الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضفائر للطيفة لبصير

مصطفى لغتيري

2008 / 7 / 9
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


بعيدا عن الجدل المعهود حول الكتابة النسائية، وما يترتب عنه من تجاذبات حول “الظاهرة” ،نتيجة لاختلاف وجهات النظر المؤطرة لهذا المنحى.. ثابت واحد يصمد أمام المتتبع ،ويقدم له نفسه في عنفوان،مفاده أن المرأة المغربية اقتحمت الكتابة القصصية ،بزخم إبداعي غير مسبوق، فتحققت ،بفضل هذا الاقتحام، مكتسبات،أبدا لا يمكن تجاهلها.. تجلى ذلك بوضوح في الكم النوعي للمجاميع القصصية ، التي ما فتئت تفرض نفسها بقوة على المشهد القصصي المغربي.
وتعد في هذا الصدد القاصة لطيفة لبصير إحدى الكاتبات اللواتي برهنن بالملموس ،ومن خلال إنتاج نوعي عبثية حصر المرأة الكاتبة في بوثقة معينة، وتسييجها بأطروحات نظرية متعالية ، بعيدة كل البعد عن التعاطي الموضوعي ،الذي يحقق قدرا معينا من الإنصاف النقدي.
ولعل مجموعة الكاتبة الأخيرة الموسومة ب” ضفائر” تزكي هذا الطرح،وترسخ بالتالي لدى المتتبع ضرورة إعادة النظر في الأحكام النقدية التي غالبا ما تكون كتابة النساء ضحية لها.. فنحن أمام هذه المجموعة إزاء عمل إبداعي ناضج ومتكامل ومنسجم شكلا ومضمونا.
ويمكن إجمال أهم الملاحظات التي تثير الانتباه بعد قراءة هذه المجموعة فيما يلي
- يشعر القارئ ل “ضفائر” أنه أمام مجموعة قصصية ينطبق عليها توصيف “مجموعة”..إذ أن تيمات النصوص تتكامل مع بعضها البعض ،لتضعنا أمام ما يمكن أن نطلق عليه ” بورتريها قصصيا للمرأة”.. فكل قصة تتناول جانبا أوجوانب من هذه الصور البانورامية للمرأة.. ومما يرسخ هذا الاقتناع أن جميع قصص المجموعة تحمل كعناوين لها أسماء نساء: عالية- منانة- زهرة - نانسي - ليلى - رقية -حياة - غيثة - أحلام-
وقد توج هذا الميسم بعنوان المجموعة” ضفائر” ذي الحمولة الأنثوية والمصوغ بصيغة الجمع، التي تؤهله ليكون ناجحا وموفقا، ليشمل كل النساء التي تحبل بهن متون القصص.
اتخذت المرأة داخل النصوص بعدا وجوديا عميقا، يرتكز على التوصيف الواقعي والنفسي للمرأة بهمومها وانشغالاتها وطموحاتها..المرأة هنا واحدة بالاسم متعددة بالانتماء الاجتماعي والعاطفي..في هذه المجموعة تصادفنا المرأة بتعدد مستوياتها: المرأة العروس ..المرأة العاهرة..المرأة الحمقاء ..المرأة العانس ..المرأة المثقفة ..المرأة السائحة..المرأة الحالمة..نحن بالمحصلة أمام كرنفال من النساء ،استطاعت الكاتبة بكثير من الأصالة والدقة أن تكشفه أمام أعيننا بلمسة فنية بارزة، فتحقق بفضل ذلك للمجموعة انسجام موضوعاتي مثير للاهتمام.
-أما على مستوى تكنيك الكتابة، فيصدق على المجموعة قول فرنسوا مورياك “كيفما تجلت الموهبة ،نالت الإعجاب”..فبعيدا عن الانبهار بموجة التجريب التي اكتسحت القصة القصيرة في المدة الأخيرة،اختارت الكاتبة عن وعي الاهتمام بالكتابة في ذاتها ،لذا جاءت النصوص متميزة بكثير من الأصالة القصصية ..هكذا نلمس حضور جميع مقومات وخصائص الكتابة القصصية ،كما ترسخت في الأذهان عبر مسار قامات كبار كتاب القصة القصيرة منذ نشوء هذا الفن الجميل إلى يومنا هذا.
والمتلقي لقصص “ضفائر” يلاحظ وجود الحكاية ،التي تمنح النصوص تماسكا بنائيا ،تفقده القصص التي تهمل هذا المكون الأساسي.
وقصص لطيفة البصير تحتفي بالتطور الكرونولوجبي للأحداث ،تتخلله بين الفينة والأخرى استرجاعات زمانية تعطي للقصص نفسا زمانيا خاصا ..
لكل هذا جاءت القصص مصبوبة في قالب واحد ،تبرز في أحد أبعاد التأويل وضوح رؤيا الكاتبة وأنسجامها مع طبيعة تيماتها.
وقد انطبع هذا الانسجام على اللغة ، فجاءت واضحة وشفافة ،وقصصية بامتياز ،تنحت بصبر وأناة أساليب رشيقة ومتينة ،لا تلفت الانتباه إليها في ذاتها،وإنما تناضل من أجل إبراز باقي مكونات الفعل القصصي، فنرى الشخوص من خلالها فاعلين مفعمين بالحياة، وكأننا نعايشهم في الواقع ..نتلصص على أحلامهم ،ونواقصهم ،نكرههم حينا ونتعاطف معهم أحيانا كثيرة ..نرافقهم في فضاءات حية ،يتماهى معها القارئ ،وكأنه اضطرب في أجوائها مدة من الزمن ،كانت كافية لينسج معها نوعا من الحميمية .
نتيجة لكل ذلك ولغيره ،فقصص “ضفائر ” بسيطة في مبناها ،عميقة في معناها..وهي تشكل مع نماذج أخرى لكاتبات مغربيات المسار الذي يتحتم على القصة المغربية انتهاجه ، حتى تتمكن من ترسيخ وعي إجرائي بالفن القصصي كما هو متعارف عليه إنسانيا.
وختاما ،وبعد هذه القراءة العاشقة لهذه المجموعة الجميلة بحق ،أستطيع أن أدعي بأن مستقبل القصة القصييرة في المغرب هو بيد نسائه ،إذا ما تواترإبداع الكاتبات المغربيات بمثل جودة قصص ضفائر وعمقها.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التبوريدة: فن من الفروسية يعود إلى القرن السادس عشر


.. كريم بنزيمة يزور مسقط رأس والده في الجزائر لأول مرة




.. بعد إدانة ترامب.. هل تتأثر فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية ا


.. لابيد يحث نتنياهو على الاستجابة لمقترح بايدن بخصوص اتفاق غزة




.. الوسطاء يحثون إسرائيل وحماس على التوصل لاتفاق هدنة في غزة