الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتخيل الثقافي في المعيش السياحي

أحمد الخمسي

2008 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


جلست بدءا للاستراحة وقراءة الجريدة رفقة قهوة سوداء. لكنني وجدتني منشغلا عن الجريدة بجوار حديث شبيه بندوة تلفزية. جلس خمسة أشخاص في أوطا الحمام. يرتشفون الشاي. لهم خيط ناظم في حديثهم. كانت اللغات متعددة تتداخل. وكان اللباس في حده الأدنى من فرط الصيف ومن خفة ما تبقى من وزن الحرج. والحساسية منخفضة حد برودة ما يترقرق منحدرا من راس الما. والمعاني كما هي الكلمات. لا ظلال لها غير سن الطرز في المبنى المخيط. في حدود السعي لإبراز المعنى بما يكفي من الوضوح المائي الشفاف. وإن تلون، فلا يزيد عما يثقل الحرير.

أما الزخرف الحركي الذي لا تكلف فيه، فهو المرور، مرور الكرام، من الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية من سكان الشاون باللباس المحلي، يطبعه اللون الأحمر في المنديل و الشاشية. وأحيانا يمر ساكن بلباس الصوف التي لا تلائم حرارة الصيف. لكنها منسابة في هدوء صوفي لا يكدره شيء. سكان شفشاون كما قال محمد عبد الوهاب " وإنت ولا أنت هنا". وبالفعل، الزوار السياح وهم يتحملون المقتضيات كلها للحضور إلى شفشاون. سعيا للعيش في هدوء. هربا من سرعة التسابق نحو حافلة النقل الحضري أو نحو المكان المناسب لموقف السيارة. كأنهم هم الذين يصفون لا مبالاة أهل البلد: "أسهر وانشغل أنا".

وليس الاقتراب من العشب الأصلي لما يلف في سجائر قوية المشموم من الروائح، وحده الهدف. ولا البحث عن الثمن المناسب للعيش الهادئ. بل هذا التعايش بين من يلبس "من غير هدوم" وبين من يصلي في الجامع الكبير من غير ضجيج، هو الذي يرجع بالمتأمل إلى هذا التساكن بين المقيم والوافد وهم يقتسمون الموجود بتآلف عصي على الأيديولوجيا.

ساعتها تنتبه لمغربي يترجم لسائحة أجنبية بين الأربعة الآخرين، ما قرأه في الصحف بلسان أحد مواطني الجنوب، عندما ذكر إمكانية حضور هتنغتون إلى المغرب ليرى بالملموس والملبوس أيضا كيف تتعايش أنماط العيش في وسط واحد. عندما يقبل الجميع اقتسام مواد في المتناول. كان يتحدث عن تصريح لأندري أزولاي في الصحافة.

علق ثان، حول إمكانية التعايش بين مواطني العالم في مدينة متواضعة مثل شفشاون أو أصيلا أو الصويرة. وحتى عندما تتفاوت أثمنة أماكن المبيت في مراكش بكيفية صاروخية. فالمكان المشترك لا يكون سوى حيث تتواضع السلع المستهلكة. أي عندما "يحشم الاستعراض الطبقي على عرضه"، فيترك المكان للمشترك الإنساني: جامع الفنا.

وذلل الملاحظ المذكور على كلامه بالتساؤل عن سبب صدور المقترح البديل من ساباطيرو، اليساري الإسباني، معلنا تحالف الحضارات، مقابل ما أشهره السموأل هتنغتون من سيف الصراع بين الحضارات؟

والتساؤل من طرف المتحدث لم يكن سوى طعما لمن يريد لحظة مبارزة ثقافية، ليضيف لمعلوماته عبر الإجابة الاحتمالية المنتظرة. ولما انتبهت الأنظار بعد استكمال رشف الشاي، أخذ نفسا من لفافة أشعلها من صنع يديه. وقال: كنا نردد فيما سبق، بنوع من إظهار الحفظ عن ظهر قلب تفاصيل اللينينية، عندما كنا نرتب مقالات فلاديمير إيليتش أوليانوف حول "برنامجنا" ثم "من نحن؟" ثم "بما نبدأ؟"......إلى آخر المختارات...واليوم، من داخل النخبة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة، يرتفع التساؤل في شكل عنوان كتاب السموأل هتنغتون: "من نحن؟" غير أن الأصل في تساؤل النخبة الأمريكية العليا، يضيف المتحدث، هو ارتفاع نسبة المواطنين الأمريكيين بين عدد السكان الإجمالي في الولايات المتحدة إلى 10 في المئة، ناطقين اللغة الإسبانية في خمس ولايات في الجنوب لغة للتربية والتعليم وكذا جعلها لغة لإشارات المرور وكتابات الواجهات في المحلات التجارية.

يرفع هنتغتون درجة التخوف إلى مستوى تهديد النموذج الأمريكي في نمط العيش. القائم في نظره على الفردانية والبرتستانية واللغة الأنجليزية وعلى الربح. بينما يتبع النموذج اللاتيني الآتي من الميكسيك وكوبا وبورتوريكو نمطا مغايرا. يميل لكي يضع كل مجوهرات الفكر الغربي في خيط واحد وعقد واحد، من كوندورصي إلى غرامشي في القارة العجوز.

ويعتبر الرئيس الفينيزويللي على الطرف النقيض الثاني المواجه لهذه العجرفة الانغلوسكسونية تجاه الثقافة الأمريكولاتينية. امتدادا لإنسانية المسيحية الكاثوليكية بصيغة يسارية. وجها للمولدين والملونين ضد ادعاء النقاء في الجلد وفي "الكريدو" الأمريكي.

لم نذكر للقارئ أن الحديث انطلق على هامش التتويج الذي اقتطفه الفريق الاسباني في فيينا في كرة القدم، بعدما ثم للإسبان نفس تتويج التينس في رولان غاروس قبل شهر. ثم اشتعل حماس المناقشة بسبب التقاط تزامن الحدة في التنافس الكروي بين اللاتين والأنغلوسكسون، عندما ذكرت السائحة الفرنسية بما سيكون عليه برنامج ساركوزي بين هذا وذاك، ما دام يجسد ما يرفعه من شعار "القطيعة" ضمن الجمهورية الخامسة، خصوصا وهو يواجه الرفض الارلندي لاتفاق برشلونة، كتجسيد لرفض كاثوليكي لاكتساح انغلوسكسوني للاتحاد الاوربي معطوفا على أمريكا والحلف الأطلسي.

نعم، أكد صديقها المغربي: ما الذي يمكن لساركوزي أن يمثله ضمن هذا التحدي الآتي من القارة الجديدة، وهو ينهض من صلب القارة القديمة من تحت الرماد، بشعار الاتحاد المتوسطي؟؟ هل يجد نفسه أمام الجدار بسبب انعطافته المتأخرة لفائدة الليبرالية المتوحشة والتوجه اليميني الأنغلوسكسوني؟ أم يتمكن من اختراق ثنائية اللاتين /الانغلوسكسون في "تخريجة" ثالثة ضمن مصالح الغرب في المنطقة المتوسطية بما يجر الجميع نحو الرصيد الروحي الثلاثي الأديان في حوض المتوسط.

كما أن سباتيرو اليساري الذي يدعو إلى الكلام الثقافي عن حوار الحضارات، لا يبتعد عما يعمل ساركوزي من أجله، وما يلتزم به الاتحاد الأوربي من حزم لإغلاق المنافذ أمام سكان الضفة المتوسطية الجنوبية، وهو ما تضبطه السياسة الأوربية ككل، ضمن السياسة الأوربية للجوار. سياسة تدعي أنها شراكة للإصلاح؟؟؟ في الوقت الذي تعتبر نفسها سياسة لنموذج عيش، يقوم الاتحاد في سياسته الداخلية الاندماجية على حرية تنقل الأشخاص والأموال والممتلكات والخدمات.
إن السياسة الأوربية في مجملها، تميل للاصطفاف في صالح السياسة الأمريكية. وما دامت المنطقة المتوسطية مفتقرة لأي تجمع منسجم مقابل للاتحاد الأوربي، فالاتحاد المتوسطي، سيعاني تبعات الهوة بين المواطن الأوربي ومؤسسات الاتحاد الأوربي. وبالتالي، يتنهي تحالف الثقافات عند الأسوار التي يقيمها الاتحاد الأوربي نفسه ضد الهجرة من الضفة الجنوبية. ليبقى وحده العمل المشترك بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة وما ينتظرانه من الصين ومجمل آسيا من الصعود الاقتصادي الواسع الكاسح بعد عقدين من الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة