الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإيزيدية: دين برسم التشرد(1)

هوشنك بروكا

2008 / 7 / 6
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


لا حاجة للدخول، ههنا، في جزئيات تاريخ هذه الديانة زماناً ومكاناً، أو النبش في خفايا انوجادها حضوراً أو غياباً. فالمعروف أو المسلّم به على مستوى الخاصة من الأكاديميين والباحثين وأصحاب الشأن في هذا المجال، هو أن الإيزيدية ديانة كردية قديمة. وبحسب السير مارك سايكس الباحث عن أثنوغرافيا الكرد في كتابه "سنتان في كردستان"، ف"إن الإيزيديين أكراد أقحاح، وليس هذا من الوجهة اللغوية فقط، بل أن أجسامهم وسائر مظاهرهم الخارجية تشبه تمام الشبه أكراد جبل ديرسم. والظاهر أنهم منهم، فهاجروا منه إلى سنجار بعد ظهور تيمورلنك واغاراته المدمرة على البلدان الإسلامية. فبهذه العقيدة أدخل سير مارك سايكس اليزيدية جميعاً في الخرائط وكشوفات الطوئف الكردية، في كتابه القيم"(يُنظر: محمد أمين زكي، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان، الطبعة العربية، 1985، ص28).
وتنص لجنة عصبة الأمم في تقريرها(ص58)، على أن "اليزيديين يتكلمون الكردية ويتعبدون بها، بل يعتقدون بأن إلههم نفسه يتكلم الكردية"(المصدر ذاته، ص 26)، كما يقول لسان حال الإيزيديين الممثل في نصوصهم الدينية، أو ما يمكن تسميتها ب"العلم الشفوي".

كل الطرق، إذن، على طول المكان الإيزيدي وعرضه، تؤدي إلى كردستان، وذلك بدءاً ب"لالش" التي يعتقد فيها الإيزيديون على أنها أول العالم، أو "سرة الأرض"، التي منها ابتدأ أول الحياة، أو الأول من كل شيء؛ أول الماء، وأول النار، وأول التراب، وأول الهواء، وانتهاءً بآخر قبةٍ أو مزارٍ أو طوافةٍ، اعتقد أو آمَن أهلوها، بأن بعضاً من الله أو "أبنائه" أو أشباهه أو ظلاله، قد صاروا واستقروا فيها.

والحال، فإنّ كردستان هي "الوطن القدر" لإيزيدييها/ تماماً مثلما هؤلاء هم قدرها الأخير. أو باستعارة تعبير فوكوياما، فيمكن القول بإن "كردستان هو خاتم الإيزيديين".

دينياً على المستوى العبادوي، وبحسب "دفاتر إيمان" الإيزيديين، لالش هي مركز الأرض، أو "المكان الحق"، كما يرد ذكر قصة قيامها الأول، في أسطورة التكوين الإيزيدية. ونظراً لقدسية هذا "المكان الأول" في الميثولوجيا الإيزيدية، اتخذه الإيزيديون "خاتماً نهائياً" لمقامات أوليائهم، وجهةً أكيدةً، مستمرةً، لممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، التي تعاد وتتكرر على مدار فصول الطبيعة.
وعلى اعتبار أن لالش هي "الأول من الأرض" و"الأول من كل حياةٍ عليها"، كما تخبرنا النصوص الإيزيدية، نجد أن العابد الإيزيدي يحملها معه، مرموزةً في "برات"ه، أينما حلّ وارتحل.
ف"البرات" التي هي عبارة عن كرات اهليليجية أو بيضوية صغيرة(بحجم بيوض الدوري)، معجونة من "تربة لالش"(أول الأرض) وماء النبع البيضاء/كانيا سبي(أول الماء)، هي العلامة الفارقة على هوية إيزيدية من يحملها، أو عنوان إيمانه الأساس.

عليه فإن البرات هي رمز "الأرض الأولى"(لالش)، أي "الأرض الأصل" أو "الأرض الخميرة"، التي منها "ولد" المكان وامتد في جهات الله الواسعة. فالمعنى الرمزي للبرات يدل على مسقط رأس "المكان" وولادته الأولى، التي ابتدأت ب"لالش". بالتالي فإن حمل البرات، على مستوى الرمز إيزيدياً، سيعني حمل "الأرض البدئية" الدالة على "المكان البدئي" الذي سكن فيه "المقدسون الأولون"، وعليه قاموا بالأول من الأفعال، التي تُعاد بدورها على مدار السنة، في العالي من الزمان(زمان الأعياد)، وذلك عبر طقوس ومراسيم احتفالية دينية خاصة جداً.

والحاصل، فإن ل"المكان الإيزيدي" حضور دائم في قيام وقعود عابديه، الذين يقدسونه ويتعبدونه في براتهم(خميرة الأرض) التي يفرض دينياً مرافقتهم، في دنياهم كما في آخرتهم، وهو الأمر الذي يعني على المستوى الديني القدسي، ضرورة تمسك الإيزيدي ب"أرضه" الأصل، التي منها ابتدأ الأول من دينه وإيمانه.

"لالش"، بحسب اعتقاد إيزيدييها، هو مكان كردي "ممتاز"، لإعادة ما قامت به الآلهة في البدء من أفعال تأسيسية، فاضت منها العالم وموجوداته.
من هنا ترد لفظة "كردستان" في بعض النصوص الإيزيدية(نص شه رفه دين & دعاء الشروق & باشنفيز أو دعاء مابعد الصلاة/ يُنظر Celadet Bedirxan: Nivêjên Êzîdiyan, Şam, 1933, R.8, 10)، بإعتبارها "وطناً نهائياً لدينهم"، مثلما هو في واقع الحال، "وطنٌ نهائي" أكيد لدنياهم وآخرتهم، أو لحياتهم وموتهم.

بالرغم من مكانة كردستان لدى الإيزيديين، بإعتبارها وطناً دينياً ودنيوياً لهم، إلا أنهم كانوا فيها على الدوام ، كدينهم، "شعباً" برسم التشرد.

تاريخياً، يعتقد الإيزيديون بإنهم تعرضوا على مرّ زمانهم الصعب وجغرافياتهم الأصعب، لما يربو إلى إثنتين وسبعين فرماناً أو حملةً دمويةً، استهدف فيها كل الوجود الإيزيدي، من أوله إلى آخره. ومثلما تقول دفاتر البعض المدوّن الباقي منها، فأن الإيزيديين أبيدوا في بعضها الوحشي عن بكرة أبيهم، وهو الأمر الذي دفعهم، فرمانئذٍ، إلى الإنزواء في جبالهم الصديقة، وانتظار تاريخٍ أرحم لمعاودة الإقامة في "مكانهم المصطفى أو الأصفى"، حسبما يذهبون إليه، والذي تلتقي فيه إقامتهم مع إقامة الله وأوليائه، وآبائهم الأولين.

فمنذ أن غضب التاريخ ومرتكبوه على الجغرافيا الإيزيدية والمقيمين فيها، والإيزيديون يتشردون في المكان، بذات المثل الذي تم تشريد المكان عن أسمائهم(والتعبير للكبير سليم بركات). هبطت لالش، كما تقول أسطورتهم، كي تستقر الأرض وكل العالمين بدءاً من ذاك الهبوط الخميرة، دون أن يمنحهم الزمان فرصة الإستقرار في لالشهم، والإقامة في طقوس مكانهم، أو عبورها، كأهلين مستقرين، من وإلى مكانهم المستقر.

ولكن السؤال المطروح ههنا، هو:
ما الذي يدفع بالإيزيديين إلى اللاإستقرار في "كردستان لالشهم" بإعتبارها أولاً للمستقر، كما تشهد نصوصهم الدينية؟
لماذا يهرب الإيزيديون من "خاتمهم"، الذي وصفته من قبل ب"وطنهم النهائي"؟
لماذا يسعى الإيزيديون كل جهدهم، الخروج من "كردستان الخاتم"، للدخول في خواتم الآخرين(الخواتم الأوروبية تحديداً) ، ومن ثم التشرد فيها؟
هل حكم التاريخ على الإيزيديين ودينهم، بالتشرد إلى الأبد في جغرافيا الله، أم أن هؤلاء أنفسهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم، ب"التشرد الطوعي" من "خاتمهم النعيم" إلى "المنفى الجحيم"، حيث المكان الآخر، والتاريخ الآخر، والإجتماع الآخر، والدين الآخر، والإنسان الآخر، واللسان الآخر ...إلخ؟
هل بات تشرد الإيزيدية ديناً ودنيا، مرضاً مزمناً، يصعب الفكاك منه، أم أنه بات ضرورةً حياتية، للخروج من "الخاتم السجن"، والدخول في حرية خواتم الآخرين، من أوسع أبوابها؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ