الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل، شماعة العرب الأبدية

هوشنك بروكا

2008 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


أثارت مصافحة الرئيس العراقي جلال طالباني لوزير الدفاع رئيس حزب العمل الإسرائيلي إيهود باراك، ردود(لا بل ردات) فعل عربية رسمية وشعبية كثيرة، ما أدى إلى "تفريخ" و"تفخيخ" الكثير من الأسئلة الكبيرة والصغيرة، عربياً، حول هذه "المصافحة الملابسة"، وكأن الرئيس ارتكب بها جرماً، لا أول له ولا آخر، بحق العروبة وعراقه.
ويمكن اختصار غالبية ردود الفعل العربية المتشنجة والممتعضة، في طلب النائب عن كتلة التوافق السنية ظافر العاني، الذي استدعى فيه طالباني لشرح ما أسماه ب"ملابسات مصافحته" لإسرائيل.
حجب العاني الذي ركب الخطاب العربي الخشبي الميت، منذ زمانٍ كثيرٍ مضى، حق مصافحة كل العراق الرسمي والشعبي لإسرائيل، قائلاً: "ليس مسموحًا لأي رئيس حزب حتى وإن لم يكن في السلطة بل ولا حتى لأي مواطن عراقي أن يقيم علاقات مع دولة عدوة لم تعقد بيننا وبينها أي هدنة"(إيلاف، 04.07.08).

المصافحة، كما نقلتها وسائل الإعلام، تمت عبر وساطة أعلى يدٍ فلسطينية 100%، حيث أنّ الرئيس محمود عباس هو نفسه، لا غيره، من قام بتقديم باراك إلى الطالباني، ووضع يد إسرائيل في يد العراق.

ولكن الغريب في الخطاب العربي الراكد، الذي عوّدنا منذ نعومة أظافرنا، على "عداوة إسرائيل وكره يهودها"، وعلى "وحدة وحرية واشتراكية" العربان، التي "ستلقي بدولة العدو في البحر" عاجلاً أم آجلاً، وعلى "الإيمان الأكيد" ب"قضية فلسطين" المؤكدة، التي "سيفوز فيها العرب بالوجود الأكيد، مقابل سقوط أو إسقاط إسرائيل وشعب يهوه في لاوجودهم المؤكد"، هو أن هذا "الخطاب الهباب"، يقول فلسطين ويقوّلها، ويركبها ويركّبها، منذ ستة عقودٍ مضت، بالتمام والكمال، فيما هذه تخسر فلسطينييها، زماناً إثر آخر، بذات المثل الذي يخسر هؤلاء ولايزالون فلسطينهم.
هذا الخطاب الماضي جداً، الذي اتخذ من إسرائيل "شماعةً عربيةً" لصناعة "الوجود العربي" المفترض، عبر "ثقافة إما...أو"، أو "ثقافة إما نحن وإلا فلا"، أو "ثقافة نكون أو لا نكون"، أثبت خواءه وإفلاسه المبين، منذ "معارك العرب المصيرية" التي خرجت منها "الأمة المصطفاة من بين كل الناس"، وعرّابوها وراكبوها، بلا حمص، وبلا مصير، ولا هم يحزنون.
هذا "الخطاب العنتري المناضل جداً" على الورق وفي الآذان فقط، والذي أخذ على نفسه عهداً أبدياً بركوب رأسه، أوصل القضية الفلسطينية من مرحلة "دولتين لشعبين جارين"، واحدة للفلسطينيين على مساحة 45% وأخرى لليهود على مساحة 55%، بحسب قرار التقسيم الخاص بالأمم المتحدة عام 1947، إلى مرحلة "دولتين لشعبين عدوّين"، دولة لإسرائيل "مركزية"، قوية، علمانية، موحدة، على مساحة 78%، و"دويلة" لفلسطين(لا بل دويلتين)، طرفية، ميليشياتية، هشة، منقسمة بين أمراء "دويلة حماس" و"دويلة فتح"، على هامش فلسطين، بمساحة أقل من 22%، حيث لا يزال الأخذ والرد بهذا الخصوص جارياً على قدمٍ وساق، في كل مؤتمرات العرب ومفاوضاتهم السرية والعلنية، مع "إسرائيل العدوة".

في خطابه التاريخي، أمام الكنيست الإسرائيلي، في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1977، قال الرئيس المصري الراحل أنور السادات: " لقد أعلنت أنني سأذهب إلى آخِر العالم. سأذهب إلى إسرائيل، لأنني أريد أن أطرح الحقائق كاملة أمام شعب إسرائيل".
وفي سياق خطابه الواضح آنذاك، طرح السادات "حقائقه"، بوضوحٍ، أمام الإسرائيليين، سأكتفي ههنا بذكر واحدةٍ منها، في وقت لا يزال الخطاب العربي الرسمي والشعبي، على مستوى المواقف الحاسمة من القضية الفلسطينية، بعد أكثر من ثلاثة عقودٍ مضت على وضوح الرجل، يكاد لا يزال هو هو، لا واقعياً، متخلفاً، رجعياً، ينظر إلى الوراء، أو يراوح مكانه، في أحسن الأحوال.
يقول السادات في "حقيقته الثانية"(من بين خمس حقائق،اعتبرَها بأن لا مهرب لأحد من الإعتراف بها): " إنني لم أتحدث ولن أتحدث بلُغَتَيْن، ولم أتعامل ولن أتعامل بسياستَيْن. ولست أتعامل مع أحدٍ، إلاّ بلُغة واحدة، وسياسة واحدة، ووجْه واحد".
الرجل قال سلامه صراحةً، وعلى المكشوف، وذهب في وضح النهار على "قدمين ثابتتين"، واضحتين، إلى وضح "إسرائيل الواضحة"، ودخل إليها من أوضح أبوابها، والقى في "كنيستها" خطابه الواضح، عن سلامٍ واضح مع الإسرائيليين، لأجل الوصول إلى "دولتين واضحتين لشعبين واضحين".
أما عرّابو هذا الخطاب، القادم من صحارى العقل العربي الماضي، المعتلون لصهوة "ثقافة فتح الآخر"، و"الجهاد ضد الآخر"، و"تكفير الآخر"، و"جلد الآخر"، و"مقاطعة الآخر"، و"كره الآخر"، و"الإستعلاء على الآخر"، فيركبون أكثر من سياسة، ويتكلمون فيها بأكثر من لسان، ويواجهون الآخر بأكثر من وجه: سياسةٌ في الليل وأخرى في النهار، ولسانٌ لليل وآخرٌ للنهار، ووجهٌ في الليل وضد يمحوه آخر في النهار.

عملياً، كما تشهد الموائد والقمم العلنية والسرية، التي تجتمع وتشتبك فيها أيادي "دولة اليهود" مع العرب الرسميين، فإنّ إسرائيل، في القواميس العربية، لم تعد بتلك "العدوة" اللدودة، التي يجب أن يبلعها البحر أو ترمى في أحشائه، اللهم إلا بالكلام ، وفي مؤتمرات الصوت العالي، المتخصصة في صناعة الشعارت الكبيرة، التي من الكلام إلى الكلام.
والحال، فإذا كان وضع أية يدٍ عربية في يد إسرائيل، تتهم على أنها "يد مشبوهة"، أو "ملتبسة"، أو "عميلة" لهذا وذاك، فأين هي إذن، "الأيادي العربية"، "الغير مشبوهة"، و"الغير ملتبسة"، و"الغير عميلة"، والخارجة على يد إسرائيل؟

سوريا التي كانت بحسب "فطاحل" هذا الخطاب الناري العروبوي، "قلعة الصمود والتصدي والصخرة العربية التي ستتحطم عليها إسرائيل ومشاريعها الصهيونية"، ها هي تخرج أخيراً من شرنقة "سياستها الليلية" مع إسرائيل، وتفاوضها في وضح النهار، وبلسانٍ طالما توعد بعثيوها بقطعه ومحوه عن بكرة أبيه.
هذه "القلعة البعثية العروبية"، نموذجاً للخطاب العربي المزدوج، تفاوض هذه الأيام لا بل تسجدي إسرائيل في تركيا، عبر مفاوضات سميت ب"اللامباشرة"، بينما تؤجج شارعها من دمشق إلى القامشلي، ل"معاداة اليهود وإسرائيلهم"، ولا تزال تصر على "صناعة الأعداء"، وتستعدي كل من يسمع إسرائيل ويشاهد إسرائيل ويقرأ إسرائيل، ويغازل إسرائيل، فضلاً عن أنها لن تتردد في "قطع" كلّ يد "تُمد" إليها، ل"ضرورات تقتضيها مصالح الأمة العربية، قومياً ووطنياً وأمنياً"، أو تحت أية ذريعة أخرى جاهزة سلفاً.
منذ حوالي أربعة عقودٍ مضت، و"سوريا الأسد"، تقتل داخلها وتسجنه وتجوّعه وتحكمه ب"القانون الطارئ"، بحجة إسرائيل "الطارئة"، و"الأعداء الطارئين" المهددين لأمنها وعروبتها.

ففي الوقت الذي ذهب السادات إلى إسرائيل ودخلها من "الباب"، سمعنا ورأينا الكثيرين ممن "خوّنوه" و"عمّلوه" و"عادوه"، و"أسقطوه" من حق العروبة وأخواتها، قد دخلوا إلى إسرائيل من شبابيكها، أو رموا أنفسهم مع سلامهم الموقّع على بياض، في أقرب "طاقةٍ" تؤدي إلى قلب إسرائيل.

اليوم وبعد كل هذه "الأيادي العربية" التي دخلت أو ارتمت أو سقطت في يد إسرائيل، طوعاً أو كرهاً، وبعد ستين سنةٍ من "ضياع فلسطين"، وتضييع الشعوب العربية، في فخاخ هذا "الخطاب الهباب" وسياساته "الجهادية"، "الإنتحارية"، الفارغة من كل الدين وكل الدنيا، لا نزال نسمع الزعيق ذاته، و"الأمة العربية ذاتها"، و"الصمود والتصدي ذاتيهما"، و"فلسطين ذاتها"، والتي لم يبقَ منها سوى خمسها، فضلاً عن أنها باتت قاب قوسين أو أدنى.

ممثل فلسطين ورئيسها المنتخب شرعياً الرئيس محمود عباس، يتوسط في مصافحةٍ عابرة على هامش مؤتمرٍ، تمت بين "إسرائيل بارك" و"عراق الطالباني"، ومع ذلك لا زال دعاة هذا الخطاب يريدون خداع عربانهم أو الضحك على ذقونهم، بأنهم أصحاب فلسطين أكثر من أهليها، كما يحاولون كل جهودهم، بأن يوجهوا شعوبهم إلى "فلسطينهم المفترضة" ومشكلتها الضائعة المضيعة في رنين خطاباتهم وهي تسقط أرضاً، أكثر من توجيههم إلى أوطانهم الواقعة، ومشاكلهم المستفحلة، في داخلهم، وما أكثرها.

قبل أكثر من حوالي عقد ونصفٍ من الزمان، سئل الطالباني عن "المسافة الفاصلة بينه وبين فلسطين وقضيتها"، فأجاب معترضاً على بعض السؤال: "لماذا تريدونني أن أكون فلسطينياً أكثر من عرفات، وكاثوليكياً أكثر من البابا".
حينها كان الطالباني رئيساً لحزب وصل إلى كردستان قلقة، حرجة، غير مستقرة، وغير واضحة المعالم.
الآن، الطالباني هو رئيس العراق، ورئيس حزبه الذي يملك نصف كردستان، ونائب رئيس منظمة الإشتراكية الدولية، فضلاً عن أنه سياسي يشهد لحنكته كردياً وعربياً ودولياً، رغم ما يسجل عليه من "شطحات سياسية"، هنا وهناك، من قبيل لااستقراره على "دين سياسي" محدد، وعدم تعوده على الاستحمام في "نهر سياسي" واحد مرتين، فهو يتبدل بسرعة، ويغير جلده بسرعة، وينسى أو يتناسى ما كانه بسرعة.

والحاصل، فإن السؤال الممتد من "الطالباني القلق" في العراق الماضي السابق، قبل ما يقارب ال15 عاماً، إلى "الطالباني الواثق" في العراق الراهن اللاحق، هو:
لماذا لم يترك ليده في يد باراك أن تقول ما تشاء، ويمشي، تاركاً الآخرين من العروبويين، ركاب جراحات فلسطين، ونكباتها، منذ أكثر من نصف قرنٍ من الزمان، أن يقولوا في يد "المصافحة" لإسرائيل وبارك(ها)، وفي إسرائيل، وفي "صراعهم" الهوائي الأبدي مع "كيانها" ما يشاؤون؟
ما حاجة الطالباني إلى "تبرير" يده التي سبقتها "يد فلسطين" نفسها، إلى يد بارك، عبر بيانٍ لحزبه، طالما أنه تكاد لا توجد يد عربية "بريئة"، لم تذهب إلى إسرائيل، أو لم تمَد إليها، سواء سريةً أو علانيةً؟
أخيراً وليس آخراً، لماذا لم يكرر الطالباني "صحيحه"، الذي أسمعه للعالم قبل حوالي خمسة عشر عاماً، بصحيحٍ مقارب: "لماذا تريدونني أن أكون فلسطينياً أكثر من محمود عباس، ومقاطعاً للسلام على إسرائيل أكثر من بشار الأسد؟"

سواء إن برر أو "برّأ"حزب الطالباني يده التي راحت إلى يد بارك، أو لم يبررها، فإن فلسطين ستبقى "القضية الملعوبة بها أبداً"، عروبوياً، مثلما ستستغرق إسرائيل العقل العربي، بإعتبارها شماعةً أبدية للعربان من أولياء أموره.
لا شك أنّ للفلسطينيين وفلسطينهم كامل حقوقهم المشروعة في إقامة دولتهم، كما لهم كامل الحق في تقريرهم لمصيرهم، كيفما ومع من يشاؤون أو بدونهم، بحسب المواثيق والصكوك المتعارف عليها دولياً، ولكن مثلما أهل مكة هم أدرى بشعابها، كذلك أهل فلسطين هم أدرى بشعاب قدسهم، وكذا أيديهم هي أدرى بشعاب أيدي "جارتهم" أو "عدوتهم" إسرائيل.
أما عرب المزاودات والشعارات الرنانة الطنانة، الذين وعدوا فلسطين، بأنهم "سيكبون إسرائيل في البحر"، مثلما يجتر أحمدي نجاد هذه الأيام الشعار ذاته، ويعد غزة وأمراءها بمحو إسرائيل من خريطة العالم، فقد حان لهم أن يشربوا من البحر، أو "يبلطوه" كما يقول المثل.
بعد كل هذا الخراب الممتد من "المحيط إلى الخليج، على العقل العربي أن يسأل نفسه: لماذا وعد شيوخه ومفتيوه المقدسيين وقدسهم بفلسطينهم وكذبوا، فيما وعد الأورشليميون يهودهم بإسرائيلهم وصدقوا؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تدرس نقل السلطة في غزة إلى هيئة غير مرتبطة بحماس|#غر


.. القوات الإسرائيلية تدخل جباليا وتحضيرات لمعركة رفح|#غرفة_الأ




.. اتهامات جديدة لإسرائيل في جلسة محكمة العدل الدولية بلاهاي


.. شاهد| قصف إسرائيلي متواصل يستهدف مناطق عدة في مخيم جباليا




.. اعتراضات جوية في الجليل الأعلى وهضبة الجولان شمالي الأراضي ا