الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا لعقوبة الإعدام في قضية الزيادين

عاصم بدرالدين

2008 / 7 / 10
الغاء عقوبة الاعدام


حقاً هي جريمة بشعة، وأبشع ما فيها إنها قتلت شاباً وطفلاً لا ذنب لهما في شيء. وأخطر ما فيها أن معظم منفذيها لا يزالون حتى الساعة خارج الإعتقال بتواطؤ شبه مفضوح مع بعض القوى الحزبية اللبنانية. لكن هذه البشاعة وهذا العمل الإجرامي غير قادرين على إخفاء حقيقة مرة قد تؤدي إلى جريمة أخرى، وإن لم تكن في المستوى نفسه من البشاعة، فإنها لن تقل عنه –في المستوى- كثيراً. ذاك أن المجلس العدلي اللبناني قد أصدر حكماً بإعدام تسعة أشخاص من المشاركين في الجريمة وطالب بإصدار مذكرة إلقاء قبض في حق المتهمين، وأحال المطالعة إلى قاضي التحقيق العدلي لإصدار قراره الإتهامي.. من نافل القول إن محاكمة هؤلاء المجرمين واجب وحق معاقبةً لهم على جريمتهم الهمجية النكراء التي أودت بحياة زياد قبلان وزياد الغندور في 23 نسيان من العام الماضي. لكنها تصبح ناقصة، وغير عادلة، عندما يتحول العقاب إلى شكل من أشكال الثأر.

إن فكرة العدالة، عدالة المحكمة والحكم، تتناقض تماماً مع فكرة الثأر. والإعدام هو ثأر مبطنٌ بحق أو مقنعٌ به، لذا ألغي من دساتير معظم دول العالم. إذ أن 84 دولة قد ألغت هذه العقوبة من قوانينها نهائياً، و12 دولة ألغتها بشكل جزئي حيث أنها تستخدمها فقط في الجرائم الغير عادية كجرائم الحرب مثلاً، و24 دولة ألغتها بطريقة عملية رغم بقائها في النصوص القانونية فإنها لم تستعملها منذ ما يزيد على 6 سنوات، حسبما تشير منظمة العفو الدولية (تقرير العام 2005) وطبعاً لبنان خارج هذه الدائرة الممتنعة عن إستخدامها وتعديل هذا الأمر يقع أولاً وأخيراً على عاتق المجتمع المدني المُغيب عن لعب أي دور فعال. وتشير المنظمة نفسها إلى أن الإعدام ينطوي، شأنه شأن التعذيب، على إعتداء متعمد على السجين. وحتى الأساليب التي تُدعى "إنسانية أو رحيمة"، مثل الحقنة المميتة، يمكن أن تسبب معاناة رهيبة. وهي قد تسبب في كثير من الأحايين ظلماً لمتهمين تثبت لاحقاً براءتهم إذ أن عقوبة الإعدام "لا رجعة عنها"، فضلاً عن أنها ليست وسيلة ناجعة للتقليل من عدد الجرائم المرتكبة كما تبرز ذلك تجارب عديدة.

من الطبيعي أن نرفض حكم الإعدام في حق هؤلاء، وفي حق الأخرين، حفاظاً على هيبة القضاء وعدالته، كذا محافظة على شرف الزيادين وأحقية قضيتهما، والأخرين من القتلى المظلومين. إن العقاب هو فعل حق، لا فعل إنتقام، وعندما يصير هكذا يسقط ميزان المحكمة، ويستحيل الأمر إلى نمط من الصراع القبلي الجاهلي العشائري، وقضاؤنا متمدن بما فيه الكفاية، على ما ندري، لكي يرفض هذه الوسائل المتخلفة والرجعية، المستمدة من القرون الوسطى الظلامية، في المحاسبة والمعاقبة. إن دافع هذه الجريمة كان في أساسه ثأرياً إنتقامياً وهذا ما جعلها مجزرة شائنة مقززة لا يقبلها أي إنسان، وفي المقابل تشي بدونية الوعي العقلي العشائري وغبائه. لذا وجب الإستنكاف عن القيام بالمثل، ليس تخفيفاً عن المجرمين، بل تخفيفاً للحقد والمنطق الثأري الذي لا يبني قضاءً نزيهاً عادلاً متطوراً من جهة. ومن جهة أخرى تطبيقاً لشرعة حقوق الإنسان التي يلتزم بها لبنان مبدئياً. صحيح أن القتلة لم يراعونها، لكن حينما نخرقها نحن بإسم العدالة، أو عندما يحاول القضاء (أو أي سلطة أخرى) التماثل بالمجرمين لتبرير قراراته فإننا نصير أشباه مجرمين، وهذا ما لا نرضاه، ولا نقبل أن يرضاه أي إنسان ولا أن يتشكل قضاؤنا على شاكلته.

إن إنسانيتا التي دفعتنا في الماضي لإستنكار هذه الجريمة وبقية الجرائم ومطالبتنا الدائمة بالكشف عن تفاصيلها وفضحها ومقاصة القتلة والمعتدين، تدفعنا اليوم إلى رفض تنفيذ عقوبة الإعدام في حق أي كان لأنها جريمة ثانية مضافة على سلسلة لا تنتهي من حلقات القتل الدامية، ولأنها مخالفة لأبسط الحقوق الإنسانية والمدنية (بما فيها الحق في الحياة) التي يحترمها ويقدسها الدستور اللبناني، والتي صارت اليوم هي نفسها ميزان العدل. ولا ريب أن القوانين المحلية لا تخلو من طرق وأساليب للمحاسبة والمعاقبة أخف وطأة، وأقل دموية.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيرة إسرائيلية توثق عمليات اعتقال وتنكيل بفلسطينيين في مدين


.. لحظة استهداف الاحتلال الإسرائيلي خيام النازحين في رفح بقطاع




.. مبادرة لمحاربة الحشرات بين خيام النازحين في رفح


.. تونس.. معارضون يطالبون باطلاق سراح المعتقلين السياسيين




.. منظمات حقوقية في الجزاي?ر تتهم السلطات بالتضييق على الصحفيين