الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أول مرّة/ 3

خالد درويش

2008 / 6 / 29
الادب والفن



السجن أول مرّة

1
متران للطول ومتر للعرض
بطانية رمادية تغطي الاسمنت البارد
وجدران كتب عليها نزيل سابق
بنواة زيتونة مغموسة بالماء والرماد
حنينه إلى الفضاء.

2
غرفة ضيقة
وكوّة تطل على باحة صغيرة
يتناوب عليها النور والظلال،
كوة صغيرة لقياس الوقت.
حين يغمر النور أول الدرج الصاعد إلى غرف التحقيق
يبدأ الصباح بالصراخ والعويل،
يخفق قلبي خوفا
فألوذ بالذكريات؛
أرتع في ساحة المدرسة البعيدة
ثم انضم لطابور الصباح
حيث يرتفع العلم عاليا
ويهتف الصغار:
"حماة الديار عليكم سلام
أبت أن تذلّ النفوس الكرام"،
ولكن
حماة الديار هنا في سلام
يذلّون هذي النفوس الكرام...

3
تتكوّم الشمس في الباحة الصغيرة
تذوي الدنيا في ظهيرة ناعسة،
وأهوي في قيلولة حامضة.
هل غادر أبي البيت إلى المسجد
لصلاة العصر،
هل فرغت أمي من عجينها
وهل خرج الرفاق من سأم البيوت
إلى الحقول...

4
تنحسر الشمس عن عناقيد الدالية،
تهوي، هنا، وراء سياج الفولاذ
وتهوي هناك،
في السديم البرتقالي الممتد
من سهوب قرية تلّ شغيب
إلى مداخن معمل الاسمنت العالية
يتضوع المساء برائحة الحطب المحروق
وتصخب الدروب بثغاء القطيع العائد إلى الإسطبل
فيما يأوي الرجال إلى بيوت الطين بالتعب والغلال.

5
يبزغ القمر
يزمجر الجنود
تصطك الأقفال ومزاليج الحديد؛
حان وقت العشاء.
تضحك امرأة تسكن في الجوار
خلف الجدران العالية
تذكّرني بالواجهات المزركشة
على جانبي شارع الصالحية،
بالشاعرات المبتدئات
يجلسن، وجلات عند النافورة
في مقهى الايتيرنا
تذكرني برغباتي المباغتة
في السفر إلى جهات غير محددة.
أسميها نايا.
نايا تنادي
نايا تغنّي
نايا تنام.
ينام الحراس
وينام المحروسون.

6
شاهو تنتظرني الآن، كعادتها
في ساحة البيادر،
تعدّ أصابعها والنجوم
ريثما ينتصف الليل...
ينتصف الليل،
وكنت أوافيها عند تلال السنابل عندما ينام الجميع،
نرشو الكلاب بالخبز والمداعبة كي لا تنبح،
أضمها وآخذها عبر الكروم المحاذية لبيوت الناس
إلى المدرسة/بيتي؛
نلهث خوفا وحبا،
نلوذ ببعضنا خوفا وحبا
ثم نأوي عند النافذة
بين يدي المدى
المفتوح على السهوب والقلق.
ينتصف الليل
من يخبر حبيبتي أنني هنا؛
أشم رائحتها
في رائحة العرق الوخازة تحت إبطي
وارى صورتها في القمر
المعلق على السياج،
ولا أستطيع الوصول.


المسجد أول مرّة

1
ممرّ مسقوف بالتوتياء
يد أبي دافئة
والثلج يتساقط على الشارع والناس والمنازل.
النوافذ عالية من جهة اليمين
يرفعني أبي لأرى:
كهول بعيون ذابلة يذرعون السجاد حفاة،
كنادرهم مكومة عند الباب
وعيونهم معلقة ببندول من السنديان والنحاس
في انتظار موعد الصلاة.
الله محمّد
على جانبي المنبر المزركش بالأزهار والنجوم
و
أبو بكر عمر
عثمان علي
في الزوايا العالية.

2
على الجهة الأخرى للممرّ
تقع قاعة التوابيت.
سيمضي وقت طويل
حتى أتجاسر على النظر إليها
وسيمضي وقت أطول
حتى ادخلها بصحبة الكبار.

3
تحت أشجار الأكاسيا
حوض بماء أزرق
أسيّر فيه زوارق من ورق
وأحلم بالسفر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-