الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بريشة العالم الوردي .. لوحة اطبائنا في المستشفيات

نبيل قرياقوس

2008 / 7 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


متابعة لرسم لوحتنا السابقة حول عيادات اطبائنا ، حدثني صديق ، قبل حوالي عقد من الزمن ، عن طبيب افتتح عيادته الخاصة بتفكير تجاري انساني ، حيث اجتهد عدم جبي اي اجور اجبارية محددة من مرضاه ، فاسحا المجال لهم لاعطاء ما يتمكنونه في صندوق خاص ( يشبه صندوق التبرعات ) مثبت على احد جدران العيادة قبل مخرجها ، كان طبيبنا يتوقع ان يسد الميسورون العجز في مدفوعات المرضى الفقراء مع ربح مضاف له ، الذي حصل ان الطبيب اكتشف بعد فترة ان استمرار العمل بهذا الاسلوب سوف لن يؤمن له كلفة الايجار الشهري لعيادته !
في حادثة اخرى ، زميل اخر لي ، ميسور الحال جدا ، يملك عمارات في ( الشيخ عمر ) ، رغم انه يشكو دائما فقر الحال وقلة العمل امام الذي لا يعرفه ، اراد قبل سنين ان يجري عملية جراحية لاذن والدته ، كانت ستكلفه ( كذا ) مبلغ اضافة الى خطورتها لكون والدته امرأة طاعنة في السن ، نصحته ان يعرضها على طبيب اعرفه جراحا ذكيا ومختصا بامور الاذن ، عمل هذا الزميل بنصيحتي وراجع ذاك الطبيب الذي ابلى بلاء طبيا ممتازا مع المريضة ، حيث عالجها في الحال بعدد طبية وادوية خاصة جدا يملكها في عيادته بحيث خمدت الامها في الحال ، واكد الطبيب المبدع عدم حاجة المريضة الى اي عملية جراحية ، وفي النهاية طلب اجرة قدرها عشرة الاف دينارا بدلا من خمسة الاف دينار مضمنا اياها كلفة الدواء والعلاج . زميلي ( الكريم ) عاتب الطبيب عتابا مرا على اجوره العالية وجائني يشكو من طمع الاطباء !!
دونت الحادثتين اعلاه لاكون منصفا في استكمال رسم لوحة عيادات اطبائنا ، ولاوضح ان لبعض مراجعينا قصورا في جوانب تخص عيادات قسم من الاطباء .
كان الاطباء العاملون في المستشفيات الحكومية حتى منتصف القرن الماضي يؤدون عملهم بشكل مقبول حتى لو كان للاستشاري منهم عيادة خاصة يعمل بها بعد الدوام الرسمي ، فمعضم العراقيين يجرون العمليات الجراحية التي يضطرون اليها في المستشفيات الحكومية دون تفكير فى مستشفيات خاصة لجودة الاطباء وخبرتهم وحرصهم ، ولقلة المستشفيات الخاصة اصلا واجورها العالية جدا .
الا ان عاما بعد اخر ، وبسبب تطور الحالة الاقتصادية تارة كما حصل في السبعينات ، او بدء حروب القتال والحصار ومصائبهما تارة اخرى في عقدي الثمانينات والتسيعينات ، تنامت ظواهر الاهمال والتقاعس لدى اغلب اطبائنا في وظائفهم الحكومية مع ازدياد الحاجة والطلب عليهم ، حيث تفاقمت وقائع اهمال فحص المرضى ومعالجتهم في المؤسسات الطبية الحكومية بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ العراق الحديث ، وليجبر المرضى على مراجعة العيادات والمستشفيات الخاصة ، بينما اثرت هذه الاجواء على الكوادر الطبية الاخرى والدنيا خصوصا وليعبثوا وليفقدوا مهنتم اغلى قيمها الانسانية ، لا بل انحدرت تعاملاتهم حد الجريمة بحق الانسانية ، فمريض او جريح لا يسعف وسط المستشفى لولا وجود من يدفع عنه ما يسمى بـ ( الاكرامية ) وفي كل خطوة من الخطوات داخل المؤسسة الصحية الحكومية !
كان للوضع السياسي والاقتصادي للبلد عامة ، ولاسلوب الادارة في تلك المؤسسات الطبية الحكومية الاثر الواضح في الانحراف الخطير الذي دب في شرف مهنة الطب وذوي المهن الصحية ، فرواتب هزيلة مقابل جهود مضنية مطلوبة ، في ظل تسلط شخصيات حزبية لا تجيد التعامل مع الكوادر الطبية والصحية لضمان استمرار عملها المقدس بالمسار الانساني المعقول ، مذكرين بسواد ظروف امن دكتاتورية اصبح في ظلها بامكان اي موظف امن الصاق التهم الكيدية باي رجل طب اوعلم اوفكر لمجرد كلمة ينطقها مخالفة لمسار الحكومة ، ليبتز منه ما يجعله غنيا في ساعات ، وما كان على الاطباء ( المشهورين منهم خصوصا ) الا الاستعداد لحماية انفسهم بجني المزيد من المال ليكون خزينا يساعدهم في محنهم المتوقعة او مغادرة البلد .

ازاء هذه الاوضاع ، ظهرت حالات اجتماعية تنتقد الاطباء في العراق عموما ، كما تتهم بمرارة الكوادر الدنيا في المؤسسات الطبية الحكومية ، لتقصيرها في اداء مهنتها الانسانية التي يفترض بها المواطن العادي ان لا تكون لهاعلاقة بـ ( الفلوس ) ، العراقيون باتوا دون استثناء يعرفون ان الطبيب او الممرض الفلاني يقابل مراجعيه في المستشفى بحدة وغضب دون ان يؤدي واجبه صحيحا تجاههم ، بينما يقابل نفس المرضى في عيادته او مشفاه الخاص بترحاب وصبر مقابل كثير من المال .
هذه الاوضاع ازدادت وضوحا وطرديا باشتداد ازمة الحروب والحصار الدولي على العراق ، اي بازدياد فقر وحاجة سواد العراقيين ، وذاك ما ادى الى تولد انطباع مؤلم جدا لديهم عن الاطباء وكوادرهم الصحية عمقه يتناسب والمكانة الخاصة العالية التي يتمتع بها الاطباء في مجتمعنا ( كما اوردناها في مقالنا الاول الذي ابتدأنا فبه رسم لوحة اطبائنا ) .
لازلنا نحاول اكمال اللوحة بمزيد من الخطوط التي تملء فراغات واسعة ، فقبل ان ندخل عام 2003 لابد ان نوضح صورة ( شرح طبيبنا لمرض مراجعه ) ، وهل يوضح له ماهية ادويته ؟
امامنا الكثير من العمل ..
ساعدوني بمتابعتكم مقالي المقبل .


نبيل قرياقوس بولص














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذوبان تمثال شمعي لأبراهام لينكولن بسبب الحرارة الشديدة


.. ميقاتي: المدخل لعودة الهدوء إلى الجنوب يتمثل في وقف العدوان




.. إدارة جامعة أكسفورد البريطانية تسيّج محيط مخيم التضامن مع غز


.. فلسطينية تودع زوجها الذي استشهد في قصف إسرائيلي على غزة




.. أخصائي جراحة الأسنان خيام مقداد: تجديد الأسنان المفقودة من خ