الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكياس الخيش - قصة قصيرة

نعيم شريف

2008 / 7 / 8
الادب والفن


قالت : خمسَ عشرةَ شمعةً ، كما لو أنّها تُكَلّمُ نفسها ، وتمنّنتْ لو أنّها أخطأت العدَّ ، وسَمعَها تسألْ : كامل ، هلْ كانوا خمسةَ عشر ؟

وعَنَتْ اولئكَ الذينَ أُعدموا من أبناء الديوانية ، في حزيران من العام 1988 ، واحسّت أن ماءَ النهر باردٌ في أول المساء ، لأنّ أصابعَ يدها كانت مفرودَةً على صفحة الماء ، تطفو على

أمواجه ، حتى بعدَ أن رأت اللوحَ الخشبي المُستَطيل آخذاً الشموع المضاءة بعيداً ، ساحباً وراءهُ ظلالها المُتراقصة على صفحة المياه ،

وقالت له : كُلُّ عامٍ ، في مثل هذه الأيام من حُزيران ، ، آتي الى ضفة النهر هذه ، واشعلُ خمسَ عشرةَ شمعةً ، وأرسلها ، أمانةً ، مع النهر ، واودعُها مُرادي ، ثُمّ ارقُبُها وهي تمضي

وفي ظنّي إنني أخطاتُ في العَدْ ، وكان يجب أن أشعلَ أربع عشرةَ شمعةً ، مؤملةً ، إنّ قدراً ما ، رحيماً ، قدْ اوقفهم عند هذا الرقم .............

نبرةُ صوته عميقةٌ ، ثقيلةُ الوقع ، في أُذُنَيها ، وهو يقولُ ، بهدوء ، هيهات ، لمْ يكن ليوقفهم شيء .



كانت تنظرُ إليه ، وحينَ جلست بقربه على المصطبةَ الاسمنتية ، رأت أن عينيه ، كانتا ، نصفَ مفتوحتين ، أو لعلهما ، نصف مغمضتين ، و إنّ النهرَ ، لاريبَ ، يجري ، وئيداً ،

فيهما الآن ، والشمسُ تنزلُ ، بأناةٍ ، وتختفي وراء الجسر المُعلّق ، وشعرا ، بأنّ النهرَ ، في هدأة الغروب تلك ، يصغي إليهما ، وحركةُ السابلة قد خفّت كثيرأً ، وبدت أصواتُ السيارات

، التي تعبر الشارع ، خلفهما ، مُتباعدةً .

وقالَ لها : متى يبدأُ منع التجوال ؟

- في التاسعة مساءً ، لقد أخبرتك ونحن في المكتب ، قالت .


ونظرَ إليها ، ورأى إنّها قد خلعت حذاءها الجلدي ، سيورهُ السود ، أنيقةُ التصميم ، إنطبعت بوضوحٍ ، على جلد قدميها ، وهي تريحهما على الحذاء ، وفَكّرَ ؛ إنها قد مشت ، طويلاً ، اليوم ،

وإنهما قد مرّا بشارع العلاوي ، عندما غادرا مكتبها في بناية محمد الخضري ، مكتبها الواسع الأثيث ، وتذكّرَ إنّهُ حين جلسَ على المقعد الفخم ، قد إنتبه الى الوردة المرشوقة على الفستان

، فوق ثديها الأيمن تماماً ، كما لو أنها نبتت من قماشة الفستان الجرجيت الأسود ذاته ، وإنّ السواد العاجي لنسيج الفستان يوحي بألفة مطمئنة مع بياض أسفل الرقبة وسمعها تقول :

- شاي أبو أياد ، صوتها فيه دلالٌ عريق ، وإنّها نظرت إليه وإبتسمت

وقالت : خمسُ دقائق فقط ، إتّفقنا .

وأخذت تتصَفّح أوراقاً رُبطت الى إضبارةٍ صفراء ، مكتوبٌ عليها ، محكمة بداءة الديوانية الأولى ، وظلّ يتأملُ إطراقتها المهمومة ، شعرها الكستنائي ، يلمعُ تحت ضؤ النيون ، ببريقٍ

بني ، أخذَ يُطيلُ النظرَ الى منابت الشعر المشدود والى القرطين الذهبيين المشغولين على هيأة عنقودي عنب ، تُثقلان شحمتي أُذُنيها ، وفكّرَ ؛ إنّها بعد كل هذه السنين ، مازالت بهية الجمال ،

ووجدَ نفسهُ ، ينظرُ الى صورة التخرّج ، المُعلّقة على الحائط ، محاولاً أن يجدها بين أربعة صفوفٍ من طُلابٍ يرتدونَ ثياب التخرج السود ، وإنّهُ تَعَرَّفَ على الملامح الحزينة للمحامية الشابّة

، وعرف إنها من خريجي دورة 1987 - 1988 ، كلية القانون ، جامعة بغداد ....... وتساءل : هل عرفت ، حينها ، بالأمر ؟

هناك صورةٌ أخرى بادية القِدم ، تشدّهُ على نحوٍ ما ، يرى فيها رجلين ، ، أحدهما ، ينظرُ بتحدٍّ وغطرسةٍ الى الكاميرا ، كان يعتمرُ غطاء رأسٍ ، أشبهُ بخوذةٍ حافتها مستديرة الشكل ، وسترةٍ

كابيةٍ و كان بنطالهُ منفوخاً عند الفخذين وجزمتهُ طويلة العنق ، واضعاً ، تحت ، إبطه الأيسر ، عصاً صغيرة ، وكان كلبٌ أسودٌ صغيرٌ يُقعي عند قدميه ، أما الآخر ، فيبدو بيشماغهِ وعقاله

ووالملامح البدينة الجامدة ،مضطراً ليكون في المشهد ، كانت الكلمات المكتوبة عاى الورق المقوّى ناشفةَ الحبر ، قديمةً .


( سعادة ، الميجر ديلي ، قائد القوات البريطانية في لواء الديوانية ، صحبة ، الوجية الحاج ، صلال البو حسن ، آيار ،1920 )


- هذه صورة جدي الحاج صلال مع الميجر ديلي ، أنت تعرفهُ ، اقصد لابد أنك قرأت شياً عنهُ ، جاءهُ صوتها ، مُعلّقاً .

- أيهما جدُّكِ ؟ سألها ، مماحكاً دون أن ينقل بصرهُ عن الصورة ، تفاجأ بضحكتها القصيرة ، عذبةُ الرنين ، شعرَ حين رآها ، في المرة الأخيرة وبعد غيابٍ طويل ، بأنّها لن تضحك أبداً .

_ ليس الذي يرتدي البزة العسكرية على كل حال .


إستدار نحوها ، ورأى ، (( ..... إنّ العينين الزرقاوين مازالتا تحملان بقايا ضحكتها ، العينين الواسعتين ، تشعّان بلونهما الفيروزي الرقراق ، تحت ضوء الشتاء الصباحي ، الضوء

المُتسرّب من قطعة الإسبست المخلوعة من سقف السوق ، حيثُ اوقفها ، في أوج إحتدام السوق ، بالرائحين والغادين ، وسط ذهولها ، هي ، عمّأ إذا كانت ترغب بسماع شيءٍ عن محمود

بعد أن مرّ على غيابه أربعة اعوام ، وقتها ، إحتشدت عيناها الزرقاوان بغضبٍ عارم ، مازال يتذكرُ ذلك ، رأى التشكيك في عينيها ، لكنّها، ظللت تحدق فيه بصمت ، ذكرَ إسمهُ ،


- آه ، إذن ، أنت كامل مزهر ؟


-نعم


- ومتى أخرجوك من السجن ؟


- قبل اشهر ، حوالي ستة اشهر

- هل مازلت تسكن في حي رمضان ؟

- نعم وفي البيت نفسه


- كثيراً ماحدثني محمود ، عنك ، أقصد علاقتكما ، كان يُخبرني عن اشياء كثيرة بينكما

_ ........

- أكادُ اعرفك من الصور التي اراني إياها محمود ، لكن ، يبدو شكلك مُختلفاً عن الصور

- نعم كنا بالكاد نرى الشمس

- الله يساعدكم ، كيف يمكن ان نلتقي ؟ أريدُ معرفة كل شيء عنه

شعر أنه وضع نفسهُ في مأزق ، تتكلم عنه كما لو كان حيّاً ، ومن منعطف شارع المكتبات ، رأى ضابط الأمن السياسي الذي حققَ معهُ ، قادماً بإتجاههما ، وشعر بأنّ قدميه


لاتقويان على حمله ، وتذكّرَ إنّهُ قال لها بإرتباك : إذهبي الآ ن ، ساراك فيما بعد ....... ولعلهُ ، الى الآن ، يتذكر ملامحها المباغته ... ))



حين دخل أبو اياد فاتحاً باب المكتب ، إمتلأت الغرفةُ بضجيج المولِّدة الكهربائية ، وضع قدح الشاي على الطاولة الصغيرة ، وسالها :


- هل تأمرين بشي آخر ، استاذة ؟

- شُكراً أبو اياد ، تستطيع الذهاب الآن .

- في أمان الله

- في أمان الله


عندما أغلق ابو أياد الباب الخشبيةَ وراءهُ ، إنقطع ضجيجُ المولّدة الكهربائية ، تماماً ، وساد الغرفة هدوءٌ لذيذٌ ، وكانت قد قالت لهُ ؛ إ نّها تريدُ شراء عددٍ من الشموع

وإشعالها وإطلاقها مع مياه النهر ، جزءٌ من تقليدٍ تفعلهُ كل عام ، أودُّ لو ترافقني ، قالت .


- هل نخرج الآن ؟ قال


- نعم ، قالت

فتحت احد الادراج ، أخرجت شالاً اسود اً ،لفته، حول رأسها ، بإهمال ، أطفأت مصباح النيون ، ثم جهازالتكييف، عندها إنقطع الازيز المتواصل في راسه وشعر بشيءٍ

من السكون ، اغلقت الباب ونزلا من مكتبها في الطابق الثاني الى الشارع العام ، واحسّ بسطوة شمس السادسة عصراً ، وإنّ هذا السطوع البهي لاشعّتها يُغشي عينيه ، فلا

يستطيع تمييز الأشياء بدقةٍ ، وكان يسمع الطرق الموقِع ، لحذائها ،على البلاط الشتايكر ، تسير الى يمينه ، كانا يمرّان بالباعة المنتشرين ، على طول شارع العلاوي ،

يفترشون الأرض ،باشيائهم القديمة والمستعملة ، ثمّ يمران ببائعات الدجاج والبط والخضيري ، يحتضنّ زنابيل الخوص المفروشة بالتبن تراكم عليها البيض بأنواعه

اولئك النسوة بعباآتهن الناصلة ووجوههن التي غزاها الذبول ، يتطلّعنَ الى مشترين محتملين ،


( ........ يراهم الآن قبل عامٍ واحدٍ من إعتقالهم ، يركنون سيارتهم ، سيارة محمود ، الفولكس فاغن ، البرازيلي الحمراء ، على الجانب الأيمن

من شارع العلاوي ، غيرُ بعيدعن بائعات الدجاج والبط ، ، ينزل هو أولاً ، ثم من الباب الآخر ينزل حيدر حنون ، يطفيءُمحمود محرك السيارة،

فينقطعُ ، فجاةً ، صوت حسين نعمة ، كلمات (( غريبة الروح )) موجعةً في خواطرهم ، سُلطانها طاغٍ ، جعلهم صامتين ، طوال الطريق من حي الجزائر

الى هنا ، اقفل محمود باب السائق ، عبروا طارمة محلات بيع الفواكه ، كانوا متجهين الى محل جوني الآثوري للمشروبات الكحولية ، قرب كراج الدغارة،

حين وصلوا الى نهاية سوق التجار ، رأوا صبيةً يُمسكونَ أكياساً من الخيش ويُحكمون إغلاقها من الأعلى ن وكانت الأكياس مُثَقَبَةً ثقوباً صغيرةً من جوانبها ،

وتصدرُعنها ، أصواتُ سقسقةٍ خافتةٍ وحركتها دائبةٍ ولكنها محبوسة ٌ ، داخل الأكياس ، والصبيةُ يصيحون ؛ زرازير الواحد بخمسةٍ وعشرين ، زرازير الواحد

بخمسةٍ وعشرين ، وكان تسمّرَ لحظتها ، لايستطيع المشي خطوةً واحدةً ،عندها سألهم عن عددها ، قالوا ؛ إثنان واربعون زرزوراً ، اخرج الدينار الوحيد من جيبه

عَرَضَ شراء الأكياس الثلاثة ، بدينار ، فوافقوا ، في تلك اللحظة ، طلب منهم فتح الأكياس على وسعِها، نظرالصبية الى بعضهم ضاحكين ، ثم فتحوا الأكياس الثلاثة ،

، إنطلقت الزرازير في غيمةٍ خضراء صاخبةَ الرفيف ، تصعدُ نحو السماء بفرحةِ الحرية ، وفؤجي ء ، هو ، بتصفيقٍ لا إراديٍ حادّ ،من جمع الناس المُتَحلّقين ،تصفيقاً

شبيهاً بخفقِ أجنحة الزرازير الصاعدة نحو السماء ، وإنّهُ رأى الشاب العشريني ، يخطو نحوهُ ، من بين الجمع ، كَمُّ قميصهِ الايمن ، تتدلى ، فارغةً بلا ذراعٍ ، في


عينيه خجل ريفي ، قالَ؛ إنّها إعاقةُ حربٍ ، خوية ، يدي اليمنى بقيت في المحمرة وأنا هنا لا أستطيع التصفيق مثلهم ، ورأى ، في عينيه ، إبتسامةٍ مقهورة ، وشعرَ بنفسه وهو

يضمّهُ ، بقوةٍ ، إليه ، وعلّقَ أحد الاشخاص الواقفين - هل هذا اليوم هو يوم تبييض السجون ؟ فإرتفعت الضحكات من بين الناس الذين تجمّعوا ، كانوا حشداً من عمالٍ وأفنديّة

ونسوةٍ متبضعات ،وجنودٍ قادمين من الحرب في إجازاتهم ، يقضون أيام الإجازة السبعة ، واقفين عند نهاية سوق التجار ، بثيابهم المدنيّة ورؤوسهم الحليقة ، ينظرون الى الناس

والأشياء بعيون نهمة الى الحياة ، ربما هي آخر النظرات التي يرمقونَ بها هذا العالم ، قبلَ ان تاكلهم الحرب ،.....وأحسّ ، أنّ الأرض َ ، تحت ، قدميه ، رَ خِصَةً ، وإنّهُ يطير

، في هذه اللحظة ، نحو السماء ، يشعرُ ببرودة الهواء النقي ، في الأعالي ، وهو فوق المدينة الآن ، اعلى ، كثيراً ، من خزانِ مائها الحديدي ، وأعلى من سكلة السمك وعلوة الخضراوات

، يرى بيوتها الصغيرة , ينظرُ، بعطفٍ ، الى ساكنيها من البشر ، اهلها الأرضيين ، مُكبذلين الى إسفلت شوارعها ، بحبالٍ لامرئية .......))



إ لتفتا سويّّة الى مصدر الصوت ، صوت صرير الدبابات الأمريكية ، على إسفلت الشارع ، يسري ، تحت جلد ه ، بقشعريرة مزعجة ، وجنود الدبابات ، في ابراج المراقبة ، يرتدون

خوذاتهم المُرقّطة ونظاراتهم السود ، فوّهات بنادقهم تدورُ ، بحركةٍ نصف دائرية ، مصوّبةً فوّهاتها الى حشود الناس ، وحاول أن يقف ، وتذكر إنّها امسكته من يده وسحبته الى فرعٍ صغيرٍ

يؤدي الى شارع المصورين ،....



- كامل أين رحت ؟

- لا أبداً ، تذكرتُ ، فقط ، مارأيناه اليوم ، هل رأيت كيف يوجّهون اسلحتهم الى الناس ؟

- رأيت . بالمناسبة ، كان ممكن جداً أن يطلقوا النار عليك

- شكراً لإنقاذك حياتي

- لك مطلق الحق في أن تسخر أولاتصدق ولكن ثق تماماً بأنهم قادرون


- ثقي إنني لااسخر ، اردتُ أن أقول إنه إحساس شخصي بالمهانةفقط ، ليس بطولة بل إحساسٌ بل العجز التام


كانت تنظرُ إليه بإندهاش ، تحاول أن تستوعب صمته ، وإنّهُ يبدو كالغائب ،وفكّرت إنّهُ ، لاريب ، صريعٌ آخر للحنين ، مثلها تماما ، ورأتهُ يتامل النهر ، نظرتهُ وديعة، لكنّها حزينة،

وسألته - هل تفتقدهُ ؟

وعرف أنّها تقصد محمود ،

- أنا لم أنسه أبداً . قال


- أما أنا ، قالت : فمنذُ اليوم الذي إعتقلوهُ فيه ، صارت تذهب الى محطّة السكك الحديد في حي السكك ، تظلّ واقفةً في بهو المحطّة ، في إنتظار قطار الرابعة ظهراً

، وكانت تعرف أنّ تلك العربات الطويلة الخضر ، لم تكن لتحمل ايّ وعدٍ ، ولكنها أرادت أن تمسك بتلك اللحظة المشتركة (( بين روحينا )) تلك اللحظة

المُعلّقة ، أراها ، بكل تفاصيلها ، في ذلك المكان ، هل تعرف ما أعني ؟ أقصد عندما تفتقد إنسانا بشكلٍ موجع .. و قالت ؛ إنّهُ ركض إليها ، نازلاً بسرعةٍ ،

من العربة ، متقدماً (( بابا )) وإحتضنها وأحاطت هي بجسده الصغير ، جسده ذي السنوات العشر وكانت ، هي ، تكبره ، بأربعة اعوام ، وقال لها إنّهُ

إفتقدها ، وأن بغداد جميلة لكن مدينة الطب كئيبة ومملّة ، كان ذلك بعد اسبوعين من مرافقة بابا ...مرات اجد نفسي وحيدةً في المحطّة لايوجد ناس

دا تفهم وايضاً ليس هناك قطار ياتي في الرابعة .. ماكو قطار...

وسكتت فجأةً ، ورأت أن القمرَ امسى صغيراً وبعيداً في السماء ولكنّه سائلٌ وفضيّ ٌ في مياه النهر ، وعندما نظرت أليه وجدته يُمعن النظر إليها

ورأت في عينيه دموع وقالت له بحنان - ياه ، انت ايضا تعيش في الأمل ؟

- كلنا نعيش في الأمل

- اعني إنني طالما فكّرتُ إنّهُ حي ٌ ,في مكانٍ ما ، وسيأتي يوماً ما ، ربما أكون واهمة ً، ولكن إثبت لي إنني واهمة ، أنت تعرف إنهم كذابون ، أقصد

حين أتى رجل الأمن ، سلمنا ورقة ، ورقةً فقط ، تقول الورقة إنّهم اعدموه ، قبل ذلك ، كانوا يأتون لأمي ويقولون لها إشتري حياة إبنك ، ماقيمة عشرين

الف أمام حياته ، كانوا يعرفون أنها سيده ثرية ، قالوا لها إنهم سيُزيلون إسمه من قائمة المحكومين بالإعدام ، سيجعلون الرقم أربعة عشر من مجموع الثلاثة

وعشرين وليس خمسة عشر ، وقد ماتت من الحسرة بعد شهرٍ من تسلّمنا تلك الورقة ، كانت تظن أن رشوتهم ستوقفهم عن ..


- كانت ساعة متأخرة من الليل ، فتحوا مزاليج أبواب السجن بحركةٍ صاخبة ، صاحوا على أسمه بصوتٍ مـهدّد ، قال ؛نعم ، فتحوا باب الزنزانة ، وضع

العريف عباس العصابة على عينيه ، بينما قيّده المفوّض مكي بالقيد الحديدي ، سحبوه خارج الزنزانة ، كان ، هو ، في تلك اللحظة يسترقُ النظر من شباك

زنزانته المُقابلة لزنزانة محمود ، وتذكّرَ نظرة عينيه ، عينيه الزرقاوين ، كانّما توقفتا ، في لحظةٍ ، على شيءٍ ما ، يراه وحده ، لم ينسَ ابداً تلك النظرة ،

بعدها مرّ الوقت ثقيلاً ، وشعر إنّه نام لبرهة ، حين اوقضته المزاليج وهي تُفتح بقوة ، وشعر بهم يدخلون ، وكان ذلك ساعة الفجر ، كانوا اربعة هذه المرة ،

فتحوا باب الزنزانة والقوه فيها ، تذكّر الصوت المكتوم ، لجسده ،على البلاط الإسمنتي لأرضية الزنزانة ، أنتظر ليذهبوا ، بعدها ، ناداه هامساً ، محمود ،

محمود ، لم يتلقَ إجابةً ، في الصباح ، أتى الشرطي عبد الزهرة ليخرج السجناء الى الحمام ، حين فتح باب الزنزانة وجده ملقى عليها ، عيناه مفتوحتان

بتلك النظرة ، نفسها ، النظرة المتفاجاة بشيءٍ تراه وحدها ، ركله عبد الزهرة بقدمه ، فإرتدَّ عليه الجسد ، اسرع عبد الزهرة لُيبلغ عن موت السجين في الزنزانة

رقم 4

عندما كانت تستمع إليه ، إنتبه ، الى أنها كانت تشهق بقوةٍ ، كما لو أن العالم فرغ ، فجأة ً من الهواء ، ورأها تطلب النَفَس ، وإحتظنها وصعدا الدرجات

الى الشارع ، وكانا يسيران في الظلمة المتصلة ، ورأى هو عشرات من أكياس الخيش تخرج منها الزرازير أجنحتها تخفق بقوة طائرة نحو السماء، غيمة خضراء

مجنونة




بنسلفانيا
10 - حزيران - 2008











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال


.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما




.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم


.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا




.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور