الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي دور؟ لأي مثقف؟

عبدالاله سطي

2008 / 7 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


إن واقع حال المثقف المغربي يشي بالعديد من التساؤلات التي تحمل بؤس هذا المثقف، وموقفه من قضايا وطنه المصيرية، ومدى مساهمته في الحراك العام القائم. لذا سنحاول الانطلاق في هذه الورقة من ثلاث ملاحظات أساسية :
الملاحظة الأولى: تبرز في مقارنة دور المثقف المغربي اليوم مع الأمس القريب، حيث يظهر بجلاء الشرخ الواقع بين التزامات هذا الأخير في مغرب اليوم والتزاماته في مغرب الستينات والسبعينات. ولنقل أيضا، التزاماته ما قبل الاستقلال، وظروف مجابهة قوى الاستعمار والتغول الكلنيالي. حيث كنت تجد المثقف في طلائع المناهضين للوجود الفرنسي في المغرب. كما كنت تجد مثقف عهد الاستقلال من المؤسسين للمشاريع النهضوية والتبشيرية لوطن تخلص من براثين عهود الحماية وما جرته من ويلات على البلاد والعباد. وحتى عندما احتدم الصراع بين السلطة والحركة الوطنية على الحكم، كنت تجد المثقف من أشد المدافعين عن أحقية الشعب في ثروة وطنه، والمشاركة في صناعة القرار من خلال مؤسسات دستورية تضمن له ذلك. وفي قلب الصراع مع السلطة التي حشدت لمجابهته القوى المناوئة لها كل أساليب القهر والتعذيب كان صوت المثقف يعلو عاليا للتنديد بذلكن وسط المدارس والجامعات والشارع، وكم من هؤلاء خطفوا من وسط المظاهرات التي كانت تجوب الشوارع، ومن وسط حلقات نقاش سرية كانت تقام في المنازل.
والملاحظ للمشهد العام اليوم سوف يخلص من دون شك على مدى هذا الغياب، ومدى الفرق ما بين البارحة واليوم فلا مثقف هجر قضايا وطنه المصيرية، وارتكن إلى زوايا معرفية أبعدته كل البعد عن الواقع السياسي والاجتماعي وما يحوزه من تناقضات جمة.
الملاحظة الثانية: كون المثقف المغربي أصبح غير مثقفا، لماذا؟، لأنه لو وضعنا تعريف المثقف في الأدبيات المعرفية في شتى حقول ومجالات العلوم الإنسانية. نجد أن حال المثقف المغربي وهنا بين قوصين، ينأى عن هذه التعريفات ويترفع عنها.فأين هو المثقف المغربي القادر على ( أن يتحمل إمكانية حرقه على حازوق أو أن ينفا أو أن ينبذ أو أن يصلب..يشجب الفساد ويدافع عن الضعفاء ويتحدى السلطات الجائرة أو غير الشرعية)"جورج باندا".و أين هو المثقف المغربي من تعريف غرامشي الذي يعتبر المثقف بالفرد الذي يؤدي مجموعة من الوظائف في المجتمع وهو أقرب إلى الواقع بشكل كبير. هو فرد منح رسالة، أو وجهة نظر أو موقف أو فلسفة أو رأي للجهر والنطق بها أمام جمهور معين ومن أجله، وهو دور لا يمكن أن يلعبه دون إحساس المرء بأن مهمته هي أن يطرح على الناس الأسئلة المربكة أو المعقدة وأن يواجه الأفكار التقليدية والعقائدية الجامدة، "لا أن ينتج هذه الأفكار ويمارس تلك العقائد الجامدة" يضيف إدوارد سعيد...
ربما هذه التعاريف تكفينا بغير النظر إلى تعاريف أخرى أعمق، لكي نقول بأن(المثقف المغربي) بعيدا عنها وبينه وبينها حجاب كبير.تتداخل فيه العوامل الذاتية والموضوعية، وهذا ما سنحاول تبيانه في ما هو آت من الاستنتاجات.
الملاحظة الثالثة: هي بروز ظاهرة مثقف السلطة في المغرب. حيث أضحت خيرة الأقلام والأعلام في شتى المجالات الفكرية. في خدمة السلطة، وبرامج السلطة،خضوع ليس بالضرورة يرضخ لمنطق العنف وسياسة التدجين ومغريات المال والجاه.بيد أنه يمتثل في أحايين كثيرة إلى منطق ذاتي وبرغماتي، وهي ليست بالظاهرة الحديثة، فعلى ممر التاريخ الحضاري كثيرا ما نجد هذا الصنف من الأعلام الذين يكرسون أفكارهم وأقلامهم لخدمة السيف والسلطان.
هذه الملاحظات تشي بان واقع حال المثقف المغربي يطرح العديد من التساؤلات والاستشكالات التي قد تحيلنا على العديد من التوصيفات التي بدورها من الممكن جدا أن تقد لنا أجوبة شافية عافية على ماهية هذا المآل الذي آل إليه مثقف اليوم. والعناصر التي ساهمت في الدفع به إلى هذه الهوة الساحقة بينه وبين المجتمع.
فما هي الدوافع التي أدت بالمثقف المغربي إلى هذه المساحات الفارغة من المجتمع؟ولماذا هذا التحول الساحق في دور المثقف المغربي ما بين البارحة واليوم؟ ولماذا هذا التراجع في الأدوار الطلائعية التي كان يجب أن يلعبها؟
يمكن الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال العناصر التالية:
العنصر الأول: المثقف المغربي عان الأمرين من خلال سياسة الحديد والنار التي نهجها تجاهه النظام السياسي المغربي، إبان فترة الصراع ما بين الحركة الوطنية والمؤسسة الحاكمة على الحكم. فكان موقع المثقف في هذا الإطار موقع ما بين المطرقة والسندان، وما بين الكوة والنار.
لما كان يحمله من مشاريع مضادة لطبيعة النظام السياسي القائم وكان ذاك طبيعيا، لاعتبارات أولها، أن البلاد في مرحلة الخروج من قبضة الاستعمار وبالتالي كان من الواجب البحث عن مشروع مضاد للمشروع الاستعماري الذي كانت تمثله القوة الامبريالية. وهذا المشروع المضاد كان من الطبيعي أن يكون في ذلك الأوان عملا بمنطق الانعكاس الأيديولوجي هو المشروع الاشتراكي الذي تبنته معظم النخب المثقفة. الشيء الذي لم يتلاءم مع طبيعة التصور السياسي للسلطة القائمة، مما ولد صداما عنيفا كانت في واجهته النخبة المثقفة والتي ستعاني ويلات الجمر والرصاص. من أجل تكميم أفواهها والكف عن معاندتها للنظام القائم. و حتى النخبة المثقفة التي لم تحمل المشروع الاشتراكي. لم يترك لها المجال لتوطيد أفكارها ومشاريعها أمام قبضة الدولة الحديدية.
العنصر الثاني: المثقف المغربي لم يستطع أن يبلور مشروعا واضحا قادرا على أن يجمع حوله نخب أخرى وبالتالي تشكيل قوة في مواجهة السلطة. لاعتبارات من أهمها خضوعه للمرجية الاشتراكية البرانية والاحتكام لمنطق الانعكاس الإيديولوجي ، دون أن يقوم ذلك على أسس مرجعة تتلاءم والخصوصية السوسيوسياسية المغربية. مما جعل طروحاته في كثير من الأحيان تبتعد عن المنطق...وتحتل مركز النقيض لكنه ليس بالبديل الحقيقي للنظام القائم. فسقط المثقف في بوثقة التبعية الفكرية التي انهارت مع انهيار المعسكر الاشتراكي والتقلبات التي سيعرفها العالم نهاية الثمانينيات وبداية التسعينات.
العنصر الثالث: عنصر الهيمنة والإدماج الذي نهجته السلطة تجاه المثقفين أدى في كثير من الأحيان إلى إخضاع هذا الأخير في بوثقة الحكم القائم. وبدل تكميم صوت المثقف وتدجينه تم تحويله إلى خادم لسلطة السيف والسلطان في محاولة لإيجاد تبريرات لسياسة الحكم القائم.وهكذا نجحت إستراتيجية استقطابهم ودمجهم في منظومتها التبريرية في خدمة منظومة التدبير. وكم من هؤلاء يطلون علينا بين الفينة والأخرى أمام شاشات التلفزة وموجات الإذاعات الرسمية، يوجهون خطاباتهم التمجيدية للسياسات القائمة والمشاريع العامة التي تقدم عليها الدولة.
مما لا مراء فيه أن هذه العناصر تقدم لنا بنيات تركيبية لإشكالية المثقف المغربي تحيلنا على الاستنتاجين التاليين:
الاستنتاج الأول: إن طبيعة النظام السياسي المغربي، الذي يجعل من المؤسسة الملكية مركز للحكم حينما تحوز على جميع لسلطات، باعتبارها مؤسسة فوق المؤسسات. وأي معارضة لهذه الطبيعة تجعل آليات السلطة تتحرك لتقويض شوكة المعارضين، الشيء الذي وظف وبنجاح مع النخبة المثقفة في المغرب. حيث يمكن القول بأن النظام كان متفوقا على هذه النخب، سواءا من خلال آليات إدماجها أو آليات إقصائها، مما جعل منطق الحكم القائم هو السائد. والنقيض لهذا الحكم خارج مدار النظام. وبالتالي لم يبقى أمام هذه النخب سوا الارتكان إلى البياض، أو المواجهة، التي تعتبر محسومة سلفا لصالح السلطة باعتبارها الطرف القوي في هذه العلاقة. ولعل منطق العنف وما سمي بتاريخ سنوات الجمر والرصاص. تفسر عدم قدرة النخبة على المواجهة. هذا الاستنتاج الموضوعي قد يجد ذاته في صلب طبيعة المعالجة التي اعتمدناها منذ البداية في هذه الورقة.
الاستنتاج الثاني: وهو يتعلق بذاتية المثقف، الذي أضحى غير مثقف. وهذا يمكن تفسيره سوسيولوجيا بطبيعة التخلف الذي تعرفه مجتمعاتنا. هذا التخلف الذي تكمن أبرز تجلياته في التخلف الفكري، الذي لم يستطع لحد الآن إيجاد صيغة حقيقية للنهضة المجتمعية الكفيلة بإخراجنا من بوثقة الاندحار والتشرذم. فكل الاجتهادات الحالية تعمل جاهدة على حجب الإشكال الحقيقي لمجتمعاتنا . وذلك بعدم الاستمرارية في إبراز هذه الاجتهادات وتطويرها وفق التطور لعام للحضارة العالمية.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع