الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتفاقية الامريكية العراقية .. معضلة وشرّ لابد منه

حميد خنجي

2008 / 7 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


العراقيون بمختلف مشاربهم وطبقاتهم وفئاتهم وتوجهاتهم السياسية منشغلون هذه الأيام بمسألة الاتفاقية الأمنية المزمع تصويبها وتوقيعها من قِبَل الطرفين الرسميين على الأرض العراقية؛ حكومتهم والمحتل الأمريكي.. فمن الأهمية بمكان ذكر أن هذه الاتفاقية ، المفترض أن ترى النور قريبا ، ستكون عنصراً آخراً من العناصر العديدة التي فرّقت شعوب المنطقة والرأي العام العربي من جرّاء تخندقهم واستقطابهم في السنوات الأخيرة بين مؤيدٍ ومعارضٍ للدور الأمريكي في العراق وفي شرق المتوسط عامة وللوضع الجديد الذي بدأ يتكون على أرض الرافدين بسبب تداعيات الحدث التاريخي الكبير المتجسّد في العملية الجراحية غير الاعتيادية التي قامت بها الولايات المتحدة قبل خمس سنوات، لتغيير النظام العراقي السابق بالقوة للتخلص من أعتى نظام استبدادي، سيتذكر مساوئه المواطنون العراقيون وغيرهم من شعوب المنطقة لفترة طويلة من الزمن!


أما بقية القصة المتعلقة بالأسباب الحقيقية لدوافع اختيار الولايات المتحدة الأمريكية للنهج الحربي بالذات لإسقاط النظام السابق فهي من البديهيات التي لا يختلف عليه شخصان ، من أن المصالح الحيوية والإستراتيجية الغربية والأمريكية خاصة ، كانت وراء ذلك الغزو الحربي أكثر من الحجج المبرّرة واحتمالات ما إذا كان العراق يملك أسلحة الدمار الشامل أم لا ؟! ولو أن النظام السابق - على أية حال - كانت بحوزته أسلحة الدمار الشامل الكيماوية ، التي لم تكن بحاجة إلى برهان، حين استعملها في إبادة قرى كردية كاملة عن بكرة أبيها إضافة إلى استخدامه لتلك الأسلحة إبان حربه مع إيران !


والآن وبعد مرور خمس سنوات ونيف على ذلك الغزو فإن الولايات المتحدة ، نتيجةً لمعارضةٍ شديدةٍ لاستمرارية تواجدها العسكري وبضغطٍ هائلٍ من الرأي العام العالمي والأمريكي إضافة إلى متطلبات وضرورات البنيوية الداخلية للمجتمع الأمريكي ، تعدّ العُدّة للانسحاب التدريجي لقواتها(لاتفصح عنه) ولكن بشروط المحتل كالعادة وبفرض معاهدة أمنية والحصول على قاعدة عسكرية دائمة ، محاولةً الاستئثار بحصة الأسد من زاد المصالح القادمة، المصاحبة لعملية البناء وتشييد البنية التحتية للعراق ، التي يفرضها الطرف القويّ عادة بشروطه على الطرف الأضعف والمحتاج. وليس للأخير من خيارِ عدا محاولة التقليل من ضرر تلك الشروط ، بواسطة أداة فن التفاوض لمجابهة أدوات الضغوط الأمريكية المتلخّصة في ملفات عديدة أهمها ؛ صيغة "إتفاقية" وليست "معاهدة" حتى لا تكون عرضة للمحاسبة من قبل الكونجرس الأمريكي/ التهديد في موضوع الـ 50 مليار دولار المجمّدة من الفترة السابقة ، لدى البنك المركزي الفيدرالي الأمريكي / الوعيد الأمريكي بقدرتها التسبب في خسارة فادحة للعراق في مسألة الـ 80 مليار دولار، قيمة الاحتياطات العراقية من العملات الصعبة في البنوك العالمية والغربية .. بجانب عناصر ضغط عديدة أخرى.


والسؤال الذي يطرح نفسه.. هل بإمكان الحكومة العراقية والقوات العسكرية العراقية لوحدها ، وهي في هذا الضعف المبين وفي طور إعادة التكوين والتحسّن التدريجي البطيء للعودة إلى الوضع الأمني وتأسيس هياكل الدولة من جديد، ومحاصرة من جراء تدخل وعداء سافر من أطراف دول الجوار وما حولها . إضافة إلى الإرهاب الداخلي المستميت، هل بإمكانها لوحدها استتباب الأمن للمواطن وتشييد الجمهورية العراقية الثالثة بدون مساعدة القوات الأمريكية ؟! لابد أن جُلّ العراقيين متفقون على ضرورة الوجود الأمريكي في الوقت الحاضر بل إن أي عاقلٍ على دراية بالوضع العراقي لا يمكنه أن يفكر بشكل آخر.


من الواضح أن ميزان القوى الداخلي لا يسمح البتّة في هذا الرفض العدميّ المطلق من قبل البعض للاتفاقية المزمعة والمفروضة بواسطةِ قوةٍ مناطةٍ بها أصلاً لحماية الوضع الأمني للمواطن وهي بمثابةِ طرفٍ مشارِكٍ أساسٍ في عملية البناء ، إلا إن كان بإمكان الشعب العراقي والحكومة العراقية مقاومة الوجود والاحتلال الأمريكي ، الأمر الذي يتطلب الرضوخ لقوى الإرهاب المتمثل في فلول النظام السابق ومتطرفي القاعدة ، المؤدي بالضرورة لفرض إمارة طلبان العراقية أو نظام حكم يشبه النظام البائد ، على أقل تقدير .. لذلك لا توجد إمكانية فعلية على الأرض لرفض إتفاقيةٍ ، معدّةٍ من قِبَل جهة تدافع عن الوجود العراقي الحالي ووحدته ، إلا بسلكِ جادّة التفاوض للوصول إلى اتفاقيةٍ أقل ضرراً لعراق المستقبل ، على أمل تحويل روح الاتفاقية النهائية إلى "صيغة وسط "، تعطي بالطبع مكتسبات عديدة للأمريكان ولكن تحفظ فوائد جمّة لعراقٍ جديد! نعم .. ستحتوي الاتفاقية على بنودٍ قاسيةٍ تمسّ الاستقلال والإرادة الحرة للدولة العراقية وتحدّ من السيادة العراقية.. كالإشراف الأمريكي على وزارتي الدفاع والداخلية لعشر سنوات قابلة للتمديد ، وحق القوات الأمريكية باعتقال أي مواطن عراقي دون العودة إلى الحكومة أو القضاء العراقي ، وخضوع القوات الأمريكية لدستور وقوانين الولايات المتحدة وليس القضاء العراقي ، وطلب 15 مليار دولارا أمريكيا سنوياً من الحكومة العراقية باعتبارها نفقات سنوية تصرف على القوات الأمريكية الجالبة للأمن والحامية لوحدة التراب العراقي، وغيرها العديد من المطالب، التي يجب على المفاوض العراقي العمل على إنزال أسقفها.


الوضع العراقي الاستثنائي لا يسمح بوجود حالتي ؛ السيادة الوطنية المطلقة وضرورات الحماية الأمنية الماسّة ، التي يحتاجها المواطن العراقي من قِبَل القوات الأمريكية المحتلة .. ومن هنا وكما يقول وزير الخارجية العراقية "هوشيار زيباري" المقتدر في إمكانياته ووطنيته ، في آخر تصريح له في بغداد قبل أيام ، معلقا على التحسّن التدريجي للأوضاع وعودة الدبلوماسيين العرب وغيرهم إلى العراق ، مجنحا إلى الموضوع الشائك ؛ "الاتفاقية الأمنية" قائلا : " إنها مازالت قيد التفاوض بين بغداد وواشنطن ، مستندةً إلى"إعلان مبادئ"، وُقّع سابقا بين بوش والمالكي. ومن المتوقع الانتهاء من الاتفاقية في نهاية يولية / تموز القادم ليدخل حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني من العام القادم" ، مؤكدا.. عدم الوصول إلى إتفاق بين الطرفين حتى الآن عدا قبول الجانب الأمريكي للآراء العراقية بضرورة إسقاط الحصانة عن الشركات الأمنية الأجنبية العاملة في العراق. اختتم "زيباري" تصريحه قائلا : " يجب العمل بكل ما أوتينا من قوة ومنطق تفاوضي بُغية حفظ السيادة والكرامة العراقيين . ولعل المرجعية العراقية للتصويب النهائي للإتفاقية تتجسد في المجلس السياسي للأمن الوطني العراقي ومجلسي الوزراء والنواب وإلاّ فهناك بدائل في حالة عدم الوصول إلى إتفاق في الوقت الحاضر ، تتلخص في استمرارية التفاوض وإعطاء فترة زمنية أطول بُغية تغييرها ، أو مدّ الوضع القانوني الحالي لسنة أخرى عن طريق مجلس الأمن".


لعل المقاربة الحق لفهم هذا الوضع المعقّد للواقع العراقي الحالي يجب أن تنبع أساسا من الضرورات الاستثنائية للواقع الموضوعي غير الاعتيادي وغير المسبوق، بدل الاستسلام للعواطف الذاتية والرغبات الشخصية المجلوبة من النظرة الأخلاقية والمثالية للأمور، وفلسفة المبادئ المطلقة والمقدسات الأبدية ! بل يتطلب اعتماد النهج الواقعي والإدراك الجدلي لنسبية اللحظة التاريخية (المكانية والزمانية) المتحولة أبدً ، وفهم محصّلة حساب الأرباح والخسائر، التي سوف تفرضها بنود الاتفاقية المزمعة . فلا تفيد هنا كثيراً المحاججات القانونية والنقاشات السفسطائية المجرة مثل فكرة أن الاتفاقية تلك تُحاك في الظلام والخفاء وتُفرض تحت حراب سلاح الاحتلال. أوالمقارنات العقيمة غير المنهجية بين الاتفاقيات الجائرة التي فرضها الانجليز إبان استعمارهم للعراق والواقع الحالي ، إلى آخر تلك المعزوفات والأطروحات التي يبديها بعض المحللين الرافضين من جهة . أو"الميوعة" التامة التي يبديها المحللون المصفقون للاتفاقية من جهة أخرى! ومرد ذلك عدم قدرة هؤلاء وأولئك اعتماد منهجية علمية متوازنة بين القبول التام والرفض المطلق للاتفاقية القادمة وذلك بسبب سيادة مدرستي ومنهجي التحليل، المنعكسين لوجهي العملة الواحدة؛ القبول أو النفي/ الزيادة أو النقصان/ الشيء أو عدمه !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة