الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل الزاجل الأسير الى بشرى ابو شرار

غريب عسقلاني

2008 / 6 / 29
الادب والفن


1 - رسالة الغياب

تسألين عن غيابي وتعاتبين..
والعتاب يا سيدتي في شرعة الأوفياء, ضرب من ضروب البوح.. هو رعشة الفقد ما قبل دمعة الفراق..
ما عاد لي هنا.. وما عاد لكِ هناك*.. ضاقت ينا مساحات الرقص بين هنا في غزة وبين هناك حيث تنتظرين, فهل اختزل الوقت المسافة إلى ما قبل الصفر؟؟.. ما قبل محطات الانتظار, أم تُراها ضلت قطاراتنا عتبات القيام فلا وصول..
لا عتاب يا سيدتي, لم يأخذني منكِ غير الضياع في حواري الموت والوقت حصار..
لا محطات عبور.. لا معاير أو منافذ, ولا حتى جغرافيا نرسم عند أطرافها بوابات الخروج والدخول..
لا شيء هنا غير الموت, والموت فصل من فصول المهزلة.
فالجوع هنا ضيف ثقيل رَوضنا على معاشرته حتى عشقنا شد الأحزمة على بطون خاوية, فيما الأمراء يرتعون في لحم الضأن ويسبحون في المرق.. لا بأس فهم الأمراء..
والخوف هنا حالة يخترقها الفرح مثل برق الصيف لا يعقبه غيث ولا ماء مطر..
واليوم هنا بَدّل عاداته.. ينتهي عند انبلاج الفجر, ويبقى على عتمة تمتد من فجر لفجر. يقطعها صوت المؤذن خمس مرات متعاقبات
الحال هنا جنون وانتظار وحصار..
فهل ما زلتِ تعاتبين وتسألين عن الغياب..؟!
أم تراك انخدعتِ وصدقتِ ما ينقله عنا الأثير!!
هل صدقتِ وعشتِ البهجة التي تعلنها الفضائيات, وتدبجها أقلام من يتسولون ينا وعلينا إلى حين ميسرة أو مجزرة..؟
وهل أطمح بلحظة بوح صافية بين يدي امرأة غافية على رمل بعيد؟ تقتات رياح الشوق إلى فارسنا ماجد"2" النبيل, الذي قذف سهمه وقُتل..
هل يدرك ماجد* الساكن فيَّ وفيكِ هول ما قد حصل؟!
هل يموت بعد الموت والفضائيات؟ تعلن الانتصارات يوزعها الأثير, بينما الناس في غزة يمارسون الفجيعة..؟
كل اجتياح ينتهي إلى هدم وردم وقوافل شهداء..يخرج العدو بعد تنفيذ المهمة, وتزغرد البنادق تعلن الانتصار على عدو جر أذيال الخيبة تحت وابل من ضربات المقاومة.. وهنا يا سيدتي تلعق غزة دموعها.. تخجل مع بهاء الموت, من الحديث عن غير المعلن من حصاد الاجتياح..
لا حديث عن حوريات الأرض/ أرامل الشهداء, ولا عن جيوش أطفال يتامى يهيمون في الطرقات, ولا عن حسرة الآباء الثكالى, ولاعن ضواحِ سويت بالأرض, ومزارع ذهبت إلى العدم..
هل أدركتِ كيف نمارس الانتصار على الهواء؟ ونمارس الفجيعة على الأرض..؟
انه الوقت حصار وحصار وبيانات خديعة.. وأنا لا أتسول بالكلام..
فالموت في غزة زاد الصابرين
هل أدركت كيف ينشطر المشطور بين غزة ورام الله, وكيف ينقسم الناس بفعل فاعل بين شريف وعميل كيف؟ َسرقنا زمن اللعنة؟ كيف صرنا جميعا شياطين خيانة.. نتسول حتى الاتفاق على الحوار؟
ما الذي بقى منا ومن الوطن يستدعي الحوار؟
لا شيء غبر أجنداتٍ صفحاتها أسود من فحم الحرائق بين فتح وحماس..
واهمون من أقنعوا أنفسهم أنهم اللاعبون فقط على مساحات الوطن
واهمون إن لم يستدركوا حتى لطم على الوجه على هول ما فعلوا
الحقيقة تعلن عن نفسها:
أنهم وحدهم الخاسرون.
أنهم وحدهم الخائنون للأمانة
أنهم الزائلون, والباقي الوطن
هل أدركتِ يا سيدتي لِمَ يأخذني الصمت على متن الغياب؟
فاعذريني يا أخت ماجد, الذي لقنني, رغم حليب وكالة الغوث, أبجديات أخرى للوطن
***
2 - رسالة الحضور

لا ضوء في غزة, لا عود شمع.. لا سراج, ليل في النهار وليل في الليل, العتمة شرشت في الزوايا..افترشت كل الطرقات.
تاهت المواعيد يا سيدتي إلا من مواعيد الضوء, الذي إن أتى يأتي مع القادم جودو "الكهرباء"
هل سمعت آخر الأخبار!!
العصافير في غزة أخذت قراراً جماعياً بالانتحار, ربما يأخذك الهول.. ربما تسكنك الدهشة، تسألين عن مبررات القرار.. لا ضوء يطرق أبوابها..يرفع النعاس عن أجفانها, لا حَبَ في الطرقات، ولا سنابل ينضجها هجير الصيف, لا كسرة خبز, لا حليب, لا غناء, ولا شوق انتظار..
ربما يأخذك الحنق.. ربما تصرخين غضبى :
- ما الذي في غزة إذن؟
- لا شئ غير جنون الانتظار
والانتظار هنا موت, فهل في الموت انتصار, تخرج جموع الناس تطلب خبراً, تتجشأ البنادق حشواتها.. تتخلص من بعض نجمات..سقط الناس بين قتيلِ وجريح, تصدح الإذاعات.. ترفع الرايات للقاتل والقتيل.. تهزج غزة بأهازيج الذهول.
كل من غاب شهيد.
كل من حضر شهيد.
كل من توارى عن المشهد, يشهد على عبث الشهادة انه فعل الجنون..
هل أدركت الآن يا سيدتي سر العتمة في غزة.
لا ضوء في غزة.
لا أصبع شمع, ولا حتى سراج.
نَضب الزيت وجفت شرايين الفتيل.. وغاب الضوء عن جفن القتيل.
ليل في النهار وليل في الليل.. أسود صار دمي
------------
* بشرى ابو شرار روائية فلسطينية تقيم في الإسكندرية, وهي أخت المناضل الأديب المعروف ماجد أبو شرار, ولها رواية بعنوان من هنا وهناك صدرت في العام 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتب مسلسل -صراع العروش- يشارك في فيلم سعودي مرتقب


.. -بمشاركة ممثلين عالميين-.. المخرج السعودي محمد الملا يتحدث ع




.. مقابلة فنية | المخرجة ليليان بستاني: دور جيد قد ينقلني إلى أ


.. صانع المحتوى التقني أحمد النشيط يتحدث عن الجزء الجديد من فيل




.. بدعم من هيئة الترفية وموسم الرياض.. قريبا فيلم سعودي كبير