الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذاكرة امرأة عراقية....أم وسن خدعت مفرزة الأمن وأنقذت مناضلا

شذى الشبيبي

2008 / 7 / 1
سيرة ذاتية


بغداد/شذى الشبيبي
(أم وسن) نموذج خاص للمرأه العراقية الوفية.. إمراة من طراز خاص أفنت شبابها بالنضال من أجل قيم ومبادئ آمنت بها وأخلصت لها بكل قناعة...
قابلتها عن طريق الصدفه، ومن خلال حديثها أيقنت أنها شيوعية تحمل وعيا يستوعب أصعب المشاكل وقلبا مغموسا بالحب... لم يكن سهلا فتح ملف ذكرياتها لأنها تعتبر ذلك خرقا لخصوصياتها وقد يمس الآخرين، وبعد أن قدمت لها عهودا ومواثيق إقتنعت ولكن على مضض، إعترفت (أم وسن) إنها على مدى خمسين عاما لم تكن سوى (صديقة) ضحت وتعاونت بجرأة ونكران ذات منذ بواكير الشباب، وها هي على أبواب العقد الثامن من عمرها.

تقول (أم وسن) : اقتحمت دروب النضال عقب زواجي فكنت أماً وزوجة وعاملة نشطة في صفوف الحزب رغم عدم انتمائي ولكن أعتبر أن الانتماء الروحي هو الأصل، كنت أقضي حاجيات بيتي وأطفالي ليلا وغالبا ماكنت انام متأخرة، وفي الصباح أكون متفرغة لما يناط بي من واجبات معظمها خارج البيت وقد تكون في مناطق بعيدة عن محل إقامتي، وطالما استخدمت العباءة غطاءً وستراً لما أحمله من ادبيات الحزب، وكم مرة ومرة شعرت بالخطر ولكن الخوف لم يتمكن مني، فأنا بطبيعتي حذرة ويقظة، فكنت أحمل (الزنبيل) محملاً بـ (البريد) والمغطى بالطماطم والخضرة والفاكهة فوق كتفي لأصل إلى المكان المطلوب، وأكثر الأحيان كنت أذهب محملة وأعود محملة وأنا مستمتعة بالحركة الدائبة حتى ينتهي النهار...
وبعد أن تطلق حسرة طويلة تقول (أم وسن) : كانت أيام حلوة ورائعة، ثم تتبعها بضحكة عالية تحاكي صفاء وعيها حيث تذكرت أحد المواقف الطريفة حينما داهمهم رجال الأمن بعد أن جاءهم بلاغ من أحد الجيران بأن هناك تجمع مريب ليلا في منزلهم، تقول: حالما سمعت طرقات الباب بحركة سريعة اقتحمت الغرفة التي كان يجتمع فيها زوجي ورفاقه، جمعت الأوراق التي بين أيديهم، غلفتها بكيس النايلون ووضعتها في (صينيه) وسكبت عليها (تبسي الدجاج) الذي أعددته للعشاء... وأبقيت صحون (الزلاطه) واللبن مبعثره على الطاولة، ثم توجهت لفتح الباب وانا (ألوم) زوجي الذي شغله صوت أم كلثوم وجلسة السمر عن سماع الباب، وحتى حينما فتحت الباب قمت بدور البلهاء وكأني لم أعرفهم فناديت على زوجي بأن جماعة من أصدقائه جاؤوا (للسهر والسمر).. مرت تلك الليلة بعد اعتذار (رجال الأمن) وانصرفوا خائبين وكان (بوري) محترم على راس جارنا الخبيث، وقد وشت لي قريبة (أم وسن) بأن لها مواقف كثيرة من هذا النوع، وبعد إلحاح شديد تذكرت محدثتي المسنة ما حدث في الثمانينات حينما إشتد القمع ضد الشعب وقواه الوطنية، وكان حينذاك بيتها مفتوحا كمحطة آمنة (للجماعة) من مختلف المحافظات تقول : كنت أرعاهم كأخوتي وأكثر، وأقدم لهم كل ما أستطيع من تسهيلات بخصوص تنقلهم وسفرهم وحتى الإتصال بعوائلهم.. وذات مرة وأثناء وجود احدهم في بيتي جاء أحد رجال الأمن ومعه المختار يسألون عن شخص غريب دخل عندنا حسب معلومات وردتهم، فأبلغتهم بأن أخي جاء لزيارتنا وخرج قبل قليل، وليس عندنا غرباء، وأن زوجي ليس موجودا حاليا ولكن يمكنهم الانتظار في الاستقبال ريثما تتهيأ بناتي لأنهم أعرف بالتقاليد، وخلال دقيقة كنت قد سحبت (الرفيق) الذي فوجيء بتصرفي وأدخلته إلى الحمام وفتحت الدوش، وأدخلت معه إبنتي الصغرى وكانت في الإبتدائية وأمرتها أن تغني وتهرج فعملت بأمري ولم تقصر.. ثم دخلوا وفتشوا على راحتهم وأنا معهم أرشدهم على الغرف حتى وصلوا إلى الحمام فسمعوا صوت البنت وكان الموقف محرجا لهم فانسحبوا.
وذات يوم استدعوني لديهم وكان زوجي قد سافر مع إبني الكبير، وقال لي الضابط، بأن هناك بلاغات وتقارير تصلهم باستمرار بأن ناس مشبوهين يقيمون في بيتنا ويدخلون عندنا، فلم أتحمل هذه التهمة واعتبرتها مسألة تمس الشرف فأخذتهم بالصوت العالي معلنة بأني أريد المواجهة بالذي إتهمني بشرفي، وألا سأشكوا عند صدام، ولم أمنحهم فرصة ليفهموني قصدهم بل دخلت في دور (الحمقاء) وبقيت مصرة بأني لن أخرج منهم إلا وانا أعرف من الذي إتهمني وطعن شرفي وشرف بناتي ونحن بيت معروف في المنطقة ولدينا أقارب في كل محافظات العراق، حتى إني رفعت (النعال) بيدي وقلت للضابط سأضعه على رأس من طعنني وسأوصل الموضوع (للرئيس) فهو لايرضى بذلك.. إنكم تتركون المخربين وتتعرضون لأعراض الماجدات.. خرجت منهم وأنا متقمصة دور (الحمقاء) طول الطريق إلى منزلي لأنني كنت متاكدة إنني مرصودة.. ومن محاسن الصدف ان جاءنا بعد يومين من هذا الحادث إبن خالي ومعه إبنه المريض جدا من الديوانية، وفور وصولهم وردت لي فكرة أن نجحت فلن يتعرض لي الأمن بعدها.. فذهبت إليهم وطلبت من الضابط أن يرافقني إلى بيتي ليرى بنفسه أحد المشبوهين الذين اتهمني بهم ولم ينفع اعتذاره لأني كنت مصرة على تضخيم المشكلة لألقنه درسا مستغلة وجود إبن خالي الرجل الريفي البسيط وإبنه عندنا ، وكان لي ما أردت، فبعد هذا الحادث لم يتعرضوا لي نهائيا..
وقبل أن أغادر ام (وسن) التي أشعرتني بأنها (مدرسة) بحد ذاتها، مدرسة أسست لنفسها خطوط عريضة سارت عليها واتخذتها منهجا في سلوكها ومسيرتها النضالية، وهي تعتبر نفسها أدت رسالتها بأمانة وتفوق لأنها لم تبحث عن الإسم والشهرة ولا المنافسة فهي كانت دائما تعطي ولاتنتظر (مقابل) لا بل لم تفكر بذلك إطلاقا، وهي الآن جليسة البيت بين أحفادها تعلمهم وتوجههم وتحمل الحب كل الحب لأفكارها ومبادئها التي آمنت بها وجسدت منها مجرى الدم في الجسد.. سألتها ما سر هذا النجاح والثقة، فأجابت: إنها الحيطة والحذر، فقد كانا يرافقاني حتى في زمن ماسمي (الجبهة الوطنية).. لم أجعل تحركي معلنا في كل الأزمان ولم تؤثر نشاطاتي وحياتي الخاصة على علاقاتي الاجتماعية وخاصة الجيران، فكانت علاقاتي طيبة بالجميع ولا أتأخر عن تقديم المساعدة للجميع بدون استثناء، إنني أحب هذا الوطن وأعشق كل من ينتمي إليه..
أخيرا ودعتها وهي تحلفني بأن لا أشي ببعض الأحاديث والأحداث التي سردتها، وأن لاينشر أسمها، وانا بدوري وعدتها بالوفاء لأنها جديرة به.. ودعتها وهي تحملني أمانة بأن هذا الزمن اليوم يتطلب منها الحيطة والكتمان أكثر من أي وقت مضى...









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران