الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سابق و لاحق .. و استقلالية القضاء

حسن عبد راضي

2008 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


لطالما كانت أحلام اليقظة عزاء للفقراء والمحرومين وقليلي الحيلة، فبها وحدها يستطيعون أن يسددوا ديونهم، ويشتروا لعوائلهم منازل صالحة للاستخدام البشري، بدل (البهذلة) في أقنان دجاج تسمى بيوتاً وبإيجارات باهظة، ويركبوا سياراتهم الخاصة بدل الركض وراء الكيات وأجرتها التي توشك على دخول كتاب غينيس للأرقام القياسية، ويحققوا كل ما تمنوا لأنفسهم ولأبنائهم ، و...، و ....، لكن كل ذلك سرعان ما يتبدد عندما يناديهم الواقع المزري، وتوقظهم الظروف التعيسة من سعاداتهم تلك، ليجدوا أنفسهم ثانية في قلب الفاقة والعوز .
قبل مدة، وكنت قليل الحيلة، قليل النفط الأبيض، شحيح الغاز، عديم الكهرباء ، منقرض الراتب، أخذتني نوبة أحلام يقظة، وفكرتُ في نفسي: ماذا لو مسخني الله في هيأة وزير كهرباء سابق، أو وزير دفاع سابق، أو رئيس هيأة نزاهة سابق أو حتى محافظ نينوى سابق، لكنت الآن انعم بـ (حقي المشروع!!) من ثروة العراق، وفي الوقت الذي أتبادل الأنخاب فيه مع دهاقنة الحرب والاحتلال، تجدني أهتف بأعلى صوتي : يعيش العراق، ويسقط الخونة .. تسقط الحكومة العميلة. سأفعل كل شيء ولا تثريبَ عليّ.
فهؤلاء الأربعة - وهم غيض من فيض- نهبوا من ثروة العراق ما لو اجتمع لصوص الأرض قاطبة على نهبه، ما وصلوا كعب أحدهم، وهم مع ذلك كانوا أعزاء على كتلهم النيابية وأحزابهم، وكانوا إذا قيل لأحدهم: (بز) أقامت كتلته الدنيا ولم تقعدها، وانهالت التصريحات "تتهم" وتصف الأمر كله بأنه "مؤامرة" ضد نهجها الوطني، وتهدد بالانسحاب تارة وبحمل السلاح تارة أخرى، وهكذا يضطر صاحب الـ (بز) هذه إلى سحبها مصحوبة باعتذاراته الشديدة، وتقريعه لنفسه على سوء تصرفه! وعلى مساسه بـ (الرموز الوطنية)!.
لو كنت أحد هؤلاء أو مثلهم لأصبحت (قوي الظهر) لا أحتاج إلى فريق من المحامين تعداده 1500 محامٍ مثل صدام، إذ ستكفيني كتلتي أو حزبي مؤونة كل ذلك، حتى أنهم لن يسمحوا بمحاكمتي أصلاً، وسيدرجونني بنداً مهماً من بنود المصالحة أو الاجتثاث أو العفو العام أو اي من التسويات المعروفة وينتهي الأمر. لقد تكونت لدى الناس - من جراء تراكم الخبرات في هذا المضمار - عقيدة خلاصتها أن على المرء أن يمشي بجوار الحائط، وحتى لو شاهد الفساد بأم عينه، فإن عليه أن يدخل عينه إلى محجرها ويطلّق (أمها) طلاقاً بائناً، ويغلق فمه على لسانه الذي لا تأتي من ورائه غير المصائب. لقد فاحت رائحة فساد بعض كبار السياسيين والموظفين إلى درجة ايقظتني من أحلامي، وعدتُ سيرتيَ الأولى : العبد الفقير إلى الله الذي يعيش مع بضعة عشر مليوناً آخرين من عباد الله الفقراء في أغنى بلد في العالم!! وتبخرت أحلامي في أن أكون أحد هؤلاء (الحيتان)، وحسناً فَعَلَتْ، لأنني تذكرت أن الرائحة الفاسدة التي ايقظتني كانت قد مرت على خياشيم القضاء العراقي الذي لم يقف مكتوف الأيدي، بل اصدر مذكرات اعتقال بحقهم كلٍ على حدة، بل إن أحدهم وهو وزير الكهرباء السالب، أعني السابق كان معتقلاً لدى القوات متعددة الجنسيات في الموصل، ومن هناك جرى إطلاق سراحه بالخطأ أو بالصواب، ومن المؤكد أنه (يناضل) الآن في إحدى الجزر الكاريبية محاطاً بالجمسيات والحمايات واطايب الطعام والشراب والنساء، ويضحك في سره أو حتى في علانيته من بؤسنا وتعاستنا، ويتمطق بـ (ذكائه) الفائق!. وأتذكر عندما صدرت مذكرات اعتقال بحقهم، كيف هب المدافعون من الكتل والأحزاب التي ينتمي إليها المطلوبون، مشمرين عن سواعد (التهديد والوعيد) ومعلنين حرباً لا هوادة فيها ضد القضاء والحكومة، لكن عندما ثبتت التهم بالدليل والبرهان، لم تعتذر تلك الكتل ولم تتبرأ من أفعال أولئك اللصوص، بل اكتفت بالصمت، وهو أمر لا تقره أخلاقيات العمل السياسي والحزبي والنيابي، والأمر نفسه ينسحب على مطلوبين آخرين بتهم تتعلق بدعم الإرهاب وما زالت مذكرات الاعتقال او التحقيق التي صدرت بحقهم تنتظر التنفيذ.
إن على الدولة العراقية ان تحترم دستورها الذي يكفل استقلالية القضاء، وعلى الحكومة ان تفي بالتزاماتها (التنفيذية)، وألا تجعل من ملفات المطلوبين بتهم الإرهاب والفساد أو أية تهم تتعلق بالصالح العام وأمن المجتمع والدولة، وزناً زائداً تعطيه لمن يراد استرضاؤهم، أو غرضاً معروضاً في مزاد سياسي، لأن من شأن ذلك أن يفرغ (استقلالية القضاء) من محتواها الجوهري، ويقلب موازين العدالة الاجتماعية التي تسعى الدولة الحديثة إلى إرساء قواعدها. العراقيون يثقون بالقضاء العراقي، لكنهم لم يشهدوا حتى الساعة حالة فساد كبيرة واحدة جرى الاقتصاص من مرتكبها أو مرتكبيها قضائياً، ما يرتب نتائج سلبية على مستويين؛ فالمواطن سيظل محبطاً وسيراوده الشك مجدداً في أهلية القضاء فالحكومة فالدولة في تحقيق العدالة ودفع الضرر العام عنه، وهذا الشعور يجعله ضعيفاً وأعزل في اية مواجهة ضد الشر والفساد، والمستوى الثاني هو أن المفسدين سيجدون في ذلك أكثر من حافز للإيغال في الفساد أكثر، لأنهم يرون (حيتان) الفساد تسرح وتمرح في ثروة البلد وحقوق الناس من دون خوف من حساب أو محاكمة أو حتى عتاب. إننا نسمع الكثير من الخطط عن ضرب الفساد والمفسدين، لكنها ستظل هواء في شبك، ما لم تكن هناك أمثولة، بل أمثولات، وأعني بها حالات تتضافر فيها جهود السلطتين القضائية والتنفيذية لمحاسبة المفسدين وسارقي المال العام واسترداد ما يمكن استرداده منهم وإيقاع اشد العقوبات بهم، لتتحقق بذلك (العبرة) الحقيقية من وجود النظام القضائي الذي لا تنحصر وظيفته في محاسبة ومعاقبة المجرمين، بل حتى في الوقاية من وقوع الجريمة وذلك بتوفير (الأمثولات) التي من شأنها أن تردع كثيرين عن الانخراط في اي نشاط إجرامي محتمل بسبب الخوف من العقوبة العادلة والماثلة. ولنتذكر جميعاً أن كل (لاحق) سيأتي عليه يوم ويصبح (سابقاً)، ولذلك لا بد من أن نحتاط لكي لا يصبح كثير من اللاحقين (سابقين) مع (هبرات) كبيرة من مال العراق والعراقيين، يعيشون في الجزر الكاريبية، ويتبادلون الأنخاب مع دهاقنة الحرب والاحتلال، ويهتفون بسقوط الحكومة العميلة!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أثار مخاوف في إسرائيل.. حماس تعيد لملمة صفوفها العسكرية في م


.. ساعة الصفر اقتربت.. حرب لبنان الثالثة بين عقيدة الضاحية و سي




.. هل انتهى نتنياهو؟ | #التاسعة


.. مدرب منتخب البرتغال ينتقد اقتحام الجماهير لأرض الملعب لالتقا




.. قصف روسي يخلف قتلى ودمارا كبيرا بالبنية التحتية شمال شرقي أو