الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمات رهينة في حضن المحاصصة

موسى جعفر السماوي

2008 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


عندما تتفاقم الأزمات وترمي بثقلها على حركة التغيير والإصلاح وتقيدها يستوطن التخلف في مقاصل حياة المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لقد رافقت هذه الأزمات شعب العراق منذ تأسيس ما يسمى "بالحكم الوطني" عام 1921 الذي هو نفسه أزمة حكم الأقلية للأكثرية "حكم الخارجين عن إرادة الشعب الوطنية" وظلت تتوالد وتكبر وتتعقد وتتأصل برعاية أنظمة وحكومات تعاقبت على حكم العراق وكان أعنفها الاستبداد البعثي المتخلف حتى يومنا هذا دون أن تمتد إليها يد أمينة تحلحلها.
وفي ظل الغزو والاحتلال الأمريكي اللذان أضافا إليها تداعيات الغزو وما سمي بأخطاء قوات الاحتلال وسلطته المدنية ازدادت شراستها وتعاظمت أضرارها وفي مقدمتها انحدار نسبة كبيرة من السكان إلى العيش تحت مستوى خط الفقر إذ لم يعد دخلهم الشحيح يقوى على مواجهة الغلاء والإنفاق على الكهرباء والوقود وخلال خمس سنوات علق وزراؤهما تقصيرهما على التقادم والإرهاب وقلة التخصيصات المالية والعواصف والأمطار والسرقة وضعف الحراسات، وأخيراً انتقل الوزيران إلى تبادل التهم، فوزير الكهرباء يقول: لو جهزتني وزارة النفط بالوقود الكافي لأنجزت كذا ألف ميكاواط! ويرد وزير النفط فيقول: لو أن وزارة الكهرباء جهزتني بالطاقة الكافية لأنتجت كذا مليون برميل من الوقود! وتبقى الأزمة تنتقل نحو الأسوأ ويستحوذ الإرهاب والفساد المالي والإداري على قسم كبير من إيرادات ثروات الشعب الوطنية ويتزايد الإنفاق الحكومي دون تحقيق جدوى متسبباً بارتفاع الأسعار لاسيما المواد الغذائية وارتفاع التضخم النقدي وتكريس البطالة.
وتنفذ الحكومة خطة فرض القانون وملاحقة الخارجين على سلطته، إنها عملية في غاية الأهمية لتحقيق الأمن والاستقرار للمواطنين وحماية أرواحهم وممتلكاتهم. ولو اقترنت بتطليق المبدأ القاتل "الرجل المناسب في المكان المناسب" متميزاً بالكفاءة والوطنية مع مداهمة جدية لدوائر الدولة وأجهزتها لاجتثاث الفساد دعامة الإرهاب وغسل الأموال، لتحققت نجاحات أكبر وأكثر رسوخاً. وتمر السنين "والتحرير!" لم يحرك ساكناً باتجاه التنمية الاقتصادية المستدامة فلا إعمار للبنى التحتية المدمرة ولا تشغيل للمصانع المتوقفة ولا خطوة نحو تطوير الزراعة التي استقرت في الحضيض، فلا إنتاج يلبي حاجة السوق اليومية ولا فائض يوفر للأمن الغذائي حتى أصبح الشعب يعتمد في غذائه على المستورد وتحمل نتائج عدم صلاحيته للاستخدام البشري.
إن الاستيراد العشوائي وإغراق السوق بالسلع والمنتجات الغذائية الرديئة وتأثيرها السلبي على حركة الاقتصاد العراقي الصناعي والزراعي، وحركة الإصلاح التي تقودها وزارة الصناعة بهدف التثقيف بالخصخصة، وغياب التخطيط وإهمال الكفاءات العلمية العراقية، يؤكد حقيقة أن الأجهزة الاقتصادية في الحكومة وفي المجلس النيابي وجهات سياسية في العملية السياسية تسعى إلى تحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد السوق الحر. وأي بلد متخلف كالعراق إذا ما دخل في السوق الحرة سيتحول اقتصاده مرغماً إلى اقتصاد ريعي ـ استيرادي يوظف إيراداته النفطية لاستيراد سلع استهلاكية صناعية وزراعية يسد بها حاجة السوق. وتلك كارثة تسلب الشعب والأجيال القادمة حقهما في ثروتهما الوطنية وتجبرهما على العيش تحت وطأة البؤس والحرمان وتحول دون رؤية دولة القانون والديموقراطية والرفاه حتى في الأحلام. ودافع كهذا يتطابق مع الإستراتيجية الأمريكية.
وحكومة عدد وزرائها يغطي حاجة ثلاث حكومات، اقتضتها لملمة التوافق العرقي والطائفي، تتقاضى ما يثقل ميزانية الدولة، أهملت برنامجها الذي حصلت على أساسه ثقة البرلمان، وانصرفت كتلها إلى السياسة لتحقيق النفوذ والمصالح الخاصة. وفي خضم صراعها ضاعت الوطنية والشعور بالمسؤولية تجاه الشعب المحروم الذي تلقى وعوداً كثيرة بالرفاه، ليس لها أخت بين حكومات العالم في الزعل والمصالحة والابتزاز وسوء الظن القاسم المشترك بينها "كلمن يحوز النار لكرصته".
وتتزايد هموم الناس على مفردات البطاقة التموينية التي تتناقص وتسوء نوعيتها لاسيما مادة الطحين والفقراء قلقون ومخاوفهم مشروعة تجاه أزمة الغذاء العالمية ويأملون أن تكون وزارة التجارة ومؤسساتها قد أعدت ما يلزم لإبعاد شبح المجاعة.
ويعلن وزير المالية أن ميزانية عام 2008 هي انفجارية والأولى من نوعها في التاريخ ثم يخصص لها 28 مليار دولار لسد النقص فيها لتصبح 70 مليار دولاراً وفي نفس الوقت يدور مسؤولون حول العالم لاستجداء قروض تافهة...
ومهما كبر حجم أموال الميزانية فانها تبقى في نظرا لمواطن ميزانية خاصة لا تنفع إذا لم تتجه نحو التنمية الاقتصادية المستدامة التي تستأصل الأزمات وتحدث التغيير والإصلاح وبتحقق الرفاه الموعود. وهذا لم يحدث لأنه يتعارض مع توجهات المحاصصة العرقية والطائفية أم الأزمات والحلقة المركزية في سلسلتها.
وخلال ما يزيد على خمس سنوات تستضيف المؤتمرات والندوات والطاولة الاقتصادية لمؤسسة المدى رجال الفكر والثقافة من ذوي الخبرة والكفاءة والاختصاص للتداول في الشأن العراقي والهموم التي طفح كيلها. وخرجوا بآراء وبحوث قيمة ذات نهج علمي في التعبير عن الواقع المأساوي والحرمان الذي يعيشه الإنسان في بلده الغني، تناولتها وسائل الإعلام من داخل العراق وخارجه، ورغم أهميتها لم تلق استجابة من لدن الحكومة لكنها أسهمت في إغناء الثقافة الوطنية وتثقيف الناس وتوعيتهم سياسياً واقتصادياً وبما يوفر لهم حصانة واعية ضد الجهل وفي التنبيه إلى خطر بقاء المحاصصة التي تعيق تقدم العملية السياسية وتهدد بالضياع مستقبل الديمقراطية والسيادة الوطنية في العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توسع الاحتجاجات الجامعية في أنحاء العالم


.. إجراءات اتخذتها جامعات غربية بعد حرب إسرائيل على غزة




.. استشهاد فلسطينيين أحدهما طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزلا شر


.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع




.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر