الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعد إليَّ صمتي

سعدون محسن ضمد

2008 / 7 / 1
كتابات ساخرة


أقسم بأن الموضوع ينطوي على عبث ما بعده عبث!!
يبدأ الأمر بشعرة بيضاء واحدة تتلألأ وسط سوادك الفاحم، شعرة واحدة لا تكاد ترى، أو تُسمع، ومع ذلك هي أشد ضراوة وقسوة وإرادة وجدية من أي شيء ستعرفه بعد ذلك في قابل أيامك. وعدُ هذه الشعرة الواحدة ناجز لا محالة. وقرارها صارم ونزيفها حاد لا يوقفه اجتماع قوى الكون كله.
شعرة واحدة تتلوها أخرى ثم أخرى، حتى يتحول الموضوع (لتكشيرة) شيطانية ماكرة. ابتسامة شريرة لكائن يمتلك مكراً لا يحده زمن ولا يطيقه وجود ولا يمكن أن تفسره معرفة. وإلا كيف حدث وأنه استدرجك للعبة الوجود، كيف أغراك بها؟ وأنت حتى لا تطيق سحب أنفاسك ودفعها، ومع ذلك ورطك بالأمر. ثم سُول لك مص غذائك ودفع أقذارك، ثم دفعك دفعاً متدرجاً لألعاب حياة لا تنتهي، وهكذا إلى أن تمكَّنت منك مخالب الغريزة بسحرها الفاتن، ونشبت بلحمك أضافر الشهوة وتدفق بأوعيتك دم المتعة وعرفت قيمة أنك موجود وأن الحياة ساحرة. عند ذاك، أي في قمة عنفوانك، يأتي ليرسم على شعر رأسك ابتسامته الخبيثة. فأي مكر بعيد وغامر ووقح.
عندما أصبح لزاماً عليك الاشتراك بلعبة الغنائم، عندما صدَّقت بأن هذه هي الحياة وعليك أن تنهب منها قدر ما تستطيع وفق شروط منهكة.. عندما أسرجت ظهر نزواتك وانطلقت مغامراً لا يلوي على غير النهب. عند ذلك فقط تواجهك لعنة كأبشع ما تكون عليه اللعنات.. عندما تكون بكامل عزيمتك، بريعان عقدك الثالث، جسدك جامح وعدَّتك هائلة والطريق أمامك منزلق ممتع. وبينما أنت غارق بحصادك بينما أنت تتبعثر بين لذَّة وأخرى، تسمع نداءا خافتاً يصل مسامعك كفحيح أفعى ويلدغك كدقة عقرب. نداء لا تفهمه أول الأمر ولذا تهمله، لكنه يصرُّ على إيقاضك على مهل ومن دون ضجيج. ليست لغته هي الصعبة، لكن دبيبه ماكر جداً. كيف لا وهو يبدأ بشعرة واحدة، وهل يمكن لفارس يعتلي صهوة الغريزة الفاحشة أن يحسَّ بمكر شعرة واحدة، أو يتهيب منها؟
اللافت في الأمر أن الشعرة البيضاء تشبه المعول، نعم معول هدم وفوضى وحتى سخرية، وهذا ما يثير فيَّ تساؤلات شتى، أهونها تتعلق بالغايات التي يرمي إليها فنان ينهمك بالعمل على لوحاته بشكل مذهل، يتفنن بإيقاظ مكامن السحر فيها، حتى إذا أوصلها لأعلى مراحل فتنتها وسحرها. أطلق عليها لعنة التآكل والاندثار، وهكذا يستمر حتى يحيلها لشبح بشع.. متهالك وقبيح ولا ينفع لأي شيء. كيف يمكن لفنّان مرهف أن يبدع بهذا الشكل الفتّان، ثم ومن جهة أهم.. كيف يتمكن من تحطيم إبداعاته دون أن يقشعر بدنه؟
شخصياً لم تحدثني شعرتي الفضيةالأولى باحاديث الموت ولا الدمار ولا العطالة، ولا حتى أخافتني على جموح غريزتي، أبداً... ما أخافني فيها بل ما ارعبني هو العبث، السخرية الكريهة. تكشيرتها استهزأت بي، أغاضتني، ذلك أنها تقول بأنني دخلت اللعبة مسحولاً من بئر دماء وبول وسأخرج منها مرمياً بحفرة تراب أبعد فيها كما تُبْعد الأقذار. وبين هاتين الذروتين أساق أنا كما تساق النعجة التي لا تملك من قدرها سوى أن تكون بلهاء.
هذه الابتسامة الماكرة تشمت بي أنني صدَّقت بوعد كاذب وآمنت بأمانٍ زائفة. تحدثني أيضاً عن مصدر هائل للمكر والخديعة ينفرد بهذا الوجود ويبتلعه تدريجياً. طاقة هائلة على العبث، تدمر وتكسر وتنهب وتقتل وتخلق وتفني ووووو.
أنا الإنسان.. الكائن الهائل في جبروته، صانع الرموز ومبتكر اللغات ونافخ الآلهة. أنا الذي أبدعت سحر التكنولوجيا، أنا الذي تفوقت حتى على الشياطين. أنا الذي أغريت الآلهة بالتكاثر ثم قتلتهم واحداً واحداً بدم بارد وأبقيت على كبير لهم. أنا بوابة الحكمة وسلَّم المعرفة تستهزء بي شعرة بيضاء تبتسم كما العفريت المراوغ!!!
لكن يحق لها ذلك، يحق لها ما هو أكثر من الاستهزاء. بل هي تستطيع بجدارة أن تهدمني حجر إثر حجر. ذاك أنها رسول العدم، نبيَّه الأوحد الذي أرسله بنبوئة واحدة مختصرة بحرف واحد يلمع كما الفضة النقية، نعم رسالة بحرف واحد. فالعدم رب لا يحب الهذيان.
أيها الشبح البعيد، أيها الشيخ الغامر في صمته المغرق بجبروته. أيها العدم ـ وأي شيء عداك باطل ـ كرر هذه المهزلة، لا تتوان ولا تتورع ولا تغير من طبيعة السخرية فيك. فقد أدْرَكْت بأن هزيمتي قادمة لا محالة. أنا الذي آمنت بالشعرة البيضاء الواحدة، التي بشرت وستضل تبشر بدينك الأبدي. تسقينا بكأسك المترعة مكراً وسخرية.
أيها العدم ـ وأي وعد عداك كاذب ـ امسح عن جبيني وشم الحياة فما أقذر منظره وهو يلوح على فضاء تسخر منه شعرة فضية ماكرة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - الأسطى حسن .. نقطة التحول في حياة الفنان فريد شوقي


.. أون سيت - أولاد رزق 3 .. أعلى نسبة إيرادات .. لقاء حصري مع أ




.. الكاتب علي الموسى يروي لسؤال مباشر سيطرة الإخوان المسلمين عل


.. بيت الفنان الليبي علي غانا بطرابلس.. مركز ثقافي وفضاء إبداعي




.. العربية ويكند | جيل بايدن تقود الرئيس بايدن إلى خارج المسرح