الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقع والرمز في الهجوم على عز

رمضان متولي

2008 / 6 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


حملة العلاقات العامة التي بدأها المهندس أحمد عز حتى الآن تخفي أكثر مما تكشف حول الأسباب التي جعلت منه ظاهرة وهدفا لانتقادات الرأي العام الغاضبة. والحقيقة أن الرجل تحمل وحده الكثير من النقد الذي يعبر عن تذمر الجماهير من حكومة انحازت انحيازا كاملا لرجال الأعمال وجعلت حياة ملايين الفقراء في مصر مشقة وكمدا. ونستطيع أن نؤكد هنا للمهندس أحمد عز: نعم لست وحدك الذي ينبغي أن يكون هدفا للهجوم وإنما كلكم والسلطة التي تساندكم.

يدافع المهندس عز عن نفسه قائلا إنه لم يضبط متلبسا بارتكاب ممارسات احتكارية، ليوحي بأنه ليس محتكرا لسوق الحديد. وفي هذا خلط واضح بين مفهوم الاحتكار والممارسات الاحتكارية. لأن مجرد امتلاك حصة حاكمة في السوق تجعل الشركة قادرة على التأثير على الأسعار يمثل في حد ذاته احتكارا، وشركة حديد عز تسيطر حاليا على أكثر من 65% من سوق الحديد في مصر. ومجرد السيطرة على شركة مثل عز الدخيلة – أكبر منتج لخام البليت في مصر - يكون احتكارا بالتعريف. وسواء قام المهندس أحمد عز بممارسات ضارة بالمنافسة أو لم يقم فإن هذا لا ينفي صفة الاحتكار عن شركاته. فالاحتكار علميا هو تركيز وتمركز رأس المال، بمعنى ضخامة الشركات وزيادة حصتها في السوق إلى حصة حاكمة، وسيطرة عدد قليل من الأفراد على هذه الشركات بحصص كبيرة في رأس المال، مما يمنحهم القدرة على التأثير حتى في القرار السياسي والتشريعات، وكل ذلك ينطبق على المهندس عز وشركاته.

ربما كان صحيحا أن أحمد عز لا يمنع أحدا من الاستيراد، وأن بإمكان شركات الحديد الأخرى أن تستورد الحديد من الخارج. ولكن هذا لا يغير من الأمر شيئا. فلن يستطيعوا منافسة حديد عز على الأسعار. بل إنهم يطالبون المهندس عز، وربما يرجونه أحيانا، بعدم اللجوء إلى خفض الأسعار حتى لا تتأثر أرباحهم وشركاتهم سلبا. وطالما أن الطلب مستمر على منتجاتهم فمن مصلحتهم أن ترتفع الأسعار لتعظيم الربح، وعندما يتراجع الطلب على الحديد وتلجأ شركة عز إلى تخفيض أسعارها سوف تتصاعد بينهم الشكوى وسوف يهاجمون عز ويتهمونه بممارسة الاحتكار لأنه يهدد وجودهم في السوق، فالحقيقة أن شركة عز برفعها لأسعار الحديد تساعد منافسيها على البقاء في السوق وليس العكس. سبب ذلك أن شركات عز تتمتع بميزة فريدة ليست عند جميع المنافسين الآخرين هي سيطرة أحمد عز على شركة عز الدخيلة. ولأن هذه الشركة تعمل في مصر، فإن إنتاجها من البليت يستطيع هزيمة أي منتج من البليت مستورد من الخارج وفي نفس الوقت لا تستطيع شركة الحديد والصلب المملوكة للدولة تغطية احتياجات السوق المحلية بسبب الطاقة المعطلة. والسبب الأول كما نعرف جميعا هو انخفاض أجور العمال المصريين في هذه الصناعة عن أجور زملائهم في أي مكان آخر في العالم بفارق كبير جدا بسبب انخفاض مستوى الأجور عموما في مصر. والسبب الثاني أن شركات عز تحصل على الغاز الطبيعي بأقل من 10% من أسعاره العالمية – وحديد التسليح من النوع الذي تنتجه يعتمد اعتمادا كثيفا على الغاز الطبيعي. وبالتالي فإن شركاته ستكون أقوى في المنافسة مع أي منتج قادم من الخارج، يتكلف أكثر من حيث الطاقة الضرورية للإنتاج والنقل، ويتكلف أكثر من حيث فارق الأجور.

أحمد عز ليس وحده الذي يتمتع بهذه المزايا، بل هناك مصانع البتروكيماويات، ومصانع الأسمنت، ومصانع الأسمدة، والسيراميك والكابلات وغيرها، مما يعتمد على كثافة استخدام الطاقة. وجميع رجال الأعمال الكبار في مصر يستفيدون من هذه المزايا، ولكن ما يتفرد به عز هو سيطرته على شركة الدخيلة التي لا تمتلك مثلها شركات الحديد الأخرى في مصر.

والأهم أن كل رجال الأعمال ومن بينهم عز يتمتعون بهذه المزايا على حساب الشعب المصري وجماهير الفقراء، من فلاحين وعمال وصغار موظفين وفقراء المدن. ولذلك تجد الغالبية العظمى من كبار رجال الأعمال – رغم الضغائن والمنافسات بينهم – يمتدحون حكومة الدكتور نظيف في كل مناسبة، وعلى رأسهم أحمد عز نفسه، الذي قال إن الحكومة الحالية هي الأنجح خلال العشرين سنة الماضية – وهو ما يتناقض تماما مع رأي الغالبية العظمى من مواطني مصر المنكوبة إذا اعتبرنا الاحتجاجات الإيجابية مثل الإضرابات والاعتصامات التعبير الأصدق عن الرأي الغالب بين هذه الطبقات وهي الاحتجاجات التي تزايدت أكثر ما تزايدت في عهد هذه الحكومة.

إذا لم يعبر رجال الأعمال، وخاصة من كان منهم قريبا من السلطة، عن امتنانهم وعرفانهم لهذه الحكومة فإن ذلك لابد أن يكون نكرانا للجميل. ولكن غالبية المصريين الفقراء ليس لديهم أي سبب يدفعهم إلى مجرد قبول هذه الحكومة إلا الخوف من جحافل الداخلية وبطش رجالها. إن تحويل أحمد عز إلى شيطان وتركيز الرأي العام هجومه عليه ليس إلا تعبيرا رمزيا عن غضب هذه الجماهير الفقيرة وعدم ثقتها في حكومة أشاعت الفساد والفقر بينهم وحكمتهم بالاستبداد والتزوير وتعالت على آلامهم وأزماتهم، وهو أمر لا يعني تبرئة أحمد عز وطبقة رجال الأعمال كلها من المسئولية عما يعاني منه فقراء مصر من آلام. ظاهرة أحمد عز إذن هي مجرد رمز لهذا الغضب وتلك الريبة التي تقوم على مبررات قوية واقعا ومنطقا. ونأمل أن يأتي اليوم الذي تطوى فيه هذه الحقبة المظلمة من تاريخنا بسياساتها ورموزها، وإلى الأبد.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غموض يلف أسباب تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟ • فرانس 24


.. التغير المناخي في الشرق الأوسط: إلى أي مدى مرتبط باستثمارات




.. كيف يسمح لمروحية الرئيس الإيراني بالإقلاع ضمن ظروف مناخية صع


.. تحقيق لـCNN يكشف هوية أشخاص هاجموا مخيما داعما للفلسطينيين ف




.. ردود الفعل تتوالى.. تعازى إقليمية ودولية على وفاة الرئيس الإ