الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في القراءة الأصولية

مرح البقاعي

2008 / 7 / 11
الادب والفن


أجدني في هذا المقام، مدفوعة، إثر نشر النص الذي يحمل عنوان: أفعى في بنطلون*، ولكثافة ردود الأفعال التي تلقيتها عبر بريدي الالكتروني الخاص، إلى تسليط اليسير من الضوء على ما توارد إلي من تعليقات من "بعضٍ" ممن يعانون من السايكوباتكية الجنسية العضال في تلقّيهم، خصوصا، لنص مذيّل بتوقيع امرأة!

من خلال قراءة موضوعية وحيادية متأنية لردود الأفعال "الذكورية" على نص من المفترض أنه يتمتع بجراءة أدبية جمالية تم نحتها في مركّبات لغوية دقيقة في دلالاتها، وعابرة للثقافات في حمولاتها البلاغية، أن قراءة هؤلاء "البعض" للاستعارات والمجازات اللغوية كانت قراءة كيديّة، مبيّتة النوايا، وقاصرة، تقوم على الاستقطاع اللفظي والعزل البياني والإسقاطات الشوهاء. وقد انقسم هؤلاء في رأيي إلى فئتين لاثالث لهما، أما الأولى فهي ما أدعوها فئة "الجينو- سايكوتيك" أي المصابين بالهواس الجنسي، يقابلهم في الطرف الآخر "الجينوـ فوبياتيك"، أي فئة المصابين بالرهاب من الجنس.

لا أريد السقوط في مطبّ التعميم هنا، لأن التعميم والشمولية ليسا سوى عقدتين مضافتين إلى عقدنا المستطيرة، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن شريحة واسعة ممن يجوز وصفهم بأحاديي الثقافة، ما زالت تقرأ النص الإبداعي بمنظار أصولي سقيم، والحال هنا يمعن في التطرّف حين يصادف أن كاتب النص: امرأة! القراءة الأصولية في هذا المقام تصبح، تلقائيا، نزوعا إلى إلباس كاتبة النص عاقبة جنوحها إلى حافات ما يطلقون عليه صفة "المحظور" و"المنكر" و"الهرطقي"، هذا بداية، ثم سرعان ما يتصعّد هذا الإحساس، عند هذا النوع من القارئ، بصورة عصابية موتورة، مجيشا منه المكبوتات التاريخية مجتمعة، تلك التي تعود به إلى تفاصيل عقده الذكورية العنصرية ونظرته الشهريارية المتعالية على ذلك الكائن "الرغبوي" الذي !ذا نطق إنما ينطق عن الهوى!

الأصولية ليست عاهة دينية وحسب، بل هي التهاب في سحايا الدماغ العربي، منذ داحس والغبراء إلى اللحظة التي أسطر فيها هذه الكلمات، ما خلّف لدينا شللا رؤيويا في البصر والتبصّر، مستعصيا على العلاج أوإعادة التأهيل. إنها القبضة المتشنجة على حنجرتنا، والنظرة الأحادية للعالم المحيط بنا، بمتغيراته وثوابته كافة. هي انكماش في زوايا من التاريخ غامضة لا مخرج لنا من ظلمة كهوفها وشبكة عناكبها وخفافيشها الأسطورية. الأصولية هشاشة بنيوية لا نجد انعتاقا من رواسبها العقائدية والأبارثيدية، بل نمعن منها، كل يوم، إيغالا في دوائرالانقسام على الذات، والتخبط في طميّ الشيزوفرينيا.

متى نتعلم أن نقف وقفة موضوعية وحيادية من الذات أولا، والعالم تاليا، وقفة تساعدنا على نقد التاريخ والحاضر في آن، واستيلاد سياقات ذهنية تُجاري العصر، والخلوص، نتيجة، إلى إعادة تصويب مسارنا السوسيولوجي الذي أدخلنا في زواريب من الاكتئاب الثقافي، ما سيودي بنا إلى انتحار جماعي على طريقة الحيتان الضالّة؟

متى نتعلم أن نقرأ بدافع الاستيعاب الجمالي والنقد العلمي المترفّع عن الإدانات الجاهزة والتهويش العصابي والنزعة الديماغوجية والإسقاطات الغثة لما يفترض أنه سياق أدبي إبداعي إيسثيتيكي بحت؟

في نص "أفعى في بنطلون" مقاربة تخييلية جمالية لقصيدة فلاديمير ماياكوفسكي الأشهر"غيمة في بنطلون". ومحاكاة للتجربة الحياتية الأميركية لمرح البقاعي ـ على تواضع مسيرتها الشعرية ـ مقارنة بالشاعر العابر للعصور فلاديمير ماياكوفسكي، وذلك بزخم شعري يشدّ من أواصر الحبكة في النص، وينحت هيئته الرمزية، في معالجة بينيّة لتقاطع شرطي الزمان والمكان للتجربتين. أما القارئ الفصامي، من فئة أصحاب الهواس أو الرهاب الجنسيين، فلم يجد في مقام المجاز من عنوان النص هذا إلا استعارة محسوسة لتفاصيل فحولته!

متى يتحرر هذا الصنف من القارئ ـ الذكر من لوثة ثقافته الكبتية وتعليبه المرأة، في الظلاميّ من زواريب دماغه، في مشاهد ثلاثة أزلية: أيقونة من جبس، غانية من شهوة، أو منقّبة من تمر! متى يتعلم أبجدية الجسد وشرطه؟ متى يعترف لنفسه أن المرأة التي من لحم وعصب، هي أيضا تجوع، تصرخ، تقترب، تكتئب، تشتهي، تعتزل، تنتشي، تكفر، تمارس الحب، أو تتصوف!

يحضرني هنا ما كتبه حنا عبود في ترجمته لرؤى كاسندرا بريام، قال: " الإنتاج الأدبي مضطر أن يكون جمالياً، فلا يشيع بين الناس العلاقات المادية الشائهة. إن المتنبي الذي مدح حاكم مصر كان يخاطبه بما يجب أن يكون عليه الحاكم الصالح، وعندما هجاه كان يرسم معالم الحاكم الشيطاني، وفي هذه النقطة بالذات تكمن أخلاقية الأدب الجمالية.


* النص كاملا :

أفعى في بنطلون

ظلمة غرفتي عادةٌ سرّية لا يخرق رتابتها سوى ضوء مصباح خجول ينير غلاف كتابين أحفظهما قريبا من وسائد تزدحم على سريري الياباني الذي يقارب أرض الغرفة، أحدهما المجموعة الكاملة لأعمال غسان كنفاني، والثاني مجموعة مختارة من الشعر الرِوسي، مترجمة إلى العربية.

من أسرار السرير الياباني، وهو إطار خشبي يلامس الأرض وفي داخله فراش، من أسراره أنه يُداني الأرض التي منها وإليها المستقر. حالة مثلى أن يكون السرير أقرب إلى قبرمكشوف، فالنوم هو حالة موت مؤقت كما ينسب إليه!. متعة هو الموت القليل، يحملك إلى عالم من ملح وزبد، عالم في المفترق بين الوعي والهذيان، حيث المكان مساحة مفتوحة من عشب صناعي مشذَّب بأناقة ذقن قديس، تحاوط قبرا بلا غطاء، تقوم على حراسته خمس نساء حبالى من طائفة المورمن!.

النوم غيمة من خمر ومَلل، وملاءات مشدودة إلى أقصيي القطيعة: قطيعة النور وقطيعة التشبّث. النوم انفلات من مُخمل التحكّم وتسليم لأظافر الشياطين تحكّ بنعومةٍ قاع الروح. النوم فرصة الذاهب في تعبه للوصول إلى حافة الارتخاء، وطي للمسافة في بقجة الراجع إلى تكوّر الرحم، النوم أيقونة المعابد المهجورة وطواف هاذٍ حول كعبة من ريش وتمر.

النوم انقلاب والصحوعادة.

في النوم تداهمني قصيدة "غيمة في بنطلون" تطوّفني في تلافيف دماغ فلاديمير ماياكوفسكي، ألاحق مسار الرصاصة التي اخترقت حاجز الدم والفاكهة من شعره. هل لشاعر مسكون "بالرضوض والعذابات" أن ينهي حياته بطلقة مسدس لو تسنّى له النوم في قبر مكشوف، كسريري الياباني؟

فلاديمير في نيويورك يكتب الناطحات في تعويذة كنسية، وأنا في واشنطن أخبّ بقدمي العاريتين في طميّ اللغة. وكلانا يختصر التجربة الأميركية في جرعة أخيرة يستقيل بها من لزوجة الممرات المعتمة.

ـ وحين انفجر غسان كنفاني على الإسفلت البيروتي، طارت العصافير من نخر في جمجمتي المسكونة بالعناكب ودبق الهالويين.

علّمني سريري الياباني أن أزج الضوء في قارورة وأرميها إلى ماء العدم. وما أن يداهمني النهار الأميركي حتى أنتصب أفعى في بنطلون. هو صباح يدورعلى شوارع المدينة اللاهثة بتسارع مواعيدها الرتيبة ولقاءاتها المبرمجة وشخوصها الباهتة، كلٌّ في فلك يسبحون. وأنا أنتصب كأفعى في بنطلوني الضيق، وأناورالمسافة في مضيق من المياه المالحة والطحالب. في مدينة الجمادات يختفي حفيف الأصحاب وواصلو الرحم ليرتفع أزيز العجلات المسرعة على الإسفلت الواشنطني السميك.

ـ حين هبطت أشلاؤه على حديد الشرفات، وظلال المارّة، وشجرات الدفلى، خرج غسان من خيمة عزلته واتكأ إلى الشمس، ليشهد فصول موته العسير.

أن تكون ـ مختاراـ وحيدا وأعزلا في مدينة كواشنطن، يعني أن تواصل الانجرار من عتمة نفق، إلى نفق، إلى نفق، حتى تتكسر أظافرك، ويتساقط شعرك، وينسد صمّام قلبك من نقص في دفق عسل الوصل!.

هي امرأة خبرت بعضا من رجالٍ، وذيّلتهم ببهلوان!. كانت تدوّره كقط مربوط من رقبته إلى حافة سريرها الشاسع، تتلهى بتفاصيل طاعته المستترة، وتتمدد على جسده كما الصوفي على سجادة من زجاج مهشّم. علّمَته أن يتهجى اسما أرادته له، وعلّمها أن تتقيء معاشرته!.

- لماذا لم تنفجرعلى ناصية سريري الياباني لأنقّط جلدكَ بمائي الذي لكَ من ورد وسكر.
ـ لماذا ترتفع الى أقصى قبة الزُرقة، وتخلّفني على إسفلت واشنطن السميك، ألدغ نفسي، وكل حيّ، كل صباح، ثم أختفي في بنطلون؟

الوقت ينزّ صدأً، وغيابكَ يضحد الحجر.
أزورك في هيبة الثلج، وتزورني في اندلاع شارات المرور.
أهرع إليك حتى لا أبتعد، فأصطدم بأعمدة الكهرباء.
أضواء المدينة تزيدني إبهاما، المارّون يسرعون إلى جهاتهم، وأنا أتلّوى في زواريب الكآبة.
كالأحصنة أصهل عن بعد:
إنه زلزالك، ولحمي دَوْس لحمك!
أم هو هذيان؟!.

واشنطن، ليل 1/7/2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف