الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذاكرة امرأة عراقية..روح الفكاهه التي تمتلكها الغت البهجة من حياتها بعد ان زجت بسببها في المعتقل

شذى الشبيبي

2008 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


السيده (أ. ل)، التقيتها في الفترة الاخيرة وبعد سنوات طويلة من الفراق.. تعود معرفتي بها الى ايام الدراسة المتوسطة.. حينذاك كانت تملؤه الفكاهة والطيبة والنقاء الطفولي مايكفي لتشيع في الصف روح المرح والفرح بين زميلاتها ومدرساتها.. ماكان يبدو عليها انها مع اي حزب معارض ولكنها لم تكن تحب (البعث) بل انها تمقته، ومع ذلك كانت لها طريقتها الخاصة بالتعبير عن مقتها واشمئزازها، حيث كانت تشتم (الحزب القائد) والمنتميات له في وجوههن بذكاء وخفة دم تدفعهن للضحك..
وكم مرة ومرة استدرجت (أ. ل) طالبات الاتحاد الوطني للضحك على انفسهن وعلى الشعارات الوطواطية، ثم تعود فتسخر وتستصغر الحزب العملاق بطريقة (كوميديه) امام المدرسات فتمتعض واحدة وتستلطفها اخرى بضحكة صامتة..

ولاانسى يوما اجبرتنا المديرة على الخروج في مسيرة (تأييد) بمناسبة (الصلح) الذي جرى بين حكومة الشاه وحكومة احمد حسن البكر.. في ذلك اليوم لم تكن تنفع الحجج فقررنا ان ننضم اليهم وفي بداية الطريق ننسحب بهدوء الى بيوتنا.. ولكن (أ. ل) بابتسامتها التي لاتفارق وجهها وبهدوء تام قالت للمديرة: (ست احنا منطلع مسيره.. احنا زغار.. احنا علمونا منشارك الكبار بسوالفهم.
بهذه الطريقة وبين الجد والهزل كانت (أ. ل) تنتشلنا نحن زميلاتها المعارضات من مأزق المشاركة في نشاطات (الاتحاد الوطني)..
لم افكر يوما ولا لحظة واحدة ان زميلتي (الكوميديان) سيقودها ذكاؤها الساخر الى انياب السلطة المفترسة حتى التقيتها مؤخرا وعن طريق الصدفة، فقد افترقنا بالمرحلة الجامعية واصبحت لقاءاتنا مختصرة على المناسبات المتباعدة، وفوجئت حين علمت انها تعرضت للاعتقال في نهاية المرحلة الجامعية.
تقول (أ. ل) ام دنيا: سخريتي وحبي للفكاهة (السياسية) كانت سببا لاعتقالي.. وفي المعتقل اكتشفت انهم كانوا ينظرون لي على انني شخصية معارضة و (قائد سياسي) وعلى مستوى ! ففي الكلية استمررت على طريقتي الفكاهية وكنت دائما اسخر من سلوكيات (الاقزام) الاتحاديين.. في ذلك الوقت صارت لي علاقة صداقه وثيقه باحدى الطالبات العربيات، فكنا نقضي معظم وقتنا معاً في الكلية وفي (القسم الداخلي) حيث اقامتنا معاً.. وكنت لااتورع عن التحدث امامها عن الحزب والاتحاد والشخصيات الهزيلة التي تشرف على القيادة وانا مطمئنة وفي بداية الثمانينيات حيث كنت في المرحلة الرابعة تم اعتقال شقيقي الاكبر والذي كان منتميا لحزب معارض ومن ثم (اعدم) وتم ابلاغ عائلتي بذلك مع المداهمات والتهديد باتخاذ نفس الاجراء مع بقية افراد العائلة بما فيهم الوالدة.. وفي ايام العزاء دوهم البيت وسأل مسؤول المفرزة الامنية عن اسمي بالتحديد فتقدمت وقلت له: انا فقال: أنت مطلوبة للتحقيق ببلاغ من بغداد.. فرافقتهم ولا ادري السبب، حينها كنت اجهل حتى مباديء العمل السياسي ولااحبه ولم اكن اعرف تفاصيل كثيرة.. ولكن على مدى اكثر من سنة ونصف من التحقيق والتعذيب عرفت الكثير وتعلمت اكثر.. تعلمت ان ارسم خطوطا حمر للضحك، وان اضع حدودا للفكاهة البريئة.. في المعتقل اكتشفت ان صديقتي (العربية) التي تعاملت معها بأخوة صافية ونقية لم تكن إلا (مخبرا) سريا ترفع التقارير وتبلغ عني كل كلمة او نكنه او حركة اقوم بها، وانها كانت السبب المباشر في اعتقالي..
كان لهذه النكبات تأثيرها الاقوى والاول على الوالدة خاصة بعد اعتقال شقيقي الاخر واختفاء زوجة اخي الاكبر الذي اعدم، والمداهمات اليومية للبيت الذي اصبح شبه مهجور او مهجورا فعلا في زمن سيطر الخوف على الالسن والعقول واصبح الموت وحده سيد اللغات، ومن ذا الذي لايخاف على نفسه واولاده وعرضه ليدنو من بيت (مشبوه) بنظر السلطة الفاشية !!
في السجن (والحديث ما زال لأم دنيا) قابلت نساء كثيرات وفتيات اصغر مني سنا معظمهن لا تعرف للسياسة طريقا ولم تعمل بها وقد اعتقلت كرهينة او نكاية باخيها او ابيها او زوجها.. هناك طبعا كان الجميع سواسية في التعامل من ناحية الاهانات والكلمات النابية والضرب والتعذيب والاعتداء الجنسي...
اطلقت (أ. ل) حسرة و أه طويلة ونفسها تلوم نفسها لانها سعت للاتصال بي عن طريق احد اقاربها لمجرد الاشتياق.. ولم تفكر بأني ساقتنص ذكرياتها المؤلمة والتي جاهدت من اجل تناسيها وهي تنظر بوجه حفيدها الاول الرضيع وهو راقد بسكون مطلق في حجرها... كانت عيونها الضاحكة ترجوني بلطف ان اكف عن هذا الموضوع، ووعدتها انني لن انشر التفاصيل ولكن فقط اريد ان افهم واعرف اكثر فقد تعود قلمي ان ينغمس بالوجع كي يهرول على الورق ويرسم نون النسوة كإناء مليء بألوان واشكال الاوجاع.. بعد عام ونصف خرجت (أ. ل) من السجن وهي شخصية اخرى غير تلك التي كانت لاتعرف غير اللهو والمرح.. كانت ملهوفة لرؤية وجه امها ومشتاقة لحضنها..ومسرورة برغم كل ماحدث لان عودتها والافراج عنها سيكون سببا لفرح الوالدة بطريقة واخرى.. ولكن لم يتحقق شيئا من ذلك فقد كان بيت العائلة فارغا وبابه مغلقا... عرفت فيما بعد ان والدتها هاجرت الى احدى الدول المجاورة بعد ان اوقعها المرض والحزن واليأس من رؤية ابنائها وتشتت عائلتها.. وبقيت محدثتي في بيت اقاربها لتقيم عندهم تحاصرها احاسيسها المفزعة عن حياتها ووجودها بلا اسرة (كضيف مشبوه) قد يجر اللعنة والويلات على من يقيم لديهم..
تقول (أ. ل) ام دنيا بقيت فترة طويلة وانا اعيش في جحيم الافكار والوساوس، كنت ادعو واتوسل بالله ان يبعد المشاكل والبلاء عن من اعيش معهم واقيم لديهم كي لااعتبر نفسي ويعتبرني الآخرون انني سبب لذلك... حتى تقدم لي شاب سبق ان تقدم للزواج مني ايام الجامعة ولكني رفضت حينها لاكمال دراستي ولم اكن افكر بالزواج في ذلك الوقت.. احترمت موقفه واعتبرت مجرد تقدمه للزواج بل مجرد تفكيره بذلك شجاعة وشهامة، وكلنا نعرف بأن الاقتران بفتاة قضت فترة طويلة في اقبية الامن العامة والسجون يعني مأزقاً مع الحكومة والمجتمع بكامله... تزوجت وكان لي (ابو دنيا) نعم الاب والاخ والصديق والزوج واصبح لي بيت واولاد وعشت حياتي بهدوء.. ساعدني (ابو دنيا) وبفضله طويت صفحة تحمل اقسى الذكريات في حياتي، وانشغلت باسرتي الصغيرة الجميلة وتربية ابنائي حتى كبروا، والآن وبعد سقوط النظام عادت والدتي والتقيت باخوتي واخواتي بعد طول فراق لتمتزج ذكريات الجميع مابين منفى وموت وسجون وتعذيب لتكون غصنا في الشجرة العملاقة التي رواها العراقيون بدمائهم وصبرهم وايمانهم بأنه مهما طال الزمن فلن يصح الا الصحيح..
وقبل ان افارق صديقتي ومحدثتي (ام دنيا) همست لي مازحة بانها تذكرتني في التحقيق وهي في اقبية الامن العامة وكانت تسأل نفسها: اذا كنت انا التي لاافهم بالسياسة حدث معي هذا فما الذي جرى لك وانت انت بتألقك ونشاطك ولسانك الطويل، وكان مجرد السؤال عن امثالك يعني لعنة وتهمة والف بلاء...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا