الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليساريون العرب: تصنيم-الحليف-

محمد سيد رصاص

2008 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


بعد انقلاب الكولونيل منغستو هيللا ميريام في يوم11شباط1977بإثيوبيا،واعلانه "تبني" الماركسية-اللينينية والتحالف مع السوفييت وهو ماترافق مع قمع واعتقالات غير مسبوقة للشيوعيين المحليين،نقلت الأحزاب الشيوعية العربية الموالية لموسكو تأييداتها للثورة الأريترية ولنظام الجنرال زياد بري في الصومال،الذي كان أيضاً"يتبنى الإشتراكية العلمية"ومرتمياً في أحضان موسكو منذ انقلاب تشرين أول1969،إلى تأييد لإثيوبيا في حربها مع الصومال حول اقليم أوغادينأيار77وإلى وقوف ضد الإريتريين،الذين كان الشيوعيون من مؤيدي ثورتهم منذ نشوبها ضد أديس أبابا في عام1961،إلى درجة أن أول خلاف نشأ في تحالف نظام البعث العراقي والشيوعيين المحليينمنذ انشاء جبهة تموز1973قد كان حول الصومال وإريتريا في ربيع ذلك العام بعد قليل من تعاونهما الوثيق في قمع"انتفاضة صفر"شباط77التي نظمتها الأحزاب الشيعية العراقية في النجف وكربلاء بمناسبة(أربعين الحسين).
لم يقلل من هذا التأييد الشيوعي العربي للكولونيل ميريام علاقاته العلنية مع اسرائيل ومع الكنيسة القبطية المحلية التي تعاونت أيضاً معه،كما في عهد الإمبراطور هيللا سيلاسي،في قمع مسلمي إثيوبيا40%،إلى درجة وجدنا الشيوعيين العرب(وأيضاً منظمات يسارية فلسطينية)لاينبسون ببنت شفة عن الدور الأساسي الذي لعبه الكولونيل ميريام في نقل واحد وعشرين ألفاً من يهود الفلاشا عبر مطار أديس أبابا إلى اسرائيل في أواخر1984وأوائل1985فيماأقاموا الدنيا ضجيجاً آنذاك حول دور الرئيس السوداني النميري في نقل مئات من هؤلاء كانوا في مخيمات اللجوء من المجاعة بشرق السودان،وذلك بعد أشهر من جلوس معظم هؤلاء الماركسيين واليساريين العرب على المنصة الرئيسية أثناء احتفال الإثيوبيين بالذكرى العاشرة لسقوط النظام الإمبراطوري بشهر أيلول من عام1984.
كان هذا التأييد لنظام الكولونيل ميريام ،الذي قال لماوقف أمام قبر لينين بأيار1977بأنه "يطبق سياسة لينين الداخلية في إثيوبيا"،مصحوباً عند الشيوعيين العرب التابعون لموسكو بنزعة ترى "الحليف"عند من يكون على علاقة جيدة مع موسكو،كما ترى"الخصم"و"العدو"أيضاً من خلال هذا المقياس،بغض النظر عن ارتباطاته وعلاقاته الأخرى وعن بنية نظامه وسياساته الداخلية،وهو شيء حكم أيضاً رؤية الشيوعيين العرب للعقيد جون غارانغ بعد انفجار تمرد أيار1983بجنوب السودان،الذي كانت علاقاته مع اسرائيل مترامية الأطراف وأيضاً له تأييدات واسعة ضمن الكنائس الغربية،حيث كانت صدامات حكم النميري مع الشيوعيين المحليين وموسكو(منذ فشل انقلاب19تموز1971)محدِدة لذلك إضافة لإصطفافاته اللاحقة لهذا الإنقلاب مع واشنطن والقاهرة والرياض،وليست البنية الأيديولوجية-السياسية ل(الحركة الشعبية لتحرير السودان) التي قادتها بسهولة إثر مرحلة سقوط السوفييت إلى تحالف وثيق مع واشنطن ضد نظام الفريق عمر البشير الإسلامي،في مرحلة انفض فيها تحالف الغرب والإسلاميين إثر انتهاء الحرب الباردة عام1989.
كان يجتمع في هذا العماء السياسي،الذي مارسه الشيوعيون التابعون لموسكو،نزعة التبعية تجاه"الفاتيكان الشيوعي"الممثل في الكرملين ومايَرسم من سياسات وعلاقات وتحالفات، المتضافرة-أي هذه النزعة-مع فقدان أي مشروع فكري-سياسي خاص عندهم أواستقلالية في رسم السياسات،ليصلوا من خلال ذلك إلى حالة من تحويل"الحليف"إلى أشبه بالصنم والوثن،الذين كانوا يتعاملون معه من دون رؤية تستند لمعلومة دقيقة عن بناه الداخلية وسياسته الخارجية،وإنما فقط من خلال بوصلة علاقاته بموسكو،وكذلك أيضاً من خلال عداواته لأعداء الشيوعيين أوالمتصادمين معهم.
في هذه الفترة نجد الكثير من ذلك عند اليساريين العرب المحتفظين بماركسيتهم،وأيضاً عند اليسار القومي العربي الذي يرى الآخرين أساساً من خلال مقولة"أين يقفون من واشنطن"في فترة مابعد احتلال العراق،الشيء الذي تحول الماركسيون العرب المعاصرون أيضاً إلى اعتبار هذه المقولة هي الحاكمة لرؤيتهم بعد فقدان تلك البوصلة التي كانت تتمثل بعلاقات موسكو وأين يقف الآخرون منها في السلب والإيجاب.
الآن يمكن تلمس هذا بسهولة عند الماركسيين والقوميين العرب المعاصرين من خلال الطريقة التي ينظرون من خلالها إلى الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد:من يتابع ألكترونيات ومراكز بحثية( أوتتعلق ب) لليسار الأميركي اللاتيني، بفرعيه الإشتراكي الديموقراطي والشيوعي،يرى نظرة لشافيز عند أولئك اليساريين تعتبره يسارياً شعبوياً،يستند إلى ثقافة ونظرة أيديولوجية مختلفة عن اليسارين المذكورين،يختلط فيها العداء ل"اليانكي"الأميركي الشمالي مع عداء للبيض المحليين الذين كان معظمهم متنضد اجتماعياً في طبقات اقتصادية غنية بخلاف الملونين أومن أصول هندية حمراء الذين يسكنون الضواحي الفقيرة من كاراكاس ويشكلون غالبية فقراء فنزويلا،وهي ثقافة أيضاً لاترى نفسها في ثقافة لندن وباريس وبرلين التي تستند إليها ثقافة اليسار التقليدي بفرعيه المشار إليهما:رغم هذه النظرة،التي تشبه نظرة أمين عام الحزب الشيوعي العراقي سلام عادل(1955-1963)إلى عبد الناصر وحزب البعث،فإن اليسار الأميركي اللاتيني(ماعدا بعض الأحزاب الإشتراكية الديموقراطية التي أصبحت أقرب للإتجاه الليبرالي)اتجه إلى تحالف،وهو مفتح العينين،مع شافيز ضد واشنطن وضد الرأسمالية المحلية في فنزويلا،وضد الرأسماليات في دول القارة اللاتينية المتحالفة مع البيت الأبيض.
لانجد شيء من هذا عند اليساريين العرب المعاصرين،الماركسيين والقوميين،الذين يكادون أن يحولوا شافيز إلى نسخة جديدة من كاسترو-غيفارا ومن عبد الناصر:بالمقابل فإن نظرة هؤلاء إلى الرئيس الإيراني نجاد تتحدد من خلال تباعدات طهران عن واشنطن بالسنوات الثلاث السابقة ومن خلال بلاغياته حول"محي اسرائيل من الخارطة"وخطاباته ضد"الشيطان الأكبر"،من دون تلمس العوامل المرَكبة،كالطبقات الجيولوجية،التي تسيِر وتحكم عملية رسم السياسة الإيرانية،التي جعلتها تشتري السلاح من اسرائيل في سنوات الحرب العراقية الإيرانية،وجعلتها تقف ضد الشيعة الأذربيجانيين ومع الأرمن المسيحيين في النزاع على اقليم ناغورني كاراباخ،ودفعتها للتحالف مع أميركافي غزو أفغانستان2001وفي غزو العراق2003،إلى درجة وصلت فيها مرجعية قم،الآن ومنذ سقوط بغداد،إلى رعاية سياستين"متناقضتين"تمسكهما من يديها الإثنتين ،واحدة في النجف عند آل الحكيم(الذين يشكلون مع حزب الدعوة،وهو حليف تقليدي لطهران،الركيزة المحلية الأساسية لواشنطن في العراق المحتل)والثانية في الضاحية الجنوبية لبيروت تقف ضد الأجندات الأميركية للمنطقة وتقاوم اسرائيل.
كان كارل ماركس وفلاديمير إيلتش لينين،وكذلك عبد الناصر،واعون بأن الصراعات السياسية،والخصومات،وأيضاً التحالفات،هي كلها مبنية على نقاط محددة،يمكن تعدادها،وأن السياسة لاتمر عبر معبر(ثنائية الأبيض-الأسود)،بل هي بنية،وأن التحالف أوالتلاقي لايمنع النقد أوالتباين وحتى التضاد في نقاط معينة،الشي الذي يقف منه اليسار العربي،بفرعيه الماركسي والقومي،في بعد قصيٍ.
في هذا ،كله، هناك سؤال يفرض نفسه:هل السياسة العربية،المنقسمة الآن بين محوري واشنطن وطهران،ناتجة عن فقدان أي مشروع عند العرب الذين يعيشون حالياً ومنذ عقود حالة فراغ القوة،إلى درجة أن تتعين السياسة من خلال مشاريع الآخرين وبدلالاتهم؟..........أم أن الأمر يتعلق فقط بتيارات سياسية،مثل الماركسية والليبرالية، كان معظم أحزابها ورموزها تتحدد سياساتها من خلال ماوراء الحدود؟............










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة