الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيضاً كالآخرين ( أو ) تحفر وتطمُر

شذى توما مرقوس

2008 / 7 / 5
الادب والفن



قصة قصيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2008
....... العجوز ( ص) قضت ساعات طويلة في التلصص على جارتها ( س ) الغريبة عن هذهِ الديار والقادمة من بلادٍ تختلف كل الأختلاف، بلاد لم تعرف كُل هذا التطور التكنولوجي الموجود في هذهِ الديار ...... ذاك التلصص كلفّها الكثير من التوتر حتى أرتخت أعصابها وتعِبت ......... هي منذُ ساعات تُراقبُ جارتها ( س) الموجودة في حديقة الدار تحفُر وتطمر وتُعيدُ ترتيب التربة ونبشها وتقليبها حتى تراءى لها بل وتأكدت من أنّ هذهِ الجارة الغريبة قد قتلت شخصاً ما وتحاولُ أن تُخفي آثار جريمتها فتطمُر من قتلتهُ في الحديقة ...... فكرت العجوز مع نفسها " هذا وارد جداً وشائع ، الكثير من الغُرباء يرتكبون جرائم مُتنوعة عنيفة ، لقد تعودوا العنف في حياتهم ونشأتهم ، لكنّها ستتأكد أكثر فهي لاتُريد أن تُدلي ببيانٍ خاطئ للمعنيين ، كما إِنّها لا تُريدُ أن تظلُم جارتها هذهِ وتُلقي التُهم جزافاً بحقها ، عليها أنّ تتأكد من الأمر . " ........ غيرت زوايا الرؤيا لديها وكذلك المكان ...... لكنّها في كُلِ مرّة رأت المشاهد ذاتها ، فعملية الحفر متواصلة لجعل الحُفرة الثانية أكبر وأكبر لتسّع قامةً بشرية بعد أن أنتهت من الحفرة الأولى وطمرت فيها ما طمرت وسوتّ التربة فوقها بعناية ، ثُمّ أن الجارة ( س ) دخلت الى المنزل وخرجت منهُ بعد بُرهة مُشعثة الشعر تجُرّ خلفها بجهدٍ كبير شيئاً يبدو كقامة أنسانية قصيرة أو رُبّما ما تبقى منها أنّ كان قد تمّ تقطيعها ، ملفوفة بمُلاءة أو غطاء أو مِلْحفة أو شيء من هذا القبيل ، داكن اللون ، رُبّما أسود، إِنّها لاتستطيعُ الجزم ، قد يكون أزرقاً أو أخضراً يتدحرجُ نحوَ السواد ... ألمَّت بجسدها أرتعاشة قوية وهي تشعرُ إِنّها أمام جريمة قتل وبحركة سريعة لم تكُنْ مألوفة لجسدها النحيل العجوز غيرّت زاوية الرؤية لديها من جهةٍ لأُخرى وحرصت التخفي عن أنظار الجارة ( س) كي لا تُثير شكوكها فتهربُ بجريمتها وتتملصُ من العقوبة ورُبّما تحاول ( س ) قتلها ، كُل الأحتمالات واردة ومُمكِنة ......!! ثُمّ عادت فنظرت بمنظارها المُكبِرّ وبعدها غيرت نظارتها وهكذا دواليك ..... لكنّها في كُل مرة أقتنعت أكثر إِنّها أمام جريمة حقيقية تُحاول القاتلة تغطية آثارها ومحوها ، إِلا أَنّها لم تفهم أصرار هذهِ القاتلة الغبية على محاولة أخفاء آثار الجريمة في وضح النهار وليس تحت خيمة الليل ....... ألمْ يخطُر ببالها أن ذلك سيثيرُ شكوك الجيران فينتبهوا لمحاولتها هذهِ ولكنّ رُبّما فكرت أن تستفيد من أنشِغال البشر عادةً في النهار بأعمالِهم ومدارسهم ومسؤولياتِهم وهكذا هي أيضاً كالآخرين تعمل في حديقة بيتها وتزرعها ، قد تكون خدعة ذكية لو فُسِرت بهذهِ النية ....... وبعد تردد طويل وحيرة وتفكير عميق وجدت أن بلاغاً عن هذا الحال لهو ضروري ومُلّح ........ تمتمت مع نفسها بخوف الرقم المطلوب فأتصلت وأعلمتهم بما رأت وزودتهم بالعنوان كاملاً ....... تلعثمت كثيراً حين تحدثت عن الجريمة خوفاً لكنّها برغم ذلك شعرت براحة تسري في كيانها بعد أغلاق الخط فلقد أدت واجبها كاملاً ولن يُبكتها ضميرها على شيء وقد فعلت ما يجبُ فِعلهُ وما تمليهِ عليها شروط المواطنة الصالحة ....... وبعد أن أخذت نفساً عميقاً تابعت مُراقبة جارتها ( س ) ووجدتها لا زالت مُنهمكة في تعميق الحُفرة وذلك الشيء الذي يُشبه جثة أنسان لازال مُمدداً الى جانب الحُفرة ........


*********************

...... وفي حديقة الدار الرابضة على بُعدِ بضعةِ منازل من منزلها كانت جارتها ( س ) الغريبة عن هذهِ الديار مُنهمكة في تعميق الحُفرة لتطمُر زيرها الكبير الجميل المحشو حتى فوهتهِ بالجبن الأبيض والثوم بعد أن أنتهت من طمر زيرها الأول الصغير ...... لقد صنعت كُل شيء تماماً كما تعلمته في بلدها الذي جاءت منهُ حيثُ كانت تُقطِن في قرية جميلة وتعيشُ حياةً بسيطة ....... لم تتعلم في حياتها أشياء أكثرُ أهميةً من تحضير الطعام وأعداد الأطباق الشهية الطازجة المُمتزِجة بمذاق الطبيعة الأصيل النقي وتنظيف المنزل ........ الخ ، حياةً بسيطة بعيدة عن كُل التعقيد الذي يحكون عنهُ ....... أرادت أن تستمر في بساطتها التي ورثتها عن موطنها ، لا تُريد للتعقيد أن يدخُل حياتها ويُسببُ لها الصُداع ، إِنّها تخافُهُ وهي أضعف من أن تقوى على مواجهتهِ ، فأنّ دخل حياتها سيحطمها بالتأكيد ، تُريد أن تحيا كما كانت في بلادها فهي لاتعرفُ غير ما تعلمتهُ فيها ولاتريدُ أن تتعلم شيئاً من التعقيد ......... ستُفاجئ زوجها بهذا الطبق الشهي من الجُبن حالما يغدو جاهزاً ، بالتأكيد سيُسعِدهُ ذلك جداً وخصوصاً حين يعلم إِنّها قد صنعت هذا الجُبن اللذيذ الأبيض بنفسِها من حليبٍ أشترتهُ طازِجاً من أحدى المزارع البعيدة ......


***********************

أنتهت للتوّ من طمر زيرها الكبير وسوّت فوقهُ التربة بعناية بينما دقّ جرس الباب فأسرعت ( س ) بشعرها المُشعث ويديها المُصطبغتين بالطين وملابسها المُعفرّة بالتراب تتصببُ عرقاً وفتحت الباب للقادمين ، وصدرت عنها صرخة حين رأت هؤلاء الرجال أمامها وعيونهم مُركزة على ملابسها ويديها وشعرها ، منظرها يُثير الشكوك وبحركة لا أرادية قامت هي أيضاً تتفحصُ ملابسها ويديها وشعرها وكأنّها تبحثُ عن جواب لحضور هؤلاء ...... دخلوا الدار وجالوا فيها ثُم خرجوا الى الحديقة بنظراتهم الممتلئة شكاً ، وأشار أحدهم بأنتصار الى أدوات الحفر المُلقاة في الحديقة فأسرع الثاني على الفور يتفحصُ التربة ومكان الحفر ويتقاسم مع رفاقهِ بعض الكلمات بلغةِ هذا البلد التي لاتفهمها ولاتتحدث بها ، وفي غمرة أنذهالِها لمعت في ذهنها أسباب حضورِهم لمنزِلِها وفهِمت المقصود ...... فهرعت نحو الهاتف وصرخت فيهِ : ــ
* آلو ..... أبو ( .... ) في بيتنا شُرطة ، أحضرْ حالاً يظنونّ أننّي قد قتلتك وقطعتُ رأسك ودفنتُك في الحديقة ، تأكدّ يا أبو أولادي لن يأتي اليوم الذي أفعلُ فيهِ ذلك مهما عذبتني وضربتني وآذيتني ، أرجوك أجلب معك كل أبنائنا وبناتنا وزوجاتهم وأزواجهم وأحفادنا وكل أفراد عشيرتنا ممن يمتون لنا بصلة ويعيشون هُنا في هذا البلد حتى أتبرأ من التُهمة المنسوبة اليّ ، أحضرّ حالاً أنا في خطر ، أنا في ورطة ، تحضير الجبن سيتسبب في هلاكي ودخولي السجن ، حُبُك سيكلفني حياتي ...... النجدة ...... حُبك مُكلف جداً .



بقلم شذى توما مرقوس
2008

مُلاحظة : ــ قصة ( أيضاً كالآخرين أو تحفر وتطمُر) هي قصة قصيرة من ضمن مجموعتي القصصية الغير المنشورة بعنوان ( حكايات جدُّ صغيرة ....... كبيرة ) عن الغُربة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطفل اللى مواليد التسعينات عمرهم ما ينسوه كواليس تمثيل شخ


.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال




.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت