأغلبي أو التمثيل النسبي، معتبرا مجرد الإقرار باللوائح يوفر الضمانات للأقليات.

لا يمكن البتة القول بتخلف أطر الاتحاد الاشتراكي عن تملك الخبرة بالتدبير التنظيمي وبالتأطير السياسي للخلاف بين التيارات ووجهات النظر. لكن تراكم التدبير المخل بالتوازن بين القضايا البرنامجية وبين السعي من أجل الحصول على المواقع الحكومية، راكم التناقضات وكلس المعنويات وحولها إلى كتل من الإحباط.


في المقابل، أصبحت النخب المحلية تتغيا الانكباب عليه من القضايا التي تتدحرج المشاكل السياسية عند قعرها. مثل قضية التوازن بين الجهات. كعبير تفصيلي عن اللاتوازن بين المغرب النافع والمغرب غير النافع بالصيغة القديمة. ومثل القضايا الفئوية، ذات المضمون البرجوازي الصغير، أي كل المهن التي تعتمد المساهمة المباشرة في الإنتاج بناء على الخبرة الفكرية، بعدما انهارت الإيديولوجيا المرتبطة بالمنتجين مباشرة للقيم المادية (العمال والفلاحين)، وبعدما صفا الجو للبرجوازية الكبرى في تحالفها مع قوى العولمة.

في مقابل خواء النخب المركزية، وانتعاش الوعي الجهوي،لا يبعدنا عن حالة تركيا من حيث السقوط المدوي للنخب المركزية سنة 2002، سوى كون النخب المسيسة للدين هناك، منشرحة في ذاتها ومنفتحة على المجتمع أكثر، مسافة المقارنة بين الحقنة الليبرالية عند الإمام أبي حنيفة كمذهب سني غالب عند الأتراك وبين ما للإمام مالك من الانفتاح على المصالح المرسلة عندنا.

فهاهي حالة آيت اباعمران، وبكيفية هادئة حالات أخرى تبلور الوعي الجيروندي إن صح التعبير. وها هي الدولة تعي أن المسألة الجهوية حيوية للجميع. ومفيدة للجميع على امتداد كل الأزمنة السياسية المقبلة. فهي بمثابة التأثير على الهندسة الجينية الموروثة عن الحركة الوطنية المرتبطة بالأفق الفرنسي في العمل السياسي حيث باريس عقدة وحل القرار.

وإذا كانت الوزيرة الفرنسية من أصل مغربي قد أتت زائرة، لتولي التعليم والتربية موقع النواة الصلبة لكل استحقاق فردي ومجتمعي في حديثها أمام الطلبة، فقد استعادت إلى الذهن ما خلد عند ذاكرة البشرية من عمل المركيز كوندورسي حول التربية والتعليم. وهو المثقف الذي وجد نفسه وسط الثورة الفرنسية، عندما اختلط الأمر على الدولة الملكية، فتولت الغرفة الثالثة أمر نفسها باسم الأمة بعدما أصرت الدولة على تقديم نفسها محامية المحافظة على الامتيازات والتسلط ومظلة للنبلاء والمؤسسة الكنسية الدينية.

لكن التلكؤ الذي ركب رأس العناد، ذهب ساعتها بالمتنورين مثل كوندورسي وبالملكية نفسها. وإذا كانت المصالح اليوم تدمج ما بين مستقبل الشعب والملكية ضمن ماكينة الديمقراطية والحداثة، فالعقل السياسي المركب من الجينات المركزوية يتفسخ وينشغل بالدفاعات المسطرية، مضافا إلى من في الدولة لا يرى غير إبقاء الأوضاع على ما هي عليه. مما سيضيع الوعي الجنيني بالمسألة الجهوية وبالاستحقاقات الفئوية، مقابل الاستقواء بالعولمة والاكتفاء بالأجندة المسطرة من طرف البنك الدولي.

وإذا كان الأردن قد اكتسب خبرة التكيف مع التناوب في الإدارة الأمريكية لتطفو صيغة الاحتجاج ضد الخوصصة من طرف قدماء خدام الدولة هناك، فهل تكون صيغة الاهتمام بالجهوية عندنا صيغة استراتيجية أم اشتغال تكتيكي على القضايا الكبرى لربح الوقت وللالتفاف على الظرفية؟

إن العمل الجمعوي في مناطق أفرز مركزا للذاكرة المشتركة والمستقبل، كما ستنشغل شفشاون بحور "الجوار" خلال الأسبوعي الموالي ضمن أشغال "أليغريا"، وهو تأمل في النقط التي بقيت منسية بالموازاة مع الصراع حول المواقع والجري وراء المنافع.

إن الحوار حول الجوار يعيد إلى الذهن حكمة القدماء "الجار قبل الدار" ثم لا تلبث أن ينتبه الوعي الجهوي إلى قطع من الذاكرة أصابها النسيان ضمن سياسات الحرب الباردة والصراعات الفرعية التي مست ظلال النفوذ الاسباني بالمغرب، مثل ما أخل النفوذ الأمريكي ب"المستحقات" الفرنسية مارست فرنسا نفس الضغط لمحو "المستحقات" الإسبانية. مع العلم أن ربح المغاربة من كل الأطراف هو اكتساب اللغات الثلاث لتضاف كفيء من الحرب للغات المحلية.

فالعطب المركزي يتوقف على مرور بعض الوقت لتنجلي الصورة أمام الذين يخلطون بين مواقعهم وبين القرار السياسي. بينما يستحق نفس الوقت أن يتحول مساحة زمنية للتدبر في أمر النخب المركزية وفي البحث عن أسباب اتباعها سياسة التهميش ضد الذاكرة الجهوية وضد الطرف الأضعف في المحيط الإقليمي.

ثم لننظر عند الأسيويين ما نجح عندهم وهو مشابه لنا في الثقافة وعلى رأس الدولة. في المغرب تحتل الدار البيضاء نصف الحجم الاقتصادي وكل القرار البنكي والمالي. وفي ماليزيا كانت النخبة الصينية تسيطر على رأس الرمح الاقتصادي. فتولى العنصر المالوي السلطة السياسية والعين مفتوحة على ضرورة إضافة مساحة للاثنيات الأخرى في الماكينة الاقتصادية دون الإضرار بالمكتسب الصيني. فكانت الانطلاقة الماليزية في مجالات التنمية التي نعرف.

وعندنا نسمع الربط بين الجهوية وبين مركزية الدار البيضاء في القرار الاقتصادي. مع التنبيه لهذا الخطر المحدق. نقول نعم. لكن هذا ربع الحقيقة. أما الربع الثاني فهو خطر استمرار المركزية السياسية انطلاقا من الرباط. والربع الثالث هو الخطر المحدق بسبب هيمنة البرجوازية والتقنوقراط على أكبر نسبة من الثروة الاقتصادية. والربع الرابع هو عدم تكرار سياسة الاستئصال تجاه الحركة المسيسة للدين مثل ما حصل ضد "الأفكار المستوردة" لليسار بالأمس. فلعلنا ننتبه إلى كون العنصر الديني في صيانة رأس المال المالي وتوجيهه نحو الادخار لا يخرج عن القوانين العلمية التي صاغها كل من ماكس ويبير و إميل دوركايم حول تشكل القيم والمعاملات داخل المجتمع بناء على الموروث الديني.

أما الاهتمام بهذه الأرباع الأربعة فهو ما سيضع كلام السيد فؤاد عالي الهمة ضمن المرحلة وفي صلبها بدل الاستمرار ضمن لعبة القفز على الأجندة مثل ما دأبت النخب المركزية إلى اليوم. وبهذه الصورة سيتمكن مؤتمرو الاتحاد من وضع الأجندة ضمن الحداثة والديمقراطية بدل أفق الاستوزار. وضمن هذه الأجندة يجد اليسار نفسه بدل التلفة والتوالد والتحالفات الوهمية.

أما حصة الناس من الثقة في النخب المركزية والحزبية على السواء فلا تزيد عن طرح السؤال عما كان السيد فؤاد عالي الهمة منشغلا حقيقة بقضية الجهوية أم هو نفس (بفتح الفاء) آخر لربح سباق الانتخابات المحلية سنة 2009، ضمن شعار القرب (الجهوية). لقد أصبحت نفسية الناخب المغربي تعتبر البرامج والشعارات الانتخابية مجرد تغرير ظرفي. فالأفضل طرح الأجندة كلها فهذا وقتها. بدل التغرير بالحقن التنويمية.

ولا جدية في أية أجندة إن لم تكن تمس توزيع الثروات (حديث الهمة في البيضاء عن الدار البيضاء) وتوزيع السلط (الإصلاح الدستوري عند اليسار) وتوزيع المعرفة (حديث الوزيرة داتي في المحمدية). مع اعتبار الطرف المتضرر من الحصار الحالي (الحركة الأصولية المسيسة للدين).

وبالأمس القريب، كان مؤتمر الاندماج بين اليسار الموحد وجمعية الوفاء قد طرح بالضبط مسألة التيارات التي أعطبت مؤتمر الاتحاد الاشتراكي اليوم والجهوية التي تلمع خطاب عالي الهمة.

فإما أن تكون القضية للتغيير أم تستعمل وسيلة لربح الوقت والظرفية، أي للغرير. فنسبة المشاركة السياسية مسألة استرتيجية تتوقف على محتوى الأجندة المتداولة اليوم. والأخطر هو أن يستخلص الناخب أن مستعملي الجهوية والتيارات ضمن اللاعبينالكبار كلهم واحد فيعطون ظهورهم لصناديق التصويت من الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة