الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعر العربي

محمد الخالدي
كاتب وباحث مغربي

(Mohammed El Khaldi)

2008 / 7 / 8
الادب والفن


الشعر سمفونية الحروف و الكلمات، و الروح التي تسري في جسد العبارة فتملأها حياة،فالقصيدة مزيج فكر و موسيقى و مشاعر ،عرفته كل الشعوب واحتل مكانا متميزا بين فنونها وآدابها، إلا أن مكانته في الحضارة العربية كانت استثنائية بامتياز، ما هي هذه المكانة إذن ؟و ما هي تمظهراتها؟ و ما هي المحاور التي عالجها عبر التاريخ العربي؟
و قبل ذلك لا بد من الإشارة أننا لن ندخل في تفاصيل التقسيمات الشعرية و دقائق قضايا اللغة الشعرية،بل سنكتفي بإطلالة موضوعاتية تروم التعريف بالشعر العربي و تقدم صورة بسيطة عن بعض ما عالجه من قضايا، و حتى على مستوى التأريخ سنكتفي بثلاث محطات كبرى:
- قبل الإسلام
- العصور الإسلامية:دون الدخول في تفاصيلها و تقسيماتها.
- الشعر الحديث و المعاصر: ونقصد به ذلك الشعر المرتبط بالنهضة و ما بعدها.

قبل الإسلام:
لم تحتفي أمة بالشعر كما فعل العرب، فهو ديوانهم الذي ضمنوه تفاصيل حياتهم، أول ما خلفوه من تراث كان شعرا، أقاموا له في حياتهم مكانا مركزيا، فملأ بيوتهم و أسواقهم، بل و اختاروا أجمل القصائد فعلقوها على جدار كعبتهم ، و بلغ من تقديرهم له أنهم تصوروا له مصدرا غير بشري فقالوا إن الشعراء يستلهمون شعرهم من الجن ، بواد أسموه "واد عبقر" الذي منه اشتق اسم "عبقري"، فقد كان الشاعر فيلسوف القبيلة و حكيمها و الناطق الرسمي باسمها.
ذكر ابن خلدون في مقدمته: و اعلم أن فن الشعر من بين الكلام كان شريفا عند العرب، و لذلك جعلوه ديوان علومهم و أخبارهم و شاهد صوابهم و خطئهم، و أصلا يرجعون إليه من علومهم وحكمهم.

فعمرو بن كثوم يفخر بقبيلته، وهو يقول في معلقته:

إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفـاً

أَبَيْنَـا أَنْ نُقِـرَّ الـذُّلَّ فِيْنَـا

مَـلأْنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا

وَظَهرَ البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا

إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ

تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا

ونجد في شعر عمر ابن أبي سلمى فلسفة عندما يقول:

ألا ليت شعري: هل يرى الناسُ ما أرى من الأمْرِ أوْ يَبدو لهمْ ما بَدا لِيَا؟
بَدا ليَ أنَ النّاسَ تَفنى نُفُوسُهُمْ وأموالهمْ، ولا أرَى الدهرَ فانيا
وإنِّي متى أهبطْ من الأرضِ تلعة ً أجدْ أثراً قبلي جديداً وعافيا
أراني، إذا ما بتُّ بتُّ على هوًى فثمَّ إذا أصبحتُ أصبحتُ غاديا
إلى حُفْرَة ٍ أُهْدَى إليْها مُقِيمَة ٍ يَحُثّ إليها سائِقٌ من وَرَائِيا

وهذا امرؤ القيس يعاتب حبيبته:

أفاطِـمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّـلِ

وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي

أغَـرَّكِ مِنِّـي أنَّ حُبَّـكِ قَاتِلِـي

وأنَّـكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَـلِ

ثم نكتشف مع الخنساء حبا عميقا لأخيها و هي تبكيه حزنا و ألما لفراقه ، شعر حزين جعلها مضرب المثل في الحزن و رثاء الأحبة ، ومما نظمت:

ذكرتك فاستعبرت و الصدر كاظم .
على غصة منها الفؤاد يذوب
لعمرى لقد أوهيت قلبى عن العزا
و طأطأت رأسى و الفؤاد كئيب


العصور الإسلامية:

هكذا كان حال العرب مع الشعر في الجاهلية، فلما ظهر الإسلام لم يترددوا في وصف النبي
محمد (ص) بالشاعر ، لما وجدوه في القرآن الكريم من روعة فنية و عظمة فكرية، ورغم ذلك دفعهم كبريائهم و اعتزازهم بمقدرتهم الشعرية إلى محاولة تحديه وتأليف مثيل له، فكان عجزهم دليل إيمانهم به.
كان موقف القرآن من الشعر في البداية سلبيا وذلك لارتباطه بالكذب و النفاق بل و هجاء الرسول(ص) و محاولة تقليد القرآن و المساس بفضيلته، ثم ما لبث أن استعاد مكانته بل و أصبح لسان الإسلام و سيفه خصوصا مع حسان بن ثابت.فقال في رسول الله(ص) :

واللهِ ربِّـي لا نفـارقُ مـاجـداً

عفَّ الخليقـةَ، ماجـدَ الأجـدادِ

متكرماً يدعـو إلـى ربّ العلـى

بذلَ النصيحـةِ رافـعَ الأعمـادِ
و رثاه بقصيدة رائعة منها :
بأبِي وأمـي منْ شهـدتُ وفاتـه

فِي يومِ الاثنيـنِ النَّبِـيُّ المهتـدي

فظللـتُ بعـدَ وفـاتـهِ متبلـداً

يا لَهفَ نفسـي لَيتنِـي لَم أولـدِ

لم يكن الشعر مجرد فن متميز في الحضارة الإسلامية، بل كان العنصر الحاضر في كل أدب وعلم و فن، فكان عشق المسلمين شعرا و مدحهم شعرا و هجائهم شعرا، وتصوفهم شعرا وحتى كتب الفقه و العقيدة ملأت بالشعر.
فهذا جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي يتألم شعرا و يقول لحبيبته بثينة:

ارحميني فلقد بليت فحسبي * * * بعض ذا الدّاء يا بثينة حسبي

لامني فيك يا بثينة صحبي * * * لا تلوموا لقد أقرح الحب قلبي

زعم النـاس أن دائي طبّي * * * أنـتِ والله يا بثيـنـة طبّي

ولما بلغ بثينة خبر موته ، حزنت عليه حزنا شديدا وأنشدت :
:
وإن ســلوي عــن جـميل لسـاعة * * * مـن الدهـر مـا حانت ولا حان حينها
سـواء علينـا, يـا جـميل بـن معمر, * * * إذا مــت بأســاء الحيــاة ولينهـا

و ابن الرومي يرثي ابنه شعرا:
بُنيَّ الذي أهدَتهُ كفّاي للثرى
فيا عزة المُهدَى ويا حسرة المَهدي
ألا قاتل الله المنايا ورَميَها
من القوم حبّاتِ القلوب على عَمد
توخَّى حِمام الموت أوسط صبيتي
فللّه كيف اختار واسطة العِقد؟

أما المتنبي فكان الشعر وسيلته للتفاخر والكبرياء وهو يقول:

الخَيلُ وَاللَيلُ وَالبَيداءُ تَعرِفُني
وَالسَيفُ وَالرُمحُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ

و هو أيضا أداة تقربه من ملوك و أمراء عصره، فمدح بعضهم و ذم آخرين، فمدح سيف الدولة قائلا
مـالـي أُكَـتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي
وَتَـدَّعـي حُـبَّ سَيفِ الدَولَةِ الأُمَمُ
قَـد زُرتُـهُ وَسُـيوفُ الهِندِ مغمدة
وَقَـد نَـظَـرتُ إِلَـيهِ وَالسُيوفُ دَمُ
فَـكـانَ أَحـسَـنَ خَلقِ اللَه كُلِّهِمِ
وَكـانَ أَحسَنَ ما في الأَحسَن الشِيَمُ

و بالشعر أيضا يذم كافور الإخشيدي حاكم مصر:

العَبدُ لَيسَ لِحُرٍّ صالِــحٍ بِأَخٍ لَو أَنَّهُ في ثِيابِ الحُرِّ مَولودُ
لا تَشـتَرِ العَبدَ إِلّا وَالعَصا مَعَهُ إِنَّ العَبيـدَ لَأَنجاسٌ مَناكيدُ

وقد كان الشعر شاهدا على تحولات الزمن و تقلبات أحوال الملوك ، ومن ذلك ما وقع لبني عباد من سقوط من علياء الملك إلى حضيض الفقر و المنفى ،قال فيهم الشاعر، زمن عزهم، مادحا:

من بني المنذرين و هو انتساب زاد في فخرهم بنو عباد
فتية لم تلد سواها المعالـــي و المعالي قليلـة الأولاد



ثم ما لبثت أحوالهم أن تغيرت، فقال ابن عباد واصفا حاله و أهله:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائــعة يغزلن للناس لا يملكن قطميرا
كان للسياسة و شؤون الحكم مكان أيضا في الخطاب الشعري، و من أمثلة ذلك قول البحتري واصفا سيطرة الأتراك على بغداد :
لله در عصابة تركيـــة ردوا نوائب دهـرهم بالسـيف
قتلوا الخليفة أحمد بن محمد و كسوا جميع الناس ثوب الخوف
و طغوا فأصبح ملكنا مقسما و إمامنا فيه شبيــه بالضـيف

كما كان للشعر موقع في التعريف بالعلوم و الاختراعات، فهاهو ابن أبي أصيبعة يصف الإسطرلاب بقوله:
أفضل ما استصحب النبيل فلا تعدل به المقام و الســـفر
جرم إذا ما التمست قيمــته جل على التبر و هو من صفر
تحمله و هو حامل فلـــكا لو لم يدر بالبنان لم يـــدر

كما كان الشعر معبرا عن أحوال العرب الدنيوية ،كان أيضا أصدق معبر عن أحوالهم الروحية و مقاماتهم العرفانية ، فكان الشعر الصوفي واحدا من أروع و أعذب الأشعار،فهاهي رابعة العدوية تعبر عن حبها العميق لله قائلة:
إني جعلتك في الفؤاد محدثي و أبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانس وحبيب قلبي في الفؤاد أنيــسي
وهذا ابن الفارض يناجي ربه قائلا:
ليس سؤلي من الجنان نعيما غير أني أحـبها لأراك.
و ارتبط الشعر أيضا بقضايا الفلسفة و انشغالاتها و من ذلك قول أبو العلاء المعري عن اختلاف الناس حول حقيقة الروح:
الروح أرضـية في رأس طائفة وعند قوم ترقي في السماوات
تمضي على هيئة الشخص الذي سكنت فيه إلى دار نعمى أو شقاوات
و عند الحديث عن أبي العلاء تحضرنا فلسفته المليئة بالنقد و التشاؤم ، ومن ذالك قوله:
ضحكنا و كان الضحك منا سفاهة وحق لأهل البسيطة أن يبكوا
يحطـمنا ريـب الزمان كأنـنـا زجاج لكن لا يعاد له سبك

الشعر العربي الحديث و المعاصر:

عبر الشاعر المعاصر عن كل انشغالاته الذاتية و المجتمعية و الإنسانية، فكانت القصيدة بوابته نحو العالم .
كان الشعر واحدا من علامات النهضة و الحداثة على السواء ، و عاملا فعالا في بروزهما و تطورهما، و ارتبط بكل جوانب الحياة العربية و تحدياتها.
بالقصيدة استعاد الشاعر العربي أمجاده و ماضيه التليد، فكان الخطاب الإحيائي في الشعر رمز هذا الاحتفاء ، و بالقصيدة انتفض ضد الاستعمار الأجنبي ، و ناضل من أجل وطن حر و مستقل، و عبر عن الحب و العشق و الأحلام الجميلة . انخرط في الحداثة شعرا ، شكلا و موضوعا،فلم تتجاوزه التطورات الفكرية و المجتمعية لأنه كان جزءا بل و أداة من أدواة التحرر والتقدم ، مما حفظ للشعر العربي مكانته و حضوره في حياة الإنسان العربي، فاستمر حيا بكل أشكاله و أغراضه ، فوجد الشعر الكلاسيكي جنبا إلى جنب مع الشعر الحر و الشعري النثري، و وجد الشعر السياسي و الوطني إلى جانب أشعار الحب و الغزل و القصائد المسكونة بروح التأمل و الفلسفة .

فتوزع الشعر الوطني بين شعر يعلن ارتباطه بالوطن و تعلقه به و إظهارا لمكانته و تبيانا لمفاخره ، و بين شعر يدافع عن حريته و يدعو إلى الوقوف في مواجهة المحتلين، وربما انضم الحزن و الألم إلى هذا الضرب من الشعر عندما يحن الشاعر إلى الماضي المجيد للأمة و هو يرى ما آلت إليه أحوالها من الضعف و التخلف، ومن ذلك قول عمر ابو ريشة:
أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك و طرفي مطرق خجلا من أمسك المنصرم
و يكاد الدمع يهمـي عابثا ببقاء كبرياء الألم

كما ارتبط الشعر العربي بالرومانسية كحركة شعرية تنتصر للجمال و قيمه الخالدة ، حيث يفتح الشاعر قلبه وفكره للطبيعة الجميلة و للوجود الإنساني المتعالي على كل إكراهات الواقع المعاش، إنها انتصار للعمق الإنساني الجميل وللحياة الإنسانية المتعددة الأبعاد ، حيث يصبح الشاعر الرومانسي شفافا تنعكس فيه ومن خلاله الزهور الجميلة و قطرات الندى الرقيقة و النجوم التي تزين سماء العاشقين ، وعوالم الحب التي لا تعرف حدودا ولا جغرافيات .
ومن أشهر من نظم في الحب و العشق ، نزار قباني حتى أنه من كثرة ما كتب عن المرأة أطلق عليه البعض لقب" شاعر المرأة"، رغم أنه كتب شعرا سياسيا ووطنيا غاية في الروعة و الإبداع.
ففي الحب قال:
أحبك في كل يوم، ثلاثين عاما
و أشعر أني أسابق عمري..
وأشعر أن الزمن قليل عليك

وهو يخاطب القدس نظم:
يا قدسُ، يا منارةَ الشرائع
يا طفلةً جميلةً محروقةَ الأصابع
حزينةٌ عيناكِ، يا مدينةَ البتول
يا واحةً ظليلةً مرَّ بها الرسول
حزينةٌ حجارةُ الشوارع
حزينةٌ مآذنُ الجوامع
و عندما نتحدث عن فلسطين لابد من الإشارة إلى أن منظومة شعرية متكاملة انخرط فيها أغلب شعراء العربية ، اتخذت من القضية الفلسطينية موضوعها، فعبر الشاعر العربي عن مأساة وطن أسير و شعب يراد أن يقتلع من جذوره لكنه يأبى إلا أن يزداد تعلقا بها بل و انغراسا في أرضه ، وأصبح الشعر الفلسطيني رمزا و أنشودة يتغنى بها لكل الأحرار.

أنشد محمود درويش:
شدوا وثاقي
وامنعوا عني الدفاتر
و السجائر
وضعوا التراب في فمي
فالشعر دم القلب..
ملح الخبز
ماء العين
يكتب بالأظافر والمحاجر
و الخناجر.
خاتمة:
لقد ارتبط الشعر العربي، بتاريخ الحضارة العربية، عبر كل مراحلها و التغيرات التي طرأت عليها، عايش لحظات قوتها و لحظات ضعفها و تخلفها وتجارب نهضتها ،و كان الشاهد الناطق بوقائعها السعيدة و الحزينة ، ولسان حال الإنسان العربي بغض النظر عن توجهه و ما يشغله داخل مجتمعه حتى أننا يمكننا أن نصف العرب بالأمة الشاعرة ، و استطاع أن يتجاوز الحدود و المسافات ، فلا أحد يهتم بجنسية نزار قباني السورية أو جنسية نازك الملائكة العراقية، فاللغة الشعرية أقوى من تحصرها الحدود ، فرابطة الشعر تجمع بين المهلهل شاعر تغلب و أدونيس شاعر الحداثة .

المراجع المعتمدة:
• اللزوميات ، أبو العلاء المعري، دار الجيل ، بيروت 1969.
• قصيدة "تحد" ديوان محمود درويش،ج1،طبعة14، دار العودة بيروت.
• ابن خلدون ، المقدمة،تحقيق درويش الجويدي، المكتبة العربية صيدا بيروت لبنان.الطبعة 1 ،1999.
• إيقاظ الهمم في شرح الحكم، ابن عجيبة الحسني، دار الكتب العلمية، طبعة: 2005.
• ظهر الإسلام ،أحمد أمين،دار الكتاب العربي، بيروت لبنان.
• أشهد أن لا امرأة إلا أنت، نزار قباني، منشورات نزار قباني، الطبعة 6،1973.
• موقع الضويحات الأدبي: http://www.dwaihi.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?