الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تستطيع المؤسسات الدينية الشيعية ترويض الشارع العراقي؟

عادل عباس الشيخلي

2004 / 1 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تحاول القوى السياسية الدينية الشيعية في العراق استغلال الشارع العراقي في الفترة الأخيرة بشكل  ملفت للنظر, املا  بان يتيح لها ذلك مجالا اكبر للمناورة السياسية, اوكورقة ضغط لتحقيق اهداف سياسية محددة في الوقت الحاضر,  اوبقاء الباب مفتوح امام مطالب اخرى في المستقبل. هناك مجموعة من الأسئلة تطرح نفسها هي: كيف استطاعت الأحزاب الدينية وبالذات الشيعية, تحريك الشارع بهذه الفعالية؟... وهل ستبقى موجة الأحتجاجات ملتزمة بالأطرالديمقراطية المعروفة؟.. واي نسبة تشكل هذه الجماهير من مجموع الشعب العراقي؟

     

 ان الأجابة على هذه الأسئلة يعيدنا  الى فترة النظام الصدامي الذي دأب طيلة سنوات حكمه ودون كلل على قمع الأحزاب السياسية بكل اتجاهاتها واستعمل شتى الوسائل الأجرامية لسحقها.. ولم تكن الطائفة الشيعية ومؤسساتها الدينية بمنأى عن هذه الممارسات اللاانسانية بل نالت  القسط الأوفرمن البطش والتنكيل والقتل والأبادة الجماعية.. والمقابر الجماعية خير شاهد على ذلك كما لم تسلم بقية الطوائف والقوميات من القتل والأضطهاد والتعسف وسلب حقوقهم المدنية والسياسية والثقافية والأجتماعية,  لقد تمكن النظام السابق خلال سنوات حكمه ان يزرع الخوف في نفوس اغلبية العراقيين وان يجعل الشارع العراقي(عدا كردستان العراق) خاليا من اي تأثيرجاد  للأحزاب السياسية علمانية او دينية, وكرد فعل على هذه الممارسات  والشعور باليأس بقدرة الأحزاب السياسية المعارضة الموجودة في الخارج في تغيير النظام الدكتاتوري وتأثير التعتيم الأعلامي الصدامي وتدهور الحالة المعاشية لقطاعات واسعة من الشعب, اتجه الناس الى الدين يستغيثون به معاناتهم واضطهاد النظام لهم وانتشرت ظاهرة التدين في كل مرافق الحياة. واستمرت هذه الحالة حتى بعد مرور اكثر من ثمانية اشهر على اسقاط النظام الصدامي.

  

   لقد استطاعت القوى السياسية الدينية الشيعية تحريك الشارع بشكل جيد, مستغلة لتحقيق غرضها هذا, المشاعر الدينية لكثير من البسطاء من ابناء الطائفة الشيعية وحالة الفوضى وعدم الرضى لدى قطاعات واسعة من شعبنا نتيجة اخفاقات مجلس الحكم المؤقت في حل المشاكل اليومية للفرد العراقي. ان المظاهرات التي نراها اليوم ليست انعكاسا لروح الشارع العراقي كما تروج له المؤسسات الدينية الشيعية ومن ورائها, بل محاولة لترويضه بالشكل الذي ينسجم وأهدافها. كم انها تكشف عن نوايا مبيته...  تتمثل بالضغط على الأعضاء الأخرين في مجلس الحكم والأدارة الأمريكية المؤقتة للركوع امام مطاليبهم باعتبارها مطاليب الشعب العراقي كله وتمرير قرارات رجعية ومتخلفة مثل القرار المرقم 137 الصادر في 1/1/2004 الموقع من قبل الرئيس الدوري لمجلس الحكم في كانون الأول2003  السيد عبد العزيز الحكيم الذي الغي بموجبه قانون الأحوال الشخصية الذي صدر في اوائل الستينات من القرن الماضي.

  

   تسير القوى الدينية الشيعية بخطى حثيثة في تطبيق سياستها بجعل احكام الشريعة الأسلامية مصدر اساسي من مصادر التشريع ومراعاة المنهج الأسلامي وتعاليمه في الثقافة والأعلام والمناهج التربوية. وفي الأشهر الأخيرة عبرت عن هذا التوجه وبوضوح لايقبل الشك تصريحات عدة لكثير من السادة رجال الدين والمرجعيات الدينية مثل: المطالبة بإجراء انتخابات في اختيار لجنة كتابة الدستور وأعضاء مجلس الحكم الذي سيحل محل المجلس الحالي في نهاية شهر حزيران القادم... او رفض  ان تتولى سيدة عراقية  منصب القضاء بحجة ان الشرع لا يجيز ذلك... او رفض مبدأ حق الشعب الكردي في الاتحاد الاختياري من خلال الحكم الفيدرالي الا بعد استفتاء كل الشعب العراقي بانتخابات عامة.. او عزل العراقيين المغتربيين عن المساهمة في عملية الأنتخابات لغرض تقليص دورهم في العملية السياسية... او الأعتراض على مسودة قانون الجنسية الجديد فيما يخص تبني اللقطاء وقرار رقم 137 بإلغاء قانون الأحوال الشخصية وتطبيق الشريعة الإسلامية. بهذه السياسة الرجعية حاولت وتحاول المؤسسات الدينية الشيعية ترويض الشارع في بغداد والمحافظات الجنوبية.

 

   تحاول القوى السياسية الدينية استغلال حالة اللاقانون في العراق بتنظبم هذه المسيرات ودون ظوابط قانونية محددة وقد جرت التظاهرات لحد الأن ضمن الأطر الديمقراطية المسموح بها, ولكن لايعني التزام المتظاهرين لحد الأن بالأطر الديمقراطية  عدم امكانية حدوث مشاكل جدية داخل المسيرات نفسها  و ليس هناك اي شك في امكانية تحييد هذه المسيرات عن الأطار الديمقراطي من قبل فلول النظام السابق المندسة,  لتصبح مسيرات شغب قد تستعمل فيها الأسلحة النارية. ان هناك اطراف كثيرة تحاول ان تتصيد في الماء العكر وقد تعمل على خلق مجزرة بين صفوف المتظاهرين معتمدة على تصريحات لبعض المنتمين للمؤسسات الدينية الشيعية¸التي كررت مرارا بان هذه المؤسسات ستستعمل اساليب اخرى غير التظاهرات اذا لم تتحقق مطاليبها.

 

    ان الجماهير التي تجوب شوارع بغداد وبعض محافظات الجنوب بحجة تاييد مطاليب الأحزاب السياسية الدينية الشيعية لاتشكل الا نسبة أقل بكثير من نسبة الجماهير الأخرى التي لم تخرج الى الشارع لحد الأن والتي تطالب بالأنتخابات هي ايضا ولكن بعد ان تتهيء الظروف الموضوعية لأجرائها وبشكل سليم وعادل وباشراف دولي وبعد ان تعود الحياة لمؤسسات الدولة شبه المنهارة...  حتى وان أدى ذلك الى تأخير اعلان المجلس الأنتقالي بضعة اشهر   كما وتقبل بالفيدرالية باعتبارها الحل الأمثل للمشكلة القومية في العراق.

  من سياق التحليل السابق يتضح ان المؤسسة الدينية الشيعية سوف تستمر في استعمال ورقة الشارع العراقي وستحاول الأستفادة منها قدر الأمكان املا في تحقيق اكبر مساحة معينة من مطاليبها ولكن يجب ان لاننسى اننا نعيش ظروفا استثنائية في الوقت الحاضر وما التظاهر الا سلاح ذو حدين من شانه ان يلحق الضرر في الطرف الذي يتمادى في استعماله وعندها سيكون مصير العراق كله على كف عفريت كما يقول المثل.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أي تسوية قد تحاول إسرائيل فرضها في لبنان والإقليم؟


.. أي ترتيبات متوقعة من الحكومة اللبنانية وهل تُجرى جنازة رسمية




.. خبير عسكري: هدف عمليات إسرائيل إحداث شلل في منظومة حزب الله


.. نديم قطيش لضيف إيراني: لماذا لا يشتبك الحرس الثوري مع إسرائي




.. شوارع بيروت مأوى للنازحين بعد مطالبة الجيش الإسرائيلي للسكان