الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


... فتصبحوا على ما فعلتم نادمين

سَعْد اليَاسِري

2008 / 7 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


مدخل :

بعد أن قامت الإمارات (مشكورةً) بشطب الديون المترتّبة على العراق و البالغة مع فوائدها حوالي 7 مليار دولار أميركي . أشعر حقيقةً بأنّ ما يدور حول الديون المستحقّة على العراق لهوَ ترجمة حرفية لبيت المتنبي :

وجرم جرّه سفهاء قوم
فحلّ بغير جارمه العقابُ .

فأنا أستغرب كيف تمّ تعقيد الموضوع بهذا الشكل ؛ وكان الأجدر بالدول الدائنة – العربيّة تحديدًا – أن تكون سبّاقة إلى خطوة تترجم لنا أدنى درجات التضامن مع مظلومية العراق المستمرّة حتّى اللحظة .
و بدلاً عن أن تقوم تلك الدول بما يمليه عليها واجبها الأخلاقي ، نجدها تجتهد في تمييع الموضوع حتى صار بالفعل يشكّل ضائقة نفسية تجاه العرب تضاف إلى ما نعانيه أصلاً من ظلم ذوي القربى .

نبتدي منين الحكاية ؟

استلمَ صدام حسين الحكم (رسميًّا) في العراق عام 1979 و هو يطفو على فائض نقدي بعشرات المليارات من الدولارات (وهو رقم ضخم قياسًا بقدرة الدولار حينذاك) , وسقط نظامه ليخلف العراق مدينًا - بسبب مغامراته العنترية - للعالم بقرابة 150 مليار دولار أميركي .
خاض العراق حربًا ضد إيران – والتي أجدها اليوم حربًا ضرورية بعيدًا عن مقتي للنظام البائد – وجنّب شعوب المنطقة وعروشها ما كان يعرف بالمدّ الثوري الفارسي | الإسلامي - الشيعي . وكعرفان بالجميل قامت دول المنطقة وفي مقدّمتها (السعودية والكويت) بمساعدة العراق ماليًّا إبّان الحرب , وكانت الأموال تقدّم على شكل أقربإلى الهبات والمنح . وعندما انتهت الحرب العراقية - الإيرانية , كنّا كعراقيين قد خسرنا زهرة شباب وطننا , ونشوة اقتصادنا , وإحساسنا بالأمان . حينها بدأ الحديث الخليجي تحديدًا عن مصطلح (الديون المستحقّة على العراق) , وتصاعد هذا الخطاب في الفترة الانتقالية بين الحربين .
قام صدام حسين بمغامرته القاتلة و غزا الكويت واحتلّها لسبعة أشهر بدم بارد , فقطفت تلك المغامرة من العراقيين ما تبقّى لهم من طمأنينة أو إحساس بالأمان , وغرست في الكويتيين أيضًا ما يمكن تسميته - اليوم - بالرّهبة من الجار . وحين استعادت إرادة العالم الكويت , و عادت لها شرعيّتها كدولة مستقلّة , تضخّم موضوع الديون وأضيفت إليها مبالغ تخصّ خسائر السعودية والكويت وبعض الدول العربية وحتى مصر , فأمسينا بلدًا مدانًا , ومع ذلك كعراقيين كنّا نشعر بأنّ تلك هي ضريبة المغامرات والعنتريّات الفارغة التي مارسها النظام .


سقوط النظام :

بعد أن دبغ الحصار العربي | الأميركي جلود العراقيين ولمدّة جاوزت الـ 13 عامًا , قامت الولايات المتّحدة الأميركية و بريطانيا بعملية غزو مفتوحة للأراضي العراقية , لم تثمر عن شيءٍ حتّى الآن باستثناء خلاصنا من نظام صدام حسين , ولم نقطف كعراقيين ثمرة تلك العملية حتّى الآن . إلاّ أن الغريب في الأمر هو موقف الدول العربية من الديون التي سبّبها النظام السابق , والتي كنّا – أو كنتُ أنا على الأقل – نتصوّر بأنّ الكويت والسعوديّة ستبادران كأوّل دولتين على مستوى العالم بانتشال الاقتصاد العراقي المُنهَك من القاع , ومساعدته بأضعف الإيمان ؛ ألا وهو شطب الديون . غير أنّ الأخوّة في هاتين الدولتين مصرّون على استحلاب ضرع هذا الشعب المظلوم حتى الرمق الأخير , فتصبح المعادلة القاسية كالآتي :

صدام حسين يحكم = العراق يُذبح
صدام حسين يسقط = العراق يُذبح
صدام حسين يُعدم = العراق يُذبح
الأميركي يحتل العراق = العراق يُذبح
الأميركي قد يخرج غدًا من العراق = العراق يُذبح

و إلى آخره من هذا المسلسل الممل , وكأنّ هذا الشعب قد كُتب عليه الذبح حتى حين يفوز منتخبه الوطني بكأس آسيا لكرة القدم . كُتب عليه الظلم و العوز لا لشيءٍ إلاّ لأنّه العراق .. و حسبه أن يكون "عراقًا" .. و لربّما تلك هي المشكلة التي تزعج البعض .

المسألة السعوديّة :

تحرّكت السعوديّة باتجاه إطفاء الديون بعد ضغط أميركي وليس حبًّا بالعراق , و لكنّها شطبت (مع وقف التنفيذ) 80% من ديونها وفقًا لمقرّرات ما يعرف بـ (العهد الدولي) . بمعنى أنّها أعلنت عن هذه الخطوة دون تنفيذها فعليًّا , ولا أدري لماذا أبقت ولو شكليًّا - وهي السعوديّة - على 20% . الأمر يبدو أقرب إلى قول صالح بن عبد القدّوس :

يعطيكَ من طرف اللسان حلاوةً
ويروغُ منك كما يروغُ الثعلبُ .

فحتّى كتابة هذه الأسطر ليس من موقف سعوديّ واضح بخصوص الديون المستحقّة على العراق والبالغة قرابة 15 مليار دولار أميركي , والتي أتمنّى أن تنظر إليها القيادة السعودية بشيءٍ من التفحّص وبُعد النظر , وأن تعلم بأنّ تلك المواقف ستُسجّل من أجل العراق و ليس من أجل حكومته التي يتذرّع بها كلّ من يودّ ذبحنا على الطريقة الإسلاميّة .

المسألة الكويتيّة :

لطالما شعرت بأنّ الشعب الكويتي هو الشعب الوحيد بعد العراقي ؛ يمكنه أن يعرف معنى كلمة (نظام صدّام حسين) . ولطالما تمتّعتُ – أنا شخصيًّا - بعلاقات طيّبة و حميمة مع الكويتيين . ومنطلقًا من هذا الشعور الذي تبرّره الويلات التي حلّت على شعبينا معًا ؛ قلتُ في نفسي بأنّ الكويت لن تتأخّر لحظةُ في إثبات حسن نيّتها تجاه العراق الجريح (حاليًّا) . ولكنّني أستغرب الطريقة التي يتعامل بها الأخوة في الكويت مع مسألة الديون العراقية , وأنا هنا أقصد بعض نوّاب مجلس الأمّة (البرلمان) , حيث أنّ كل الأخبار و المؤشّرات تقول بأنّ العائلة الحاكمة و أمير البلاد , و أطراف كثيرة في حكومة الكويت , كلّها تقبل شطب الديون بشكل نهائي , ولكنّها رغبة تصطدم ببعض النوّاب ممّن لا همّ لهم سوى فتاوى منع الاختلاط و الزي والإسلامي و إنشاء هيئات للأمر بالمعروف .. إلخ ؛ للعودة بالكويت إلى ظلام لا يليق بحراكها المستنير . هذه الثلّة البرلمانية تعكّر صفو الكويتيين و صفو العلاقات العراقيّة الكويتيّة أيضًا , و صحف من شاكلة (جريدة الوطن الكويتيّة) ما زالت تمارس دورًا تعبويًّا سلبيًّا و مقزّزًا حيال العراق والشخصيّة العراقيّة , بعبارات من قبيل : إنّنا نتحدّث عن (العراق) الذي غزانا وليس عن (السنغال) . في حين يقوم بعض النوّاب بمهام استعراضيّة ليصلوا في النهاية إلى مطلبهم الانتخابي – لا أكثر - الذي تمّ التلميح إليه أكثر من مرّة و هو ربط ديون الشعب الكويتي بمسألة الديون المستحقّة على العراق و أنّ الشعب الكويت أولى بشطب ديونه .. إلخ . وكان يجدر بهذه الأصوات – لو كانت وطنيّة فعلاً - أن تناقش مأساة " البدون " على سبيل المثال والتي تمثّل جرحًا في جبهة الإنسان المعاصر .. "البدون" أولئك الذين أثبتوا كويتيّتهم في آب | 1990 أكثر من أصحاب الجنسيّة بمختلف تدرّجاتها وتفرّعاتها العجيبة .
إنّ حجم الديون الكويتية المترتّبة على العراق و الذي يبلغ حوالي 15 مليار دولار أميركي , قد تولّد عبر عقود من السياسات العشوائيّة و الأخطاء القاتلة , و أظنّ بأنّ الكويت يهمّها – قبل أيّ بلد آخر – أن تتذكّر أنّ العراق فعلاً ليس (السنغال) و أنّ الجغرافية لا ترحم أحدًا . وإذا كانت بعض الأصوات في الكويت تقول بأنّ العراق غني – وهذا صحيح – وهو لا يحتاج لشطب الديون , فنحن كعراقيين – بعيدًا عن الحكومة الحالية التي لا أتّفق معها – نقول بأنّ تلك الديون لسنا المتسبّبين بها واستمرارية تسديديها من قوت شعبنا أشبه بـ "الإتاوة" التي لا يقبلها الأحرار قطعًا . وإذا كانت الكويت قد تألّمت , فالعراق يألم كلّ يوم , ويهمّه أن يميّز بين محبّيه و سواهم . وبناءً على ذلك أقترح أن تقوم القيادة الكويتيّة بتلك الخطوة التي لا نعتبرها – كعراقيين - مسألة عابرة أو ثانوية .. مطلقًا .

الأردنّ ومصر :

يبلغ حجم الدين العراقي للأردنّ قرابة المليار دولار أميركي , ومثله لمصر , و نحن نقول بصراحة و بلا خجل لأنّ الوقت لم يعد يسمح لنا بالخجل , بأنّ هاتين الدولتين تحديدًا يجب – وأصرّ على يجب – عليهما شطب الديون لأنّهما أكثر الدول العربية انتفاعًا من العراق وعبر كل وقت ودهر ونظام .

الدول الأجنبيّة :

قامت أميركا – بوصفها تحتل العراق و صاحبة الفكرة – بشطب ديونها و كل ما يترتّب على العراق من مستحقّات ماليّة , ومثلها فعلت روسيا التي شطبت الدين العراقي البالغ حوالي 12 مليار دولار أميركي , ومثلها فعلت صربيا التي شطبت الدين العراقي البالغ قرابة 3 مليار دولار أميركي , ومثلها ستفعل الصين التي قالت بصريح العبارة أنّها ستنظر في المسألة بشكل جاد وحاسم بما يخدم الشعب العراقي , والصين حين تنظر بشكل جاد تفعل قطعًا . ومثلها فعلت تركيا , وستفعل أغلب الدول في العالم .


ختامًا :

إنّ أقلّ أشكال التضامن المعنوي والسياسي والمادي وحتى الإعلامي تأتي دائمًا من العرب . العراق يقول لهم : لا تظلموني (فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) . وهم يقولون : لئنْ لم تنتهِ لتكوننّ من المرجومين .. !! ولو قالوا بأنّهم يشعرون باليُتم بعد صدّام لقبلنا هذا , و لو قالوا بأنّهم ضد الحكومة الحالية لقبلنا هذا أيضًا , ولكنّهم ضدّنا كعراقيين حتى في السفر والتأشيرة والعبور والإعلام والنكات والتشهير و السلوك والنظرة والطريقة .. إلخ , فيما يستقبلون رؤوس الحكومة الحالية – التي يصفونها بالعمالة - وعلى السجّاد الأحمر ... ويا سلام سلّم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د