الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبل أن يسقط المطر.. رواية البريطاني جوناثان كو

رحيم العراقي

2008 / 7 / 10
الادب والفن


يصارحنا الروائي البريطاني جوناثان كو بأن روايته الأخيرة «المطر قبل أن يسقط» ظلت تختمر في ذهنه عشرين عاماً، أو يزيد، فقد أراد أن ينتظر إلى أن يشعر بأنه وصل إلى قدر كاف من النضج يؤهله لإنجاز القصة التي تدور حول صبية ضريرة وعائلتها الممتدة، والتي استمد وحيها من واقعة حقيقية حدثت في عام 1987.
وبالنسبة لقراء كتبه التي تشبه لوحات سياسية ممتدة وذات طابع سياسي مرح فإن النتيجة في حالة الرواية الجديدة ربما تكون مفاجأة حقيقية للكثيرين، حيث أن كو يترك وراءه الكوميديا الاجتماعية ليقدم لنا شيئاً أكثر حميمية بكثير. عندما تقدم العجوز روزاموند على الانتحار، يقع على كاهل ابنة أختها جيل أن ترتب الأشياء التي خلفتها وراءها، وهي تعثر في دار خالتها على سلاسل من الأشرطة الصوتية كانت روزاموند قد سجلتها قبيل موتها مباشرة، لكي تصل إلى إيموجين، وهي صبية ضريرة تتذكرها جيل وسط معالم صدر عمرها. وتستمع جيل إلى الأشرطة، وتكتشف ملامح من الحياة التي روتها روزاموند لإيموجين عبر البومات صور عائلية عديدة.
تبدأ الرواية بانتقال روزاموند للإقامة مع عمها وعمتها في مزرعة في منطقة شروبشاير خلال الحرب، وهناك نتوثق علاقتها بابنة عمتها بياتريس، من دون أن يتم توضيح أبعاد هذه العلاقة على وجه الدقة. ومنذ الطفولة حتى الموت فإن التمحور حول الذات الذي تتصف به نساء عائلة بياتريس يحدد دور روزاموند باعتبارها قائمة بالحماية.
فهي في خلال الطفولة تتحول إلى أخت لبياتريس، ثم تغدو الوصية على ثيا، ابنة بياتريس خلال الفترة القصيرة، والسعيدة في لندن مع ربيكا، شريكة روزاموند، ومع التردي المأساوي لحياة ثيا تحاول التصالح مع الأخطاء السابقة التي ارتكبت بحق الصغيرة إيموجين.
يتلون صوت روزاموند، فهو يتردد عذبا حينا، ومليئاً بالأسف حينا آخر، ومترعاً بالحنين، ولكنه لا يوحي بالمرارة قط. فهو صوت أصيل على نحو مطلق، وتملكها لناصية نفسها يجعلها راوية مدهشة. وعلى الرغم من أنها لا تتحدث إلا بالكاد عن علاقتها بأبويها، إلا أنها تنقل دور الأم إلى بياتريس في عمر مبكر، قبل أن تحاول هي القيام بهذا الدور مع خروج بياتريس عن الدور المرسوم لها.
وهي تقول في هذا الصدد: على المرء ألا يقلل أبداً من قيمة الشعور بأنك تعرف أنك لست مرغوباً من قبل أبويك. من الصعب للغاية أن تصبح شخصاً متكاملاً بعد ذلك . وتقضي روزاموند بقية حياتها محاولة ضمان أنه ما من أحد حولها سيساوره هذا الشعور بالهجران، وعلى الرغم من كل ما تبذله من جهد فإن الأمهات السادرات في غيهن يفلحن في إخراج بناتهن من مسار العائلة.
يفلح كو ببراعة في التخفيف من عمق موضوعاته، وتمضي أمور كثيرة من غير أن تقال في الرواية، وبصفة خاصة فيما يتعلق بنزعات روزاموند العاطفية. والثغرات بين الفترات الزمنية فيما هو ينتقل بين الصور تحدث انطباعاً بالمد والجزر، بين الآمال والطموحات التي يتم التخلي عنها أو التي تتربص بها الأخطار. وهو يتركنا ونحن نتساءل عما إذا كان القدر يقف وراء تواتر الأحداث العشوائية أم أن الأخطاء الموروثة هي التي تقف وراءها.
والصورة الختامية في الكتاب التي تكرر لحظة أسى رئيسية في طفولة روزاموند وبياتريس بسيطة للغاية ولكنها معبرة إلى أقصى الحدود في غمار تحقيق هذه الحيرة المحزنة إلي حد أن الكثير من القراء قد يجدون أنفسهم وقد انهمرت دموعهم لدى الوصول إلى هذه الصورة. ويبدو مدهشاً هذا التأثير الابتعادي المزدوج للسرد الذي يروي من وراء القبر وكوصف للصور، والروائي يفلح في وضع يده على أدنى ارتجافة لهذا العالم الذي يصور فيه العلاقات العائلية على امتداد العمر.
وخلافاً للحال في العديد من كتب كو السابقة، ومنها «دار الرقاد» و«نادي الروتاري» فإن الأسلوب الذي يعتمده يبقيه في قالب الترتيب الزمني والتعامل مع الشخصية الواحدة، والنتيجة تشبه إلى حد كبير كل حوار تمنيت أن تجربه مع قريب لك موغل في العمر قبل أن تغيب شمس عمره.
وربما لم يكن من قبيل الصدفة، في ضوء هذا كله، أن ينعقد إجماع الكثير من النقاد على أن كو قدم لنا لتوه كروائي أفضل أعماله بعد أن وصل إلى ذروة النضج والقدرة على العطاء، على نحو ما يتجلي في هذه الدراسة للشخصية التي تخلو تماماً من أي شائبة.
ها هي مجلة «ببلشرز ويكلي» المتخصصة في عروض الكتب تتناول الرواية مطولاً لتخلص في النهاية إلى القول: من خلال حياة ضيقة النطاق نسبياً في جزيرة ضيقة يصيغ كو تياراً عاطفياً متدفقاً يجتذب القارئ فلا يطلق سراحه إلا عند نهاية الرواية ذاتها .
تقول مجلة «نيوستيشمان» عن الرواية إنها تقدم لنا انتقالاً جريئآً من جانب كو الذي اشتهر بكوميدياته السياسية ـ الاجتماعية الذكية، حيث أن هذه الرواية الجريئة حافلة بالتأمل وتعمق الاضطراب المكبوح، وهي متوازنة علي نحو جميل وتملك القدرة المطلقة على اجتذاب القارئ. وترى صحيفة «لوس انجلوس تايمز» في هذه الرواية عملاً متألقاً ومتوازناً ومركبا يبرهن من خلاله كو علي أنه فنان مبدع للشخصيات وللقصص التي تدور حول الشخصيات أكثر من أي وقت مضى.

ذكريات
لم أصف بعد مزرعة واردن ـ الدار نفسها ـ بأي قدر من التفصيل، ولكنني أعتقد أنني سأتحدث أولاً عن الكرافان. فقد كانت من أولى الأشياء التي أطلعتني عليها بياتريس في الحديقة، وأصبحت بسرعة المكان الذي ننسحب إليه ونختفي فيه سوياً. ويمكنك القول إن كل شيء بدأ من هناك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية


.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي




.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز