الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكأس و المعاد

طارق الطوزي

2008 / 7 / 12
الادب والفن


إيقاع من الصرخة المستعذبة تخترق صمتي، احتواني جسدها المرتعش المحموم خشية التلاشي، لثمتني حيثما شاءت و لكن بشهوة قدسيّة ...
وجهها الساذج يحمل خوفا غامضا يجعلها تلتحم بجسدي في التصاق عنيد، قامتها ترتفع لتهزم جرأتي في مقاومة كمالها، خبيثة الملمس، شيطانيّة الحركة الشبقيّة ...
تأوهات ما بين الخرافة و العبادة تحاصر ثباتي الملعون...

أداعب ثديها المكتنز فتغفو عيناها بلؤم، أتحرك بخفّة حانية فلا تراني لأني المجهول الصاغر،أجثم في وقار، و أهتزّ كالضياع.
لا يمكن المشيئة من أعالي الوصال .

الرحمة الممزوجة عسل خاثر تمتد لتشملني في لهفة الاتحاد، أنهض عن جسدها الملتوي كارها الفراق، فيطأني نحرها في خفّة الموت يردد عجزي ...
جنان مداها الفتنة.

خمرية الإيقاع المنتشي، ترنو إلى حركتي المتثاقلة بعينين آثمتين ماكرتين، أترنح في سكر أقبل بشرتها الناعمة بفعل متعبد ...
شعلة الكيان تتوهج في رحابة الإطلاق.

قاصر عن حمى الغاية، قاصر عن التشظّي، يتواتر عنفواني في تصاعد البلوغ.
زحمة الاشتياق تنحلّ في فراغ اللقاء

***

خفيفة كالظلّ زاحمتني الفراش، رائحتها التي عهدتها كسرّ عظيم تسكن أنفي، قبلتها بحنو، و نهضت.
جسدي الضئيل يغشاه الماء في اندفاعة صاخبة، ينغلق جسدي عنّي في شكل كرويّ، يمتدّ الزمن في بلاهة الإيقاع. يوم آخر يحتويني بسؤاله الملحاح. يفتر ثغري عن ابتسامة ماكرة.
عدت إلى الفراش أقبل في لهفة أركانها العاجيّة، قالت و ضحكاتها تغالب إصراري : هل تحبني إلى هذا الحدّ ؟
لم أجب، جذبتها بعنف إلى جسدي، قبلتها بشدّة من جبينها، مزقت قميصها بتوتر، ندت عنها أنّة خاطفة...

جلست على حافة السرير في صمت، قلت بتردد : إني خائف.
قالت و هي تقبل ظهري العاري : ممّا تخاف ؟
تملكني العجز و الصمت.

***

عليّ اليوم الكتابة، بعثرة كلمات على ورقة ما سيشكل مصدرا ضروريّا للعيش. أغلقت باب المكتب، ضغطت على مفتاح جهاز الكمبيوتر، بادرت إلى تشغيل نظام الصوت و انطلقت مع موسيقى شوبان.

لا انسجام، تتردد في مخيلتي تفاهة ساذجة ...
تبرز هامسة قذرة، تسكن ألمي بشجن.
لا شيء...

أقطع المكتب في انفعال خانق جيئة و ذهابا، أتطلع إلى الكتب و الجدار و النافذة المغلقة بلا تركيز.. أرقد على الأرض، أتأمل السقف، تتباعد يداي و قدمي، أهوي بقبضتي المكورتين على الأرض بانتظام عنيف ...
لن يحدث تبدل، لقد جفّ نبعي القديم، لن أشعر برغبة في النطق الملحون، لن تتغيّر نبرتي إلى الهذيان المنتشي...
أتأمل في مرآتي مشهد الموت.

أمرق إلى المغازة غريبا مضطربا، أدفع العربة في حذر، ارتياب كريه يغصبني حركتي ...
أعاين المعروضات بضيق، يهزمني الظهور المتألق لثقة الأشياء، أختصر وقفتي القلقة.
أرسم كلمات على كنشي الصغير، الكلمات المضطربة تخدشني، تغالبني الرغبة في البكاء. وضعت علبة القهوة على منضدة البائع.
رمقني بلامبالاة...
عند الخروج كنت متأكدا من أنّ جهاز الإنذار سينطلق، لكن لم يدو صوته الصاخب، فكرت بأنّي كالعادة أخطأت التوقع، إنسا بت دمعة حارة على خدّي المشوّه...

***

الكلمة تخترقني في لجاجة، تتكسر في صخب خبيث. نزيف هائل يشتتني، الأمل ينحلّ ضياعا عن بلوغ فضاء الرؤيا، مزاجي العنيف يختصر احتضاري. يترنح قلمي العاهر على ورقة الردّة، نداء هامس من الملل المزعج يسكنني بإلحاح. أستلقي في سريري، أنتظر...
متاهة العجز تخترق أوصالي المتجمدة، أرنو إلى فراغ قاتم لا أراه إلّا أنا، المسافة المزعجة من الحديث المتلاشي، لا شيء يمكن رؤيته من تخمتي. سؤال مزعج يملأ رأسي التافه : أين ؟
مكان ما في فضاء المتاهة يحتوي إجابة ما، نعم، الصواب هناك، في مكان ما بلا صفة واضحة يجيبني عن سؤالي اللدود.

توقفت الحافلة في الاستراحة، نزلت بسرعة، كنت ثقيلا بالخبث ...

استلقيت على السرير باسترخاء، وزَّعَت القبل على جسدي العاري.
سقوط في هوّة بلا قرار و لا معنى...
المدى يتفسخ في فراغ..
تشرق نفسي المترنحة الخابية حياة.

***

تلتقي شفتي بالكأس في امتزاج عنيف، تسري في جسدي قشعريرة الانتشاء، رحيق أحمر يغشاني في وقاحة فيتملكني السكر...
الكأس الطيني يلتحم بشفتي في مساحة الفراغ، فيسكنني سؤالي القديم : أين ؟
الكأس الطيني شظايا عبق اللّذة الغريبة الذي يستعبدني...
الكأس الطيني يضمني إليه بقسوة، يحدثني بلا انتظام عن ترهات المقام، عن الذاكرة المكبلة في الكآبة، عن شخوص تخونني لمجرد اللهو، و أشياء من وجود التفاهة.
نعم، الكأس الطيني المشوّه يحملنني رغبة شيطانيّة في المضاجعة.
كنت أثقل بأصابعي المترددة على عنقها المرتجف، حاولت الفرار إلى الإغماض و لكنني انتزعتها لنفسي، إنّها في مدى أصبح لي وحدي؛ ميتة في صمت هادئ تصارحني الحبّ.

***

خيالات مزعجة تداهمني في شراسة.
الصور المشتتة لعالم مهمل تجتمع في حضور غريب عند فعل منكر؛ قتل من أحببت، فكرة ترسخت في ذهني العليل بإلحاح عنيد. أيمكن أن تمتدّ يدي إلى عنقها فتنزع عنها روحها ؟ أيمكن أن أحرق جثتها حتّى تتحوّل إلى رماد ؟ أيمكن أن أصنع من رمادها كأسا طينيّا ؟ أيمكن أن أشرب من هذا الكأس خمرا ؟.
لا أحتمل منطق التلاشي في السراب، أرصد متاهتي المجنونة تقيد خواطري، هل من المعقول أن يكون الصواب هناك ؟.
يتوقع هوسي أن ترتوي شفتي من كأس الحبّ ذاك لتنطق فورانا، نعم، تنطلق في صخب الوجد إلى لقاء بالمطلق الخرافي، تخرق الحجب القديمة لكائن الفراغ...
لا معقول.
لن أمزق رؤيتي في خزعبلات الاعتقاد، ألست بالنكرة ؟ إذا، ما الذي أفعله ؟

***

زخات من خبثي تتلقفها المياه الخجولة، السؤال لا يفارق نجاستي...
الحضور المقيت العاجز ينخر قواي المبتذلة، لا أحمل معنا ثائرا و لا مجرد تفكير في موقف ما، حياة تثابر على اللامعنى، خيالات مجرمة و ساذجة تسكنني بلا صواب، لكن بالرغم من صفتي البلهاء يتملكني إحساس راسخ بأنّي قاتل.
خفقان قلب يكتب الرؤيا الجريحة، عنف التمزق ...
القلم يضطرب بحركته المترددة في يدي، قررت رسم حروف تستكمل تهجئة نفوري المتقزز، راحت حياتي القذرة تستعرض مساري الملعون، استيقظت فيّ عبارات مشرّدة : الخبث، الموت، النداء، القذارة، اللعنة ....

***

تداعب شفتي المتقرحة جسدها الميت. تحلق من حولها المقرئون، راحوا يتلون في أصوات متنافرة قبيحة ألفاظا مبهمة، أتلفني حزني فقررت الكتابة.
أفقت من جنوني وسط غرفتي. الكلمات تتزاحم في سيل مدمر. تفقأت عيني.
لاشيء، مجرد تفاهة العيش، الراقصون أرادوا أن تتلاعب قدماي و يداي و رأسي في ميدانهم الواسع، ضحك الجميع لأني أحسنت الرقص...

نظر إليّ الشرطيّ بوقاحة و هو يقول لي : لما قتلتها ؟
- لن تفهمني
- حسنا، جرب هذه اللكمة لعلّها تثبت فهمي
الفكرة الوسخة تتلبسني.

***

مشهد الجحيم خراب غامض، يتلوّن الصخب في اندثار سريع و كيان بطيء، تتورّق فضيحتي المزيفة، أنزف بغبطة الاتساع المطلق، لا أشعر بمعنى إطلاقا بل مجرد حضور انفجاري ...
يا للعجب.
بلا فهم أضرب رأسي على جدار قديم، أسقط صريعا لغلظة السقوط ...

***

رفضت في ضيق ممّا زادني اشتياقا إلى الفحش، حاصرت جسدها الممانع في المقعد بقسوة الرغبة، الظلمة تستر إرادتي، قاعة السينما تبدو غير مبالية بمقعدي الخلفي، قالت بغضب : توقف سيلحظنا أحدهم
- لا يهم
- و لكن ...
كانت شفتي تعاند كلماتها الوقحة، يدي تداعب عجيزتها الممتلئة، حاولت أن توقفني، اندفعت في حرقة الاشتياق أضمّ جسدها بعنف، تخلّى عنها حذرها البارد، هبّ وجهها إليّ يخلصني ثورتي...

أثقلني حضوري الركيك، ميزتي الخنوع الأبدي إلى قوى التلف فقط، لن أقدر على الاستمرار في فعلي المتستر المجنون. أتستطيع الكيان بلا فهم، بلا قرار، بزيف المعتقد المبهم ؟ ينحسر معناي الصاخب إلى ضلال الانكسار، أتيه في اللاشيء المعتاد... أشعر برغبة عنيدة في البكاء. يتحدث الناس فأسمع قصصي تتكرر بعهر، تتواتر في سخافة كي تكون من جديد.
- يجب أن تكون أبلها حتّى ترضى بمجرد الحضور المعاد.
كانت تسبقني في صمت وهي تمشي هادئة، تابعت حركة عجيزتها المتوترة بذهن شارد، ناديتها، وقفت وهي تنظر إليّ ببلادة،قلت : " أحبك "، تابعت سيري تركتها خلفي غاضبة أو هي كئيبة، المهم أنّي واصلت المسير بحماسة إلى المعتاد.
- أنت تكرهني؟.
- لا.
- ولكنك تتعمد إغاظتي..
- قد يكون هكذا عشقي الحقيقي.
ابتسمت بخبث، صفعتني بقوّة، انهالت عليّ باللكمات، بصقت على وجهي، عضت شفتيّ فأدمتها، لم أقاوم لأني كنت في ضياع الشهوة أخلق.

***

أتلقف الكأس الطينيّ بيدي اليسرى بعد أن دفعته بتهور إلى السماء بيدي اليمنى، ألقم بعضا منه في شراسة الغياب، أسحق فتاته بقسوة البعث، ابتلع روحها القلقة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??