الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الوأد

سعدون محسن ضمد

2008 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


يخيل إليَّ دائماً أن البيت الذي تُقْمع فيه الأنثى سيبقى بيتُ أعزبٍ مهما تكاثرت النساء فيه. أما لماذا، فلأن الأنوثة ثقافة وسلوك وهي بالتأكيد نمط خاص في الحياة يجب أن يسير بمحاذاة النمط الذكوري.
الأنوثة أكبر من الجسد، ولها اشتراطاتها الخاصَّة التي تختلف عن اشتراطات الذكورة، ومن أجل أن تكتمل إنسانية البيت يجب أن يترك للأنثى تتحكم به على سجيتها، لتملؤه بسحرها الخاص. أو يبقى بيت أعزب لا تشم منه غير رائحة الزعيق.
يجفُّ البيت بعد خنق أنوثة نسائه.. يتصحر.. يموت. وهذا ما يحدث داخل بيتنا الكبير.. داخل العراق. فالعراق بلا أنثى الآن، ذلك أن أنثاه انهزمت منذ أمد بعيد، يوم دخلت حربها الخاسرة مع الذكور. ولذلك لم تستطع أن تمنح بيتنا أنوثته التي يستحق. الأنوثة مقتولة في أجساد نسائنا لأنها محاصرة بالبنادق.
لهذا السبب اندهش غيث عندما طلبت منه أن يحصي لي عدد الألوان من حوله. كنا نتسكع في الباب الشرقي، وكان قد رفض شراء قميص بألوان زاهية. وعندما سألته عن سبب رفضه شراء القميص (زاهي الألوان) لم يرد علي سوى بابتسامة بدا عليها أنها خاسرة. لم يستغرق وقتا طويلاً من أجل أن يحصي لي الألوان من حوله، فقد كانت قليلة جداً. ولذلك فقد استغرب.. استغرب كيف أن الألوان غائبة عن حياتنا، واستغرب كيف أنه لم يشعر بهذا الغياب من قبل.
صححت له المعلومة يومها. أخبرته أن الأنثى هي الغائبة وليست الألوان، ذلك أن تعدد الألوان من أنوثة الثقافة. طلبت منه بعد ذلك أن يحصي لي عدد النساء من حولنا. وهنا كانت دهشته أكبر، فلم يجد إلا عدداً قليلاً من النساء المحاصرات بالسواد والمبعثرات بين أفواج هائلة من الرجال. لا يوجد في بغداد (العاصمة) بيوت بلون أحمر غامق، أو أخضر حشيشي، أو أصفر فاقع، الألوان ميتة في مدينتنا، لأنها مدينة ذكور. أقلب بغداد رأساً على عقب ولن تجد فيها ملامح الأنثى لا في المرافق العامة ولا على واجهات البيوت. لأن الأنثى ممنوعة من أن تسهم ببنائها. لهذا أريد أن أقول أن بغداد مدينة عُزّاب.
نعم توجد في بغداد نساء لكن أنوثتهن مهدَّدة بالبنادق ومحاصرة بالسواد... نحن نحاصر نساءنا بلون الموت. لأننا نخاف من انوثتهن لهذه الدرجة وأكثر. لقد حوَّلنا جسد المرأة العراقية لمقبرة ودفنّا تحت ترابها كل شهيق الأنوثة وزفيرها.
العراقية لا تملك من جسدها إلا دائرة وجهها الصغيرة. لذلك لا يعود غريباً أنك تجد الألوان مكدَّسة على هذا الوجه. لأن الألوان كثيرة والمساحة المخصصة لها صغير جداً.
في رواية ليلة القدر للطاهر بن جلون يتحدث الروائي عن رجل لم يُرزق سوى بنات. فقرر أن يحول إحداهن لذكر، وهكذا راح يحاصر أنوثتها بخبث ودهاء. منعها من الاختلاط بأخواتها، علَّمها كيف تترفع عليهن حاول أن يغرس فيها نبت الغطرسة والقسوة. وهكذا إلى أن اضطر آخر الأمر لقص شعرها وشد صدرها بحزام من القماش لمنعه من إرشادها إلى مسار الشهوة داخل جسدها الغض. المهم تصل الرواية لذروتها عندما يحين موعد موت الأب. وهنا تجلس ابنته (مخنوقة الأنوثة) عند رأسه لتحاسبه حساباً مريراً وطويلاً. ثم لتقرر بعد موته أن تهرب من ازدواجية لم تعد قادرة على التعايش معها. وأول شيء تفعله البطلة أنها تمزق حزام القماش الذي كبس على أنوثتها عمرها كله. عند ذاك تستنشق عطرها الخاص، وتنطلق شهوتها عارمة باتجاه الحياة.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشييع شهيد سقط برصاص الاحتلال الإسرائيلي في بيت فوريك بالضفة


.. رغم سيطرة الاحتلال على المنطقة.. القسام تنجح في تنفيذ كمين ض




.. موكب دراجات نارية بمسيرة لدعم غزة في النرويج


.. نازحون في غزة يستغيثون: -تحملنا فوق طاقتنا وكل يوم ناكل رمل-




.. وزارة الصحة السعودية تؤكد للعربية عدم تسجيل أي أمراض معدية ب